المغربي «صلاح إنترتاينر» يحصد لقب «أرابز غوت تالنت»

الجمهور صوت له بكثافة وهزم ياسمينا

صلاح إنترتاينر أثناء تقديمه عرضه الراقص في حلقة النهائيات من برنامج «أرابز غوت تالنت»
صلاح إنترتاينر أثناء تقديمه عرضه الراقص في حلقة النهائيات من برنامج «أرابز غوت تالنت»
TT

المغربي «صلاح إنترتاينر» يحصد لقب «أرابز غوت تالنت»

صلاح إنترتاينر أثناء تقديمه عرضه الراقص في حلقة النهائيات من برنامج «أرابز غوت تالنت»
صلاح إنترتاينر أثناء تقديمه عرضه الراقص في حلقة النهائيات من برنامج «أرابز غوت تالنت»

حصد المغربي صلاح إنترتاينر لقب «أرابز غوت تالنت» في موسمه الرابع، محققا بذلك توقعات نجاحه من قبل لجنة حكم البرنامج. فبعد تنافس شديد شهدته حلقة النهائيات للبرنامج، ما بين المشتركين العشرة الذين وصلوا إليها، جاء تصويت الجمهور الكثيف لصالح صلاح إنترتاينر ليحسم الموضوع بشكل نهائي، مسجلا بذلك مفاجأة الموسم؛ إذ كانت الكفة مائلة بشكل أكبر في الشارع العربي إلى فوز المشتركة المصرية ياسمينا.
التقط مشاهدو حلقة النهائيات من «أرابز غوت تالنت» أنفاسهم قبيل إعلان اسم الفائز باللقب، خصوصا أن أعضاء لجنة الحكم أظهروا دعمهم المباشر للموهبتين صلاح إنترتاينر وياسمينا، فأكد أحمد حلمي بعد الوصلة الغنائية لهذه الأخيرة بأنه صوت لها شخصيا، فيما أمسكت نجوى كرم بجهازها الجوال مباشرة على الهواء قائلة: «وأنا أيضا سأصوت لها الآن». أما علي جابر فبدا مشجعا كبيرا لصلاح إنترتاينر عندما قال متوجها للمشاهدين: «إنه يستحق اللقب وهو من أهم المواهب المرشحة للفوز فصوتوا له».
وكانت 10 مواهب منوعة بين فنون الغناء والرقص والأكروبات والألعاب البهلوانية وغيرها، قد استطاعت الوصول إلى مرحلة النهائيات. وقد تألفت من المصرية ياسمينا (غناء)، والمغربي صلاح إنترتاينر (رقص تعبيري)، والجزائري نابلسون (الرياضة الخطرة)، والصومالية مراوة (رقص الهيلا هوب)، والتونسيين محمد وفرات غربي (أكروبات)، وفريق «فيري باد تيم» (رقص) من المغرب العربي، وفريق «كرايزي دانكرز» الأوروبي (كرة سلة موسيقية)، إضافة إلى الموهبتين اللبنانيتين كارن وتيلما (رقص تعبيري)، والفلسطيني محمد الشيخ (لياقة بدنية)، والثنائي المغربي «ديو سورا» (رقص تعبيري).
اتسمت حلقة النهائيات من «أرابز غوت تالنت» في موسمه الرابع بالتناغم الكبير بين أعضاء لجنة الحكم الأربعة وهم: علي جابر ونجوى كرم وناصر القصبي وأحمد حلمي. كما تخللتها أحاديث وتعليقات مباشرة فيما بينهم اتخذت طابع الطرافة بشكل ملحوظ. فشكلت الوردة التي قدمها المشترك نابلسون لنجوى كرم مادة دسمة لإطلاق التعليقات عليها، لا سيما بعدما أهدتها صاحبتها لعلي جابر ليزين بها بدلته الأنيقة، وبعد أن أعادها لها مع جزيل الشكر بسبب اتهامها له بأنه «يصيب بالعين» لأنه يملك عينين زرقاوين. أنقذ أحمد حلمي الموقف ليقبل الوردة وليقدمها من جديد إلى نجوى كرم، التي كانت هددت ممازحة بمغادرة البرنامج فيما لو تمسك زميلها علي جابر بموقفه. كما ترك الفنان المصري أحمد حلمي البسمة على ثغر المشاهدين أكثر من مرة، عندما تحدث بلغة غريبة مع المشترك صلاح إنترتاينر، وعندما علق على وصلة الثنائي «دو سورا» بالإنجليزية مستخدما عبارة «واتس آب» بسخرية، مما حدا بجميع أعضاء اللجنة إلى تكرارها في كل مناسبة سمحت لهم بذلك.
وقدم المشتركون الـ10 وصلات فنية رائعة اتسمت بالاحترافية والغرابة معا، كتلك التي أطل بها فريق «كرايزي دانكرز» فقدموا خلالها عرضا مشوقا بكرة السلة بعيدا كل البعد عن تلك الكلاسيكية التي نشاهدها عادة. كما حصد عرض الصومالية مراوة إعجاب الحضور ولجنة الحكم معا، عندما كسرت الرقم القياسي في الرقص بالـ«هيلا هوب» مستخدمة 100 منها وهي ترتدي الكعب العالي وهو أمر يحصل لأول مرة على المسرح.
