أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات

بدأت مشوارها في الملاعب مرافقة لأمها... وزوجها ومدرّبها «نصف روسي»

أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات
TT

أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات

أنس جابر... نجمة ويمبلدون التونسية أول عربية في ربع نهائي السيدات

حققت نجمة كرة المضرب التونسية والعربية أُنس جابر (26 سنة) خلال الأسبوع المنصرم إنجازاً تاريخياً، تونسيا وعربياً، عندما بلغت ربع نهائي فردي السيدات في نهائيات ويمبلدون (البطولة البريطانية لكرة المضرب بلندن. وجاء إنجاز جابر هذا في أعقاب سلسلة من الانتصارات حققتها منذ 2010 في العديد من البطولات الدولية من أستراليا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمغرب، وتركيا... إلى روسيا والبطولة الفرنسية (رولان غاروس) بباريس.
وحقاً، فجّرت انتصارات أنس جابر حملة مساندة غير مسبوقة لها وللرياضيات التونسيات والعربيات في المواقع الاجتماعية، وتصدّرت صورها مع مدربها وزوجها (نصف الروسي) كريم كمون، وأمها سميرة – وهي لاعبة كرة مضرب أيضاً - . وكانت أنس قد بدأت مغامرتها الرياضية بمجرد مرافقة أمها وجمع الكرات لها وللمتبارين معها في ملاعب كرة المضرب وقاعات الرياضة والفنادق السياحية.

وقد بدأ نجم أنس جابر، الطفلة ثم الشابة المولعة بكرة المضرب، مثل أمها، منذ 2007 عبر سلسلة من الانتصارات حققتها على البطلة التونسية نور عباس، ثم على عدد من النجمات العربيات والعالميات الشابات، ثم المحترفات... بما في ذلك البطولتان الفرنسية في 2010 والبريطانية في 2011، اللتان تعدان مع البطولتين الأميركية والأسترالية بطولات «المجموعة الكاملة» (الغراند سلام).

- ابنة الساحل التونسي
ولدت أنس جابر في منطقة «الساحل التونسي»، (إلى الجنوب من تونس العاصمة) موطن رئيسي تونس السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وغالبية كبار المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال في البلاد. وأورد توفيق جابر، السفير والمدير العام في وزارة الخارجية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن أنس، ابنة شقيقه رجل الأعمال رضا جابر من مواليد مدينة قصر هلال في محافظة المنستير موطن الحبيب بورقيبة. ثم نشأت وتعلمت في مدينة حمام سوسة، موطن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث استثمر أبوها أمواله ومارست أمها رياضتها المفضلة كرة المضرب في قاعات الرياضة بالفنادق السياحية.
هذا، ورغم تمركز أبرز أندية كرة المضرب والرياضات الفردية في العاصمة تونس، «فقد ساهمت المؤسسات السياحية في الساحل التونسي، موطن أنس جابر، وفي جهات أخرى في البلاد في تشجيع الرياضات الفردية واهتمام الأطفال والشباب بها. شمل ذلك كرة المضرب و(الغولف) والرماية والمبارزة...»، على حد تعبير السفير توفيق جابر، الذي نوّه بالدعم الذي لقيته ابنة شقيقه مبكراً من والديها سميرة ورضا معنوياً ومادياً.
وبعدما تألقت أنس عربياً ودولياً خلال السنوات الماضية تضاعف دعم رجال الأعمال ومسؤولي وزارة الشباب والرياضة لها، بينهم عدد من أصحاب الفنادق السياحية في محافظة سوسة (140 كلم جنوبي العاصمة). وأعلن بعضهم، مثل البرلماني والناشط السياسي حسين جنيح تبنّيهم لها، وتحدّثوا في تصريحات صحافية عن «أبوّة معنوية لها «.

