فيلم مُلهم عن أب أرمل يواجه وطفلته اختلال الحياة

«الأبوة» عبر «نتفليكس»: الانتصارات الصغيرة أعظم العطايا

فيلم مُلهم عن أب أرمل يواجه وطفلته اختلال الحياة
TT

فيلم مُلهم عن أب أرمل يواجه وطفلته اختلال الحياة

فيلم مُلهم عن أب أرمل يواجه وطفلته اختلال الحياة

نوع هذه الأفلام يُلهم ويشغل البال لبقائه في الأفكار وإعادة حسابات الحياة. «Fatherhood»، أو «الأبوة» («الأب الأرمل»)، فيلم أميركي تعرضه «نتفليكس»، مشاهدته تترك إحساساً بالعظمة، وبأنّ بعض البشر يهبون الإنسانية عبراً من ذهب. البطولة للرائع كيفن هارت بشخصية الأب «مات لوغيلن» المنقلبة حياته كأثر الزلازل عالية الدرجات في الأبنية الهادئة؛ جراء موت زوجته بعد يوم من إنجابها طفلتهما، وبقائه وحيداً مع رضيعته، تائهاً بين النهوض والانكسار. ساعة و49 دقيقة من التبحّر في عالم الواجب والقرار؛ في الخيارات المحدودة، وما يرفضه الإنسان ثم يكتشف فجأة أنه مبتغاه. دراما بلمسات كوميدية، على طريقة كيفن هارت في الإضحاك بعزّ الأحزان، تعيد تعريف مفهوم المسؤولية وأدوار الآباء مع الأطفال خارج وظيفتهم النمطية المرتبطة بتأمين المال. الاعتزاز بالنفس أنبل ما يبلغه المرء بعد الصدمة. هذا ما نتعلّمه.
كيف تمتحن آدميتك، والعالم شرّ وأذية وكراهية؟ بأن تدمع وتنفطر وتتعذب أمام التضحيات والمحاولات والابتسامات الصغيرة. كأنّ الآخر هو أنت، والروح الإنسانية في الكون واحدة. يحمل المخرج بول ويتز المُشاهد من كنبته إلى الأعماق، حيث تتصارع القيم مع المفاجآت والأقدار. نص آدمي، من كتابة ويتز ودانا ستيفنز، يطرح إشكالية الأب الأعزب/ الأرمل، ومحاولة القيام بالأفضل من أجل طفولة ليست مذنبة حيال النهايات المأساوية.
من عمق الإحساس بالفشل وسيطرة مشاعر انعدام الكفاءة، تولد في «مات» إرادة جبارة، فيصمم على أن يكون أباً صالحاً، تفتخر به زوجته حيث هي. نشهد بإقناع مذهل ينبع من روح البطل ويمتد إلى ملامحه، عراك التردّد مع الاستعداد، والحب مع الأنانية، أمام معايير السعادة المرتبطة بالظرف ووقعه وخضّاته، إلى أن يبلغ مرتبة الاختيار الحر، فيقرّر وُجهته وأولوياته ومن هم الأجدر بالبقاء في حياته.
لا تقلّ النظرة الاجتماعية الخبيثة قسوة عن الإحساس بالعجز حيال طفل يبكي بلا توقّف. بفكاهة سوداء، يجيب «مات» على سؤال «أين والدة الطفلة؟»، يطرحه فضوليون في الحديقة العامة أو المكتبة: «هي رائدة فضاء، تتلقى تدريبات مع الناسا!». تنهكه الليالي الطويلة والبكاء المتواصل وتغيير الحفاضات، فيتساقط السؤال على حياته بارداً كزخات يولدها عصف هائج. ومع ذلك، يتحمّل ويواجه.
سئل مرة، لِمَ لا يستطيع الأب تربية طفل؟ هل لأنّه رجل؟ فكان الجواب: لافتقاده الصبر والعاطفة الجياشة. هنا روح الفيلم. الحكاية من صلب عالم ما بعد الكوفيد، وإن لم يرد ذكره في سياقها. وعن ضريبة العمل من المنزل حين يترافق مع تأمين متطلّبات الأولاد، وجلسات «الأونلاين» فيما هم يشاغبون؛ والإنهاك، والعزلة، والمصائر المتداخلة، واستحالة الاطمئنان إلى أنّ كل شيء على ما يرام. وعالم إنسان عصر السرعة وهو يتحوّل مثقلاً بالواجبات، فريسة اختلال التوازنات، ورهينة مفاهيم ملتبسة كالتكيّف وتبادل الأدوار.