ولم تخل العروض المقدمة من نفحة الرومانسية مرة والطفولة مرة أخرى إن من خلال وصلة الثنائي «دو سورا» الذي قدم لوحة تعبيرية راقصة ودافئة، أو من خلال اللوحة الزاهية والحالمة معا التي قدمتها الموهبتان اللبنانيتان كارن وتيلما.
وإثر إعلان النتيجة لم يستطع صلاح إنترتاينر أن يتمالك نفسه فبقي لثوان قليلة يبكي تأثرا، فيما بدت المشتركة المصرية ياسمينا هادئة؛ إذ لم تحرك ساكنا، إلا أن هذا الأمر لم يمنعها من أن تصفق لزميلها وتهنئه على فوزه. والمعروف أن هذه الأخيرة شكلت حالة فنية فريدة من نوعها على الساحة العربية؛ إذ تميزت بصوت رخيم وقوي نسبة إلى عمرها الذي لا يتجاوز الـ16 عاما. كما أنها تسببت بنوع من الحساسية بين الفنانتين نجوى كرم وأحلام عندما أعلنت هذه الأخيرة في تغريدة لها عبر حسابها الخاص على موقع «تويتر» بأن صوتها «مستعار»، فما كان من الفنانة نجوى كرم إلا أن ردت عليها مباشرة في إحدى حلقات نصف النهائيات من البرنامج وإثر وصلة غنائية لياسمينا قائلة: «يبقى الأصلي أصلي والعياري عياري مهما حصل».
وكان لأعضاء لجنة الحكم تعليقاتهم حول الموسم الرابع من البرنامج، حيث أكد ناصر القصبي أنه فخور كون البرنامج استقطب مواهب عالمية وليست عربية فقط، فيما أشار علي جابر إلى أن البرنامج هذا الموسم أظهر وبشكل واضح أن الشعب العربي لديه مواهب فنية خارقة تنقض الفكرة السيئة السائدة عنه لدى الغرب.
أما الفنانة نجوى كرم فأكدت من جهتها أن هذا البرنامج اختصر أزمنة كثيرة، وأنها تتمنى أن تقدم يوما ما مسرحية تجمع نجوم هذا البرنامج لتشكل عملا فريدا من نوعه يبهر الجمهور. أما الممثل المصري أحمد حلمي فتوجه للمشتركين بالقول: «من سيخسر اللقب فعليه أن يعلم أنه حقق النجومية بفضل هذا البرنامج، ومن سيفوز به فعليه أن يتمسك جيدا بهذه الفرصة التي قدمت له».
وإثر انتهاء الحلقة وإعلان النتائج عقد مؤتمر صحافي حضره أهل الصحافة والإعلام والفائز باللقب، الذي أكد أن الفنون التي يقدمها نابعة من معاناة كبيرة عاشها في حياته. وعن المشترك الذي كان يتوقع له الفوز أجاب: «كنت أتوقع الفوز للطفل الفلسطيني محمد الشيخ والمصرية ياسمينا». وأشار صلاح إنترتاينر إلى أنه سبق أن شارك في «أرابز غوت تالنت» في نسخته الفرنسية عام 2006 وحقق يومها الفوز. ولكن وتمسكا منه بهويته العربية رغب في إعادة الكرة والمشاركة بالنسخة العربية على قناة «إم بي سي»، وأنه لمس تفاوتا كبيرا فيما بين النسختين؛ إذ إن الثانية تقدم بشكل أكثر احترافية ويتابعها فريق الإعداد والإنتاج بشكل دقيق، وأن هذا الأمر ينعكس إيجابا على أداء المواهب المشتركة واللوحات الفنية.
وعما إذا كان يشعر بالفخر لتشبيهه بالفنان العالمي تشارلي شابلن، إن بخفة دمه أو ليونته الجسدية، أجاب: «ما يهمني هو أن أرسم البسمة على ثغر كل شخص حزين، وسأقوم في المستقبل بتعليم الأطفال المحرومين واليتامى هذا الفن».
وأعلن مازن حايك المتحدث الرسمي باسم مجموعة «إم بي سي» الإعلامية، خلال المؤتمر عن أن البرنامج سيستمر لموسم خامس جديد. بعدها أشار إلى أن المشاهد العربي يعطي حيزا كبيرا لأعضاء لجنة الحكم المشاركة في هذا النوع من البرامج، بينما في نسخاته الأجنبية الاهتمام الأكبر يصب في خانة المواهب المشاركة، كون النجوم الذين يشاركون في لجنة الحكم يتبدلون أحيانا كثيرة بين موسم وآخر. ولوحظ أن الأجواء العامة بين الصحافيين كانت تشير إلى اقتناعهم بعملية التصويت التي جاءت عادلة، حسب رأيهم.
يذكر أن صلاح إنترتاينر حصل على جوائز قيمة بينها، 500 ألف ريال سعودي، وسيارة جديدة، ورحلة سفر إلى لندن، للالتقاء بمؤسس برنامج «أرابز غوت تالنت» البريطاني سيمون كاول.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)