تونس: ملف «أدلة الاغتيالات» يزيد الضغوط على «النهضة»

شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس خاوٍ بسبب إجراءات مكافحة «كورونا» (أ.ف.ب)
شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس خاوٍ بسبب إجراءات مكافحة «كورونا» (أ.ف.ب)
TT

تونس: ملف «أدلة الاغتيالات» يزيد الضغوط على «النهضة»

شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس خاوٍ بسبب إجراءات مكافحة «كورونا» (أ.ف.ب)
شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس خاوٍ بسبب إجراءات مكافحة «كورونا» (أ.ف.ب)

نشرت هيئة الدفاع عن السياسيين التونسيين اللذين اغتيلا في 2013 شكري بلعيد ومحمد البراهمي، تقريراً حكومياً يتهم قضاة قريبين من «حركة النهضة» بـ«التغطية على الجرائم الإرهابية»؛ ما زاد الضغوط على الحركة وأثار جدلاً في الأوساط السياسية.
وتضمن التقرير الصادر عن التفقدية العامة في وزارة العدل اتهامات لأطراف في القضاء التونسي بـ«الانحياز لصالح طرف سياسي والتغطية على الجرائم الإرهابية» في قضيتي الاغتيالات وتسفير الشباب للقتال في مناطق النزاعات مع تنظيمات متطرفة.
وقال عضو هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي المحامي كثير بوعلاق، إن «الهيئة تتحمل المسؤولية كاملة عن نشر هذا التقرير مع جميع التبعات الممكنة من أي جهة كانت بأي صيغة كانت». وأكد أن «هذا الأمر ليس عملاً بطولياً وليس تحدياً لأي جهة، بقدر ما هو إيمان من هيئة الدفاع بأنه من الضرورة القصوى أن يطّلع التونسيون على كواليس القضاء وكواليس العدالة في تونس». ووصف ما حصل داخل القضاء بأنه «ورم خبيث لا مفر من استئصاله». وكانت الهيئة اتهمت وكيلاً سابقاً للجمهورية تصفه بأنه قريب من «النهضة»، بالارتباط بعمليتي الاغتيال و«التستر على الإرهاب»، خلال مؤتمر صحافي عقدته الأسبوع الماضي. وتحدثت عن «صفقة» تقودها «النهضة» لإنقاذ هذا القاضي وعن وجود «تهديدات تطال أعضاء من مجلس القضاء العدلي» الذي سينظر الاثنين المقبل في ملفه التأديبي.
وكانت رئيسة مجلس القضاء العدلي مليكة المزاري، قد أشارت إلى «وجود شبهات جرائم تتعلق بقضايا اغتيال بلعيد والبراهمي، وشبهات جرائم تتعلق بقضايا إرهابية وقضايا فساد مالي في صفوف بعض القضاة».
من جهة أخرى، كشف المتحدث باسم «حركة النهضة» فتحي العيادي، عن تمسك حزبه بالدعوة إلى تشكيل حكومة سياسية يقودها هشام المشيشي «تكون قادرة على حل المشاكل العالقة وتتحمل المسؤولية السياسية كاملة».
وأكد أن «(النهضة) ستجري خلال الفترة المقبلة مجموعة من المشاورات السياسية مع مختلف الأحزاب من أجل بلورة طبيعة الحكومة السياسية التي دعا إليها مجلس شورى الحركة» خلال اجتماعه نهاية الأسبوع الماضي، وتحديد عدد الوزارات التي سيشملها التعديل.
ووفق تصريحات لقيادات الحركة، فإن أبواب الحوار قد فتحت مع حزبي «قلب تونس» و«ائتلاف الكرامة» باعتبارهما يمثلان الحزام السياسي الداعم للحكومة. واستبعد العيادي الحوار مع «الحزب الدستوري الحر» الذي تقوده عبير موسي، مؤكداً أن «الالتقاء مع هذا الحزب غير ممكن في أي اتجاه».
واعتبر رئيس «حركة الشعب» المعارضة زهير المغزاوي، أن اقتراح «النهضة» تشكيل حكومة سياسية «مناورة تقليدية للهروب من فشلها السياسي». ودعا إلى «تقييم شامل للمرحلة السياسية الماضية وتحميل المسؤولية لكل طرف مشارك في الائتلاف الحاكم».
في غضون ذلك، أطلقت «حركة الشعب» مجموعة من المقترحات في شكل مبادرة للخروج من جائحة «كورونا»، بينها دعوة الحكومة إلى «تعزيز صلاحيات اللجنة العلمية لمجابهة الوباء والاستئناس بتوصياتها بعيداً عن الحسابات السياسية والقطاعية التي تتعارض مع مصالح التونسيين، علاوة على دعوة كل الأطراف إلى الابتعاد عن المناكفات السياسية».
وتأتي هذه المبادرة إثر اجتماع عقده الرئيس التونسي، أول من أمس، وحضره رئيس الحكومة هشام المشيشي، ووزراء الدفاع الوطني والشؤون الخارجية والصحة والشؤون المحلية، ومحافظ البنك المركزي وقيادات عسكرية وأمنية عليا ومدير معهد «باستور تونس». وتمخض الاجتماع عن قرار تقسيم البلاد إلى أقاليم، بحيث يضم كل إقليم ولايتين (محافظتين) أو أكثر، وإحداث فرق عمل من القوات المسلحة العسكرية والأمنية والإطارات الصحية تكون تحت قيادة موحدة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.