- الزوج والمدرّب
إلا أن الدعم الأكبر الذي حظيت به أنس جابر خلال السنوات الخمس الماضية جاءها أساساً من زوجها كريم كمون، النجم الرياضي الذي ولد لأب تونسي وأم روسية، وبدأ مشواره الرياضي في العاصمة الروسية موسكو.
ولقد أعربت أنس جابر على صفحتها في موقع «فيسبوك»، بعد فوزها بلقبها العالمي الأول في مدينة برمنغهام البريطانية الشهر الماضي، عن شكرها كل من آمن بها ودعمها. وخصّت بالشكر مدربيها التونسيين، ونوهت تحديداً بمدربها الفنّي عصام الجلولي، ومدربها البدني زوجها كريم كمون، ورئيسة الاتحاد التونسي لكرة المضرب سلمى المولهي ومساعديها.
كريم كمون يعد، في الواقع، من أبرز لاعبي المبارزة ومدربي اللياقة البدنية التونسيين الشبان الذين اكتسبوا خبرة طيبة في روسيا. ويفسّر جانب من تألق زوجته عالمياً مرافقته لها وإشرافه المباشر على تأمين التمارين التي تضمن تحسين لياقتها البدنية وقدرتها على الصمود أمام منافساتها. وبالفعل، نشرت وسائل الإعلام مراراً صوراً طريفة عن أنس وزوجها كريم في «فواصل تدريب استثنائية» قبيل مقابلاتها في غرفتهما في الفندق. كذلك نجح «الزوج المدرّب» في تأمين دوره عندما وظّفته وزارة الشباب والرياضة التونسية، وسمحت له بالتفرّغ لتدريب زوجته النجمة ومرافقتها.
وكانت قد تباينت المواقف من تمديد تكليف كريم كمون هذه المهمة بعد تألق أنس في بطولة روسيا عام 2018؛ إذ أصدرت وزارة الشباب والرياضة قراراً بإنهاء التكليف، ودعته لتولي وظيفة جديدة في مقر الوزارة. وبرّر البعض داخل الوزارة (جامعة رياضة التنس) القرار بـ«حاجة النجمة الرياضية إلى التفرغ للتدريب الرياضي بعيداً عن تشويش الزوج المرافق». واتهم بعض الإعلاميين من اعتبروهم «غيورين» من أنس داخل اتحاد كرة المضرب التونسي ووزارة الرياضة بالوقوف وراء ذلك القرار. ومن جانبها، اتهمت أنس هيئات تونسية في مرحلة سابقة بالتقصير في دعمها مادياً؛ لأنها أسندت لها دعماً «متواضعاً جداً» قيمته 50 ألف دينار سنوياً (نحو 20 ألف دولار أميركي).
غير أن عدداً من محبّي النجمة الصاعدة والمعجبين بقدراتها، داخل قطاعي الرياضة والإعلام، اعترضوا على قرار إبعاد الزوج المدرب، وشنّوا حملة إعلامية شملت مواقع التواصل الاجتماعي. ونجحت الحملة، بصدور قرار حكومي بالتمديد لكمون، بعد جلسة رسمية في مكتب وزيرة الشباب والرياضة السابقة ماجدولين الشارني. وحسب محرز بوصيان، الرئيس السابق لجامعة كرة المضرب التونسية، أن نجاح أنس جابر بإحراز لقب عالمي في بريطانيا وألقاب دولية كثيرة شرقاً وغرباً مرتبط بتعاون مدربها الفني عصام الجلولي مع مدربها البدني زوجها كريم كمون.

- التفاؤل والأمل... زمن الإحباط
على صعيد آخر، كشفت مئات آلاف التدوينات في وسائل التواصل الاجتماعي التونسية والعربية بعد انتصارات أنس جابر أخيراً في بريطانيا رغبة من تيار كبير من الشباب والكهول في تونس والعالم العربي في التنويه بـ«خبر مفرح زمن الإحباط والهزائم وخيبات الأمل». وشارك في التدوينات ساسة تونسيون من مختلف المواقع والتيارات، بينهم رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان وزعماء من الائتلاف الحاكم والمعارضة. كذلك، اعتبرت ناشطات حقوقيات تتويج أنس جابر انتصاراً جديداً للمرأة التونسية والعربية «رغم محاولات المحافظين والمتطرفين النيل من حقوقها ومن مكاسبها والتقليل من فرص بروزها». وربط أيضاً خبراء في علم الاجتماع بين انتصارات أنس الرياضية وفوز فتيات بالمراتب الأولى وطنياً في امتحانات الثانويات والجامعات. وأبرزت غالبية وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية التونسية صوراً وفيديوهات كثيرة تبرز البطلة أنس، وقد التحفت بالعلم التونسي، معلنة أنها تهدي انتصاراها وتتويجها والكؤوس التي فازت بها إلى تونس وإلى كل الرياضيات والرياضيين في بلادها وفي العالم العربي، وإلى زوجها كريم وأبويها رضا وسميرة وكل أفراد عائلتها ومدربيها وكل من آمن بها منذ كانت طفلة ثم مشاركة عادية في رياضة «الصغريات والأواسط» (أو «الوسطيات»).

- هديةلشباب «الثورة»
تجدر الإشارة إلى أن أنس وأسرتها كانتا قد اقتحمتا عالم مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام منذ حققت نجمة كرة المضرب التونسية عام 2011 انتصارات فاجأت الرياضيين في العالم والمشاركين في البطولة الفرنسية (رولان غاروس) لفئة الشباب/الأواسط. ومنذ تلك المحطة وصفت وسائل الإعلام العربية والعالمية أنس جابر بـ«أميرة كرة المضرب العالمية الصاعدة»، وصارت توصف بـ«البطلة التونسية والعربية والأفريقية».
هذا، وفاجأ رجل الأعمال رضا جابر، والد أنس، الرأي العام التونسي والعالمي بعد تتويجها في «رولان غاروس» عام 2011، عندما أعلن للصحافيين أن ابنته لم تحقق مجرد انتصار رياضي، بل حققت إنجازاً تاريخياً في ظرف مميز وطنياً ودولياً... فأهدت وهي في الـ16 من عمرها «انتصاراً إلى شباب الثورة التونسية الطموح والشباب العربي». ونوّهت سميرة الحشفي، أم أنس، منذ تتويج 2011، بقدرات ابنتها التي تطوّرت من مجرد «طفلة مرافقة لوالدتها» تشارك أحياناً في «جمع كرات المضرب» إلى لاعبة دولية تحقق انتصارات في دورات عالمية. أما جدة أنس، الحاجة بوراوية بوصفارة، فكان قد نقل عنها في تصريحات صحافية منذ إنجاز حفيدتها في «رولان غاروس» عام 2011، قولها «أنس هي مدللتي التي أثق في نجاحها وتفوّقها. وكنت أتابعها بكل شغف وأدعو ليلاً ونهاراً بأن يوفقها الله، والحمد لله على نجاحها». وفي الوقت نفسه، توقع نبيل مليكة، مدرب أنس في الفئات العمرية الشابة منذ 2011، نجاحها بأن تخوض تجارب دولية أكبر، وفسّر تفاؤله المبكر بما وصفه بعزيمتها الفولاذية وصبرها وإصرارها.

