رؤساء الحكومات السابقون لن يسموا بديلاً للحريري

رغم جدية اعتذاره وقرب إعلانه رسمياً

الحريري مستقبلاً الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال زيارته بيروت (دالاتي ونهرا)
الحريري مستقبلاً الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال زيارته بيروت (دالاتي ونهرا)
TT

رؤساء الحكومات السابقون لن يسموا بديلاً للحريري

الحريري مستقبلاً الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال زيارته بيروت (دالاتي ونهرا)
الحريري مستقبلاً الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال زيارته بيروت (دالاتي ونهرا)

نقل مصدر سياسي وثيق الصلة برؤساء الحكومات السابقين تمسكهم بتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة ورفضهم، في حال اتخذ قراره بالاعتذار، الدخول في بازار تسمية من يخلفه لتأليفها، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن الرهان على اختلافهم حول البديل ليس في محله وأنهم باقون إلى جانب الحريري ولن يقعوا في فخ التسمية لأنه من غير الجائز تقديم التسهيلات لرئيس الجمهورية ميشال عون ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في الوقت الذي يعطّل فيه تشكيل الحكومة ويوصد الأبواب في وجه المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإنقاذ البلد بتشكيل حكومة مهمة ووقف تدحرجه نحو الانهيار الشامل.
ولفت المصدر إلى أن اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة يبقى من الخيارات الجدية، وقال إن رؤساء الحكومات لن يكونوا طرفاً في تسمية البديل الذي سيخلفه لتأليفها مع أنه كان اقترح اسمي الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام لتولّي أحدهما هذه المهمة، لكن الأخير ليس في وارد القبول، ليس تهرّباً من تحمّله المسؤولية وإنما تقديراً منه لصعوبة التعاون مع عون وباسيل، وهذا ما خلص إليه من خلال التجربة المريرة التي مر بها أثناء توليه رئاسة الحكومة في عهد رئيس الجمهورية ميشال سليمان آنذاك والتي حفلت بكل أشكال التعطيل وحالت دون رفع منسوب الإنتاج الحكومي.
ورأى أن الرئيس ميقاتي باقٍ بلا شروط إلى جانب الحريري الذي قدّم كل التسهيلات لتشكيل الحكومة لكنه اصطدم بحائط التعطيل من عون وباسيل، وأكد أن ميقاتي لم يبدّل موقفه ويرى أن الحريري في حال أتيح له تشكيل الحكومة سيواجه عشرات المشكلات، وأن من يخلفه سيواجه المئات من المشكلات.
ودعا المصدر نفسه إلى عدم الرهان على أن الخلاف بين الحريري وميقاتي مع مرور الوقت حاصل حتماً، وقال إن الموقف نفسه ينسحب على رؤساء الحكومات الذين يقرأون في كتاب واحد بتوفير الدعم للرئيس المكلّف، وإن ما يشاع عن وجود خلاف بين الحريري وميقاتي هو محاولة لدق الإسفين بينهما ولن يكتب لها النجاح.
واعتبر أن رؤساء الحكومات لن يقعوا في الفخ المنصوب من عون بتسمية من يخلف الحريري في تشكيل الحكومة، وقال إنهم لن يقدّموا له هدية مجانية ما هي إلا «مكافأة» له على تعطيله تشكيل الحكومة، وبالتالي لن يسهّلوا المهمة لمن أعاق تشكيلها وأوكل إلى باسيل مهمة رفع سقف شروطه في محاولة مكشوفة لإعادة تعويمه سياسيا.
وأكد أن رؤساء الحكومات ينأون بأنفسهم عن تسمية من يخلف الحريري وقد اتخذوا قراراً يقضي برد هذه الهدية «المسمومة» إلى صاحبها أي عون الذي يمعن في تعطيل تشكيل الحكومة ولم يعد يهمه سوى جلوس باسيل على طاولة المفاوضات ليعيد له الاعتبار بعد أن تضرّر سياسيا من العقوبات الأميركية المفروضة عليه.
ورداً على سؤال أوضح المصدر السياسي أن الحريري لم يحسم أمره حتى الساعة ما إذا كان الطريق أمام اعتذاره بأن يتقدم بتشكيلة وزارية من 24 وزيراً إلى عون، وقال إن هذه النقطة لم تُحسم من قبل رؤساء الحكومات الذين يؤيدون التقدُّم بتشكيلة وزارية معلّلة ومنسجمة لحشر رئيس الجمهورية، وأيضاً من قبل بري الذي يربط تقديمها بالتفاهم على البديل لخلافته لتشكيل الحكومة.
وكشف أن الحريري لا يبدي حماسة للتقدُّم بتشكيلة وزارية تسبق إعلان قراره بالاعتذار عن التكليف، ويعزو السبب إلى أنه حاول مراراً في هذا المجال من دون أن يلقى أي تجاوب من عون، وبالتالي يفضّل ألا يقوم بدور «ساعي البريد» على خط بعبدا لأن جواب عون لن يتبدّل وبات معروفاً لدى الجميع.
وأكد أن من يصر على تعطيل تشكيل الحكومة عليه أن يتحمّل وحيداً المفاعيل السلبية التي ستؤدي حكماً إلى تعطيل «العهد القوي»، علماً بأنه هو من اتخذ قراره بتعطيل عهده استجابة لرغبة باسيل وبات يفتقد إلى دوره في رعاية جمع اللبنانيين والتوفيق بينهم، وهذا ما اصطدم به بعدم التجاوب مع دعوته للحوار.
ويتحدث المصدر السياسي عن طبيعة المهمة التي حضر لأجلها إلى بيروت نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وقال إنه أكد دعمه للجيش اللبناني لرفع المعاناة عن العسكريين من جهة وحث المعنيين للإسراع بتشكيل الحكومة، لأن من دونها لن تكون هناك مساعدات مالية من المجتمع الدولي للبنان من جهة ثانية.
ونفى أن يكون الموفد القطري قد طرح على الذين التقاهم استعداد بلاده لاستضافة المكوّنات السياسية الرئيسية في دوحة 2 على غرار دوحة 1 التي استضافتها في مايو (أيار) 2008 والتي انتهت إلى التوافق على انتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وقال إن عون استمزج رأيه في استضافة قطر للأطراف السياسية في مؤتمر حواري من دون أن يصدر أي تعليق عن وزير الخارجية القطري.
وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الموفد القطري التقى باسيل بعيداً عن الأضواء الذي أبدى أمامه رغبته في أن تستضيف قطر الأطراف السياسية في مؤتمر حواري على غرار مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد سابقاً في الدوحة، ورأى أن عون وباسيل بدعوتهما لهذا المؤتمر يريدان الالتفاف على المبادرة الفرنسية ومن خلالها إسقاط مبادرة بري المستمدة من روحية المبادرة التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون.
لذلك لم يلقَ عون وباسيل أي جواب من الموفد القطري على دعوتهما هذه، لأنهما يريدان وضع قطر في مواجهة مباشرة مع فرنسا، وهذا ما لا تريده، وإن كان باسيل عبّر عن حزنه في حال اعتذار الحريري، وهو كان في غنى عن اعتذاره بإسقاط شروطه التي تعطّل تأليف الحكومة، لأن مشاعره حياله لا تؤخذ على محمل الجد!



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.