متاحف وحدائق وموسيقى... سفراء أوروبا يختارون وجهاتهم المفضلة في القاهرة

صوّروا أفلاماً قصيرة في الأماكن التي زاروها

TT

متاحف وحدائق وموسيقى... سفراء أوروبا يختارون وجهاتهم المفضلة في القاهرة

«ليس مَن رأى كمن سمع»... مقولة قديمة يُستشهد بها دائماً للحث على خوض تجارب السفر، والتعرف عن قرب على الأماكن المختلفة وثقافات وعادات الشعوب، وهو ما حاول سفراء دول الاتحاد الأوروبي في مصر تطبيقه أخيراً، عبر مشاركاتهم في مبادرة جديدة تبرز وجهاتهم المفضلة في القاهرة عبر مجموعة من الأفلام القصيرة.
ودشّن وفد الاتحاد الأوروبي في مصر المبادرة عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة منذ بداية الشهر الحالي، وبحسب بعثة الاتحاد فإن السفراء المشاركين في المبادرة كانوا سعداء للغاية بهذه التجربة، وبينما اختار بعض السفراء متاحف بالقاهرة كأفضل الأماكن المفضلة لديهم، اختار آخرون حديقة الأزهر الهادئة التي تطل على القاهرة التاريخية من تل مرتفع، فيما فضل عدد منهم الرحلات النيلية أو الذهاب إلى نادي الإبحار اليوناني، أو تناول الطعام، أو القيادة في القاهرة.
وثمّن الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري، مبادرة سفراء دول الاتحاد الأوروبي في مصر للترويج للسياحة المصرية، ووصفهم بـ«أصدقاء وزارة السياحة والآثار، وطلب العناني من كريستيان برجر سفير الاتحاد بتوجيه الشكر لهم، لافتاً إلى أن هذه المبادرة والزيارات تمت بالتنسيق الكامل بين الاتحاد الأوروبي ووزارتي السياحة والآثار والخارجية المصرية».
وفي إطار المبادرة، قام 22 سفيراً من سفراء دول الاتحاد الأوروبي بزيارة بعض الوجهات السياحية والأثرية المصرية المفضلة لهم؛ حيث قام كل سفير بتصوير فيلم قصير للترويج للسياحة والآثار المصرية أعرب خلاله عن إعجابه وارتباطه بأحد المقاصد السياحية أو الأثرية، بالتزامن مع نشر هذه الأفلام على صفحاتهم الخاصة وصفحات سفارات بلادهم عبر «فيسبوك»، «إنستغرام»، «تويتر»، «يوتيوب».
وافتتحت لاورا كانسيكاس ديبريس، سفيرة دولة فنلندا المبادرة عبر نشر مقطع فيديو لها داخل متحف الفن الإسلامي الذي اعتبرته المكان المفضل لها في القاهرة، وقالت في فيلمها: «إنه يوفر لها فرصة عظيمة للتعرف على الثقافة والفنون الإسلامية، فبمجرد الولوج إليه أشعر بسلام وتناغم، وهذه الزيارات عمقت معرفتي بالإسلام، وأنه ليس مجرد دين، بل هو أسلوب حياة، فقد غرس الإسلام ثقافة مميزة للغاية وطريقة مميزة للتعبير الفني»، مشيرة إلى أنها «تجد في متحف الفن الإسلامي بمنطقة باب الخلق (وسط القاهرة)، جوهر الإسلام، ألا وهو التفاهم والسلام».
وعلى مقربة من متحف الفن الإسلامي، وقف شارل سلطانة، سفير مالطا، بالقاهرة، وسط حديقة الأزهر، مشيداً بهدوئها وسط صخب العاصمة المصرية المكتظة بالسكان وحركة السيارات، وقال سلطانة بالفيديو الخاص به: «وجودي بالحديقة يتيح لي رؤية كثير من المناظر الرائعة، وخصوصاً القلعة، التي تشبه بعض المباني في مالطا، ويطلق عليها هناك (Citadella)، أي (القلعة)»، مضيفاً: «أعتبرها مكاني المفضل بالقاهرة الذي أحرص على زيارته دائماً بصحبة عائلتي وأصدقائي».
فيما اختار السفير الفرنسي بالقاهرة، المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، المكان المفضل له في القاهرة، ولا سيما أنه يلعب دوراً كبيراً في تعزيز التعاون بين مصر وفرنسا في مجال الترويج لعلم المصريات ودعم التنقيب عن الآثار، وتعريف العالم بالتراث الثقافي المصري، حسب وصفه.
واعتبر كريستيان بيرجر سفير الاتحاد الأوروبي في مصر، المتحف المصري بالتحرير أفضل الأماكن التي يحبها في القاهرة، لأنه يضم كثيراً من القطع الأثرية المميزة التي تظهر عظمة الحضارة المصرية.
ونشر بيرجر مقطعاً قصيراً له خلال زيارته للمتحف المصري بالتحرير برفقة زوجته التي ظل يحدثها عن تاريخ وأهمية بعض القطع التي يضمها المتحف، وبدا وكأنه خبير بها من فرط زيارته للمتحف، وقال إنه بدأ زيارة هذا المبني العريق منذ نحو 50 عاماً، منذ كان طفلاً صغيراً، وبالتحديد في عام 1972. عندما زاره برفقة والده، وقالت زوجته إن المتحف يعد أحد أفضل المتاحف في العالم، وإنها تحبه جداً.
وبعيداً عن المتاحف والحدائق الهادئة، اختار سيريل جان نون، السفير الألماني بالقاهرة، الذهاب إلى حفلات فريق «كايرو ستبس» الذي يعتبره الفريق الموسيقي المفضل لديه بالقاهرة، نظراً لقدرته على تجسيد التناغم بين الموسيقى المصرية والألمانية.
ووفق وزارة السياحة والآثار المصرية، فإن قطاع السياحة في مصر يشهد تحسناً تدريجياً وزيادة في الإقبال منذ بداية العام الحالي؛ حيث ارتفعت أعداد السائحين الأجانب الوافدين إلى مصر في شهر أبريل (نيسان) الماضي، إلى ما يقرب من 50 في المائة من مثيلتها في عام 2019.
ولاجتذاب السائحين الأجانب بالآونة الأخيرة، حرصت مصر على المشاركة في المعارض السياحية الخارجية، وتنظيم رحلات تعريفية لكبار الإعلاميين والصحافيين ومشاهير العالم، بجانب استضافة كثير من المدونين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنظيم شراكات مع قنوات عالمية، بالإضافة إلى تنظيم زيارات متكررة لسفراء الدول الأجنبية في مصر إلى أبرز المعالم المصرية.
ويمثل عدد العاملين في القطاع السياحي بمصر نحو 10 في المائة من قوة العمل بالبلاد، ويقدرون بنحو 3 ملايين شخص، حسب دراسة لمعهد التخطيط القومي التابع لوزارة التخطيط، نشرها في مايو (أيار) من العام الماضي، ووصل عدد السائحين في عام 2019 إلى 13 مليون سائح، بعائدات بلغت 12.6 مليار دولار، وفقاً للدراسة ذاتها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».