هل اعتذر إدوارد سعيد؟

اتهمه ألبرت حوراني بأنه أهمل قيمة الدراسات والمؤلفات التي قدمها مستشرقون كبار

ألبرت حوراني - إدوارد سعيد - مكسيم رودنسون
ألبرت حوراني - إدوارد سعيد - مكسيم رودنسون
TT

هل اعتذر إدوارد سعيد؟

ألبرت حوراني - إدوارد سعيد - مكسيم رودنسون
ألبرت حوراني - إدوارد سعيد - مكسيم رودنسون

كنت قد ذكرت في مقالة سابقة أن إدوارد سعيد ندم بعد أن استشعر خطر استغلال الأصوليين لأطروحات كتابه الشهير التي فسروها على أساس أنها ليست معادية للاستشراق فقط وإنما معادية أيضاً للحضارة الغربية ككل. ولكي يستدرك هذا الخطر ويتحاشاه فإنه كتب «مؤخرة» مطولة بعد 15 سنة من صدور الكتاب. قلت مؤخرة لأنه وضعها في آخر الطبعة الجديدة. وفيها يقول ما نصه: «اسمحوا لي بدايةً أن أعبّر عن أكبر أسف لي وهو أن كتابي هذا فُهم على أساس أنه معادٍ للغرب بأكمله. فما إلى هذا قصدت. لقد اعتقد أصحاب هذا التفسير الخاطئ أني أعتبر الاستشراق صورة مصغرة عن الغرب كله. وانطلاقاً من ذلك استنتج هؤلاء أني أعتبر الغرب في كلّيته بمثابة عدو للعرب والمسلمين، إلخ... وأخيراً استنتج هؤلاء ما يلي: أن نقدي للاستشراق يعني دعم الإسلاموية أو الأصولية الإسلامية».
ماذا يعني هذا الاعتراف الواضح الصريح؟ ألا يعني أنه ندم على أن كتابه فُهم على هذا النحو؟ ألا يعني أنه يتبرأ من هذا التفسير الخاطئ الذي يجعل منه صديقاً للأصولية الظلامية وعدواً للحضارة التنويرية؟ وبالتالي فلا ينبغي أن نقوّله ما لم يقله أو أن نقدم صورة مغلوطة عنه.
بل لم يكتفِ إدوارد سعيد بذلك في مراجعاته وتصحيحاته وإنما انتقد الأصولية التي تحتمي به وتتخذ كتابه الشهير سلاحاً فعالاً ضد الغرب، حيث قال ما معناه: إن الخطأ الإبستمولوجي، أي المعرفي العميق، الذي ارتكبته الأصولية هو أنها اعتقدت أن الأصول عبارة عن مقولات لا تاريخية أو فوق تاريخية تعلو على كل تفحص نقدي.
نضيف من طرفنا قائلين: ولكن مَن الذي قام بهذا التفحص النقدي للأصول التراثية إن لم يكن الاستشراقي الأكاديمي الرفيع؟ مَن الذي حرَّر التراث من الصورة الغيبية القديمة التي صدئت وعلاها الغبار؟ مَن الذي كشف عن الصورة التاريخية –أي الحقيقية- للتراث؟ ثم أوغل إدوارد سعيد في نقده للأصولية في مقدمة هذه الطبعة الجديدة المذكورة. وهي مقدمة مدبّجة عام ،2003 أي قبيل رحيله، وهذا يعني أنها تشبه وصيته الأخيرة. وكان قد نشرها في مجلة «اللوموند ديبلوماتيك» أيضاً تحت عنوان: «النزعة الإنسانية كآخر متراس لنا ضد البربرية». وهنا يقول ما معناه: «إن الاختفاء التدريجي للاجتهاد من ساحة التراث الإسلامي كان إحدى الكوارث الثقافية العظمى لعصرنا. لماذا؟ لأن ذلك أدى إلى اختفاء كل فكر نقدي من ساحة الفكر العربي الإسلامي». هذا هو كلام إدوارد سعيد. هذا هو مضمون فكره العميق. وبالتالي فلنكفّ عن استخدام فكر إدوارد سعيد كسلاح فتاك ضد الحضارة، والأنوار، والنزعة الإنسانية. فقد كان على العكس من ذلك تماماً. بل كان يرى أن العداء بين الشرق والغرب شيء خاطئ وغير مرغوب فيه على الإطلاق. إنه مع النزعة الإنسانية الكونية التي تشمل الجميع. إنه ضد نظرية صدام الحضارات الخاطئة وقد أعلن ذلك مراراً وتكراراً. فالناس الأشرار موجودون في كلتا الجهتين، وكذلك الأخيار. ويمكن أن نضيف بأن الصدام واقع داخل الحضارة الواحدة قبل أن يكون واقعاً بين حضارتين مختلفتين. انظروا إلى الصراعات الدائرة داخل عالم الإسلام بين التقدميين والرجعيين، أو بين التنويريين والظلاميين. الصراع مع «داعش» أكثر خطورة من أي صراع آخر. إنه صراع الحضارة ضد البربرية. وانظروا أيضاً إلى الصراع الدائر داخل الحضارة الغربية بين الاتجاهات اليمينية واليسارية، أو بين التيارات العنصرية والتيارات التنويرية الإنسانية.
بل وصل الأمر بإدوارد سعيد إلى حد القول:
«طيلة السنوات الخمس والثلاثين الأخيرة من عمري أمضيت قسماً كبيراً من حياتي في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. ولكني حاولت دائماً أن أفعل ذلك مع الأخذ الكامل بعين الاعتبار للشعب اليهودي وعذاباته على مدار التاريخ بدءاً من الاضطهادات السابقة حتى مجزرة الإبادة الكبرى على يد النازيين. وقد كان الشيء الأهم في نظري هو أن إقامة المساواة بين إسرائيل وفلسطين لا ينبغي أن يكون لها إلا هدف واحد هو الهدف الإنساني: أي التعايش السلمي المشترك وليس مواصلة الاستئصال والرفض المتبادل».
هذا ما قاله إدوارد سعيد حرفياً. أتحدى أي مثقف عربي أن يتجرأ على لفظ مثل هذه الكلمات وإلا فسوف يُتهم فوراً بالخيانة العظمى! ولا أعرف لماذا يشتمون الإمارات والبحرين ولا يقولون كلمة واحدة عن تصريح إدوارد سعيد هذا الأكثر من تطبيعي؟ مجرد تساؤلات...
ثم يتوقف سعيد مطولاً عند ردود الفعل على الكتاب في العالم العربي لأنه المعنيّ الأول بالموضوع ويقول لنا ما معناه: لقد بدا لهم الكتاب كأول رد فعل جاد على الغرب الذي لم يستمع أبداً إلى صوت الإنسان الشرقي بل والذي لم يغفر له أنه شرقي. لا أزال أتذكر أحد أوائل العروض لكتابي في اللغة العربية. وهو عرض يصفني كأني بطل العروبة، إنه يصوّرني كمدافع عن الضعفاء والمظلومين أو المقموعين. وبالتالي فقد أصبحت طبقاً لهذا التصور بطلاً يخوض المعركة وجهاً لوجه ضد الغرب والسلطات الغربية بطريقة ملحمية ورومانطيقية. ثم يضيف سعيد: على الرغم من كل هذه المبالغات والشطحات فإن هذا العرض يعكس جزئياً مشاعر العرب الذين يعتقدون أن الغرب يعاديهم ويكرههم. وبدا أيضاً أن جزءاً كبيراً من النخب العربية تعتبر الكتاب رداً مناسباً على غطرسة الغرب. ونضيف من عندنا ولهذا السبب نجح الكتاب نجاحاً هائلاً، وأكاد أقول أسطورياً في العالم العربي.