يعلم «مات» أنّه ليس مثالياً، وما فعل ذلك، إلّا لأنّ الانسداد الرئوي تسبب بجلطة دماغية خطفت زوجته بعد انخفاض ضغطها. يقدّم الفيلم حقيقة الإنسان الداخلية على ما عداها من سلوكيات يظنها حقائق فيتبيّن أنّها قشور زائلة. «سأربّي (مادي) لأنني والدها ولأنّني أحبها». وفي حوار آخر يقول: «كل ما نحتاج إليه هو بعضنا البعض. لا نحتاج إلى أحد آخر». ينطلق «مات» من الحب، وبه يبلغ صفاء المرتبة: الأبوة الصادقة. بديعة الطفلة ميلودي هيرد في تجسيد دور «مادي» الناضجة قبل أوانها، بذكائها وقوة شخصيتها والتغلّب على «اليتم». تشيّد مع الأب «مات» أعمق الجسور الإنسانية، وأقوى العلاقات الممكنة بين أفراد الأسرة. «أين تكون سأكون»، فيردّ: «أين تكونين سأكون»، ويحسمان معاً قرار العيش في بوسطن. يمنحها حبّه قوة جبارة لرفض القواعد الصارمة «التي لا لزوم لها»، كإلزامية ارتداء التنورة للفتيات والبنطلون للصبيان في المدرسة الابتدائية، ومواجهة التنمّر وتكريس الاختلاف، وحقها في تقرير خياراتها وقناعاتها ومصيرها.
يرفع كيفن هارت الأحمال كأنّه يداعب عصفوراً. يُعلي الفيلم شأن قضايا ملحة في الولايات المتحدة كفعالية الآباء السود في المجتمع، ودورهم في منح الجدوى لعائلاتهم؛ ويطرح علامات استفهام حيال النظام الاستشفائي حين يتعلق الأمر بالمرضى السود تحديداً. فموت «ليز» (ديبورا أيوريندي) وتشكيك «مات» بنزاهة المستشفى، يضعان السيستم الصحي الأميركي تحت المجهر. تترابط الموضوعات، فتشكل كرة ثلج تتدحرج فوق رؤوس المنظومة البشرية المعنيّة بالهموم ذاتها. لا يمكن إغفال إشكالية الأمهات المتوفيات بعد الولادة. وإشكالية الأب الأعزب، وهو لا يميز بين الجوع والمغص حين تعلو صرخات طفله. وإشكاليات لا تقل أهمية متعلقة بالمغزى، والمسائل التي تستحق المحاولة في مقابل ما يستوجب غض النظر. وأيضاً الاحتضان و«اللمّة»، حين يدرك الطرفان (هنا الأب وابنته) استحالة استمرار أحدهما دون الآخر؛ وما هو ليس سهلاً لكنّه مع الوقت يصبح كنزاً إنسانياً يتجاوز بالمعنى والعمق الشيءَ والمادة والسعادة السطحية.
يطرق الحب باب «مات» بعد سنوات من الوحدة، ويرغمه على منحه فرصة. لا يستهان بالذنب وهو ينغّص العُمر ويفلفله. لكن «خطة الله لك»، كما قالت له يوماً أمه، تجعله يحاول ترويض العزلة. ليس هامشياً اختيار أبطال من البشرة السوداء لقيادة فيلم ينزف من أحشائه. هنا أميركا والنضال الإنساني المستمر لتحقيق العدالة الاجتماعية والتوعية على تقليص الفوارق داخل مجتمعات لا تزال تحمّل الأم مسؤولية التربية وتعفي الأب من «واجباته» المتصلة بالمشاركة، بالوجود، وبالدعم النفسي والمعنوي.
قد لا نعرف الصواب وننجرف في سيل الخيارات الخاطئة. مَن يحدد المصلحة الشخصية، الإنسان أم الظرف؟ وهل للبشر أدوار ثابتة؟ ما قالته «ماريون» (ألفري وودارد بدور والدة زوجته الراحلة) لـ«مات»، درسنا جميعاً: «حين ينتهي كل هذا، احتفظ بالانتصارات الصغيرة في صندوق صغير بداخلك. ستكون أغلى ممتلكاتك». التصفيق للذات أحياناً دواء.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».