- تتويجات... ونفَس طويل
تطول قائمة تتويجات أنس جابر وانتصاراتها وطنياً وعالمياً قبل بلوغها ربع نهائي ويمبلدون قبل أيام. إذ إنها توّجت في دورة تونس الدولية لكرة المضرب في ثلاث مناسبات (2013 و2014 و2016)، وقبل تلك المحطات وبعدها، توجت في دورات الدار البيضاء (المغرب) وأنطاليا (تركيا) عام 2010. وفي البطولة الفرنسية (رولان غاروس) لفئة الشابات عام 2011.
ثم عام 2017، دخلت سباق أفضل 100 لاعبة محترفة بعد بلوغها الدور الثالث في «رولان غاروس». وفي 2018، وصلت إلى نهائي دورة موسكو الدولية، بيد أنها تعرّضت للإصابة وخسرت اللقب الذي أوشكت أن تفوز به، لكنها حققت أفضل تصنيف في مسيرتها ببلوغها المركز 61 عالمياً.
بعد ذلك، في ديسمبر (كانون الأول) 2019 فازت أنس بجائزة «أفضل رياضية عربية للعام 2019». ثم كانت محطة تتويجها الأكبر عامي 2020 و2021 بين أستراليا والخليج ثم فرنسا وبريطانيا.
بعد هذه المسيرة المتميزة، يتساءل البعض عما إذا كانت أنس جابر ستتمكن من تحسين موقعها في التصنيف العالمي في هذه الرياضة الفردية... أم يتسبب تقدمها في السن نسبياً في انسحابها تدريجياً، مثلما حصل بالنسبة لعدد كبير من زميلاتها وزملائها؟
كائناً ما كان الجواب، لا شك في أن انتصارات أنس جابر، شرقاً وغرباً، أنعشت الأمل في نفوس الشباب التونسي والعربي عموماً، والرياضيين خاصة، وأقنعتهم بأن العزيمة والتعب يمكن أن يحقّقا المعجزات.


مقالات ذات صلة

رئيس «وادا»: واجهنا هجمات ظالمة وتشهيرية في عام مضطرب

رياضة عالمية رئيس وادا البولندي فيتولد بانكا (واس)

رئيس «وادا»: واجهنا هجمات ظالمة وتشهيرية في عام مضطرب

تعرضت الهيئة الرقابية الرياضية لانتقادات شديدة بسبب السماح لسباحين من الصين ثبتت إيجابية اختباراتهم لمادة تريميتازيدين.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
رياضة عالمية سينر تعاطى مرتين مادة كلوستيبول المحظورة  (إ.ب.أ)

مكافحة المنشطات: مصير سينر يتحدد خلال العام الجديد

أعلنت (وادا)  أن محكمة التحكيم الرياضية (كاس) لن تصدر قرارها بشأن الاستئناف في قضية لاعب كرة المضرب الإيطالي يانيك سينر.

«الشرق الأوسط» (مونتريال )
رياضة عالمية ستان فافرينكا يشارك في أستراليا المفتوحة (أ.ب)

«دورة أستراليا»: البطل السابق فافرينكا يشارك ببطاقة دعوة

أعلن منظمو بطولة أستراليا المفتوحة للتنس الجمعة أن ستان فافرينكا كان من بين 9 لاعبين حصلوا على بطاقات دعوة للمشاركة في البطولة.

«الشرق الأوسط» (ملبورن)
رياضة عالمية ستيسي أليستر ستتنحى عن منصب مديرة بطولة أميركا المفتوحة العام المقبل (أ.ب)

أليستر مديرة «أميركا المفتوحة» تتنحى عن منصبها بعد نسخة 2025

أعلن الاتحاد الأميركي للتنس أن ستيسي أليستر مديرة بطولة أميركا المفتوحة ستتنحى عن منصبها بعد نسخة 2025 من البطولة الكبرى وستتولى دوراً استشارياً بالاتحاد.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
رياضة عالمية من تجهيزات كرات المضرب في لندن (أ.ب)

اتحاد التنس البريطاني يمنع مشاركة المتحولات لضمان العدالة

قال اتحاد التنس البريطاني الأربعاء إنه أجرى تحديثاً لقواعده لمنع النساء المتحولات جنسياً من المشاركة في عدد من بطولات للسيدات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».