ولكن بالطبع الشيء الذي كان يهمّ إدوارد سعيد هو رد المستشرقين عليه لأنه وضعهم في قفص الاتهام ما عدا قلة منهم. في الواقع، إن معظم المستشرقين عدّوا الكتاب ديماغوجياً غوغائياً يلعب على وتر الغرائز والعواطف لإلهاب مشاعر العرب والمسلمين ضد الاستشراق والغرب. وبالتالي فلا قيمة له من الناحية العلمية ولا يستحق حتى مجرد الرد. ولكن بعضهم رأوا أنه يحتوي على وجهة نظر تستحق الاهتمام الشديد حتى ولو كانت صادرة عن شخص غير مختص بالدراسات العربية والإسلامية. من بين هؤلاء مكسيم رودنسون وآخرون. نقول ذلك على الرغم من أن رودنسون انتقده بحدة وحذّر من مخاطر أطروحاته على البحث العلمي الاستكشافي الحر بعد أن أثنى على الجوانب الإيجابية لديه. وكذلك فعل المؤرخ الكبير ألبرت حوراني الذي عاب عليه أنه هاجم مصطلح الاستشراق إلى درجة أن الكلمة لم تعد حيادية وإنما أصبحت عاراً أو شتيمة. بل لم تعد قابلة للاستخدام. وبالتالي فعلى الرغم من مزايا الكتاب وقوة محاجّته إلا أنه ترك آثاراً سلبية وراءه. فالاستشراق طبقاً لألبرت حوراني ليس كله إمبريالية واستعماراً وغطرسة وإنما هو بالدرجة الأولى علم متخصص بدراسة موضوع محدد: هو الدراسات العربية الإسلامية. وهذا العلم حقق نجاحات لا يستهان بها. وبالتالي فيعيب عليه ألبرت حوراني أنه أهمل هذا الجانب من الدراسات الاستشراقية. وهذا ظلم للاستشراق. فلا يمكن إهمال قيمة الدراسات والمؤلفات التي قدمها مستشرقون كبار من أمثال مارشال هودغسون، وكلود كاهين، وأندريه ريمون، وكذلك إنجازات المستشرقين الألمان الكبار. فهذه البحوث قدمت مساهمات كبيرة من أجل المعرفة والنزعة الإنسانية والعلم. ولا ينبغي احتقارها أو مهاجمتها بحجة أنها استشراق!
كيف يرد إدوارد سعيد على هذا النقد المهم الذي وجهه إليه عالم كبير مثل ألبرت حوراني؟ إنه يقول ما فحواه: في أي مكان من كتابي هذا لم أقل إن الاستشراق شرير أو سيئ النية أو سطحي أو متماثل لدى جميع المستشرقين، ولكني قلت إن معظم الاستشراق كان متواطئاً مع السلطات الإمبراطورية، وقد انعكس ذلك على أعمال المستشرقين ومؤلفاتهم.
أخيراً ينبغي الاعتراف بأن الاستشراق أنتج بحوثاً علمية استكشافية ضخمة عن التراث العربي الإسلامي. وقد أصبح استيعابها أو هضمها أمراً ضرورياً جداً لتغذية الثقافة العربية وإخراجها من مستنقع التكرار والاجترار. وينبغي تأسيس مركز ترجمة كبير في المشرق أو المغرب فقط لترجمتها ومناقشتها. أتحدى أي مثقف عربي أن يعرف ما هو التراث بالضبط إن لم يكن مطلعاً على أمهات الكتب الاستشراقية الكبرى. أضيف أن المثقفين العرب عاجزون، بإمكانياتهم الخاصة وحدها، عن حل المشكلة التراثية. القصة أكبر مما نتصور وأشد عمقاً وخطورة.



«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

عادل خزام
عادل خزام
TT

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

عادل خزام
عادل خزام

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟ عن أي ناس وأية جغرافيا نتحدث حينها؟

هذا هو السؤال الذي يجيب عن كتاب «مانسيرة» الشعري، الذي أطلقه أخيراً الشاعر الإماراتي عادل خزام، بمشاركة 86 شاعراً وشاعرة من مختلف بقاع الأرض، في تجربة أدبية عالمية غير مسبوقة.

تمثل تجربة «مانسيرة» رحلةً شعريةً جماعيةً حيث تتضافر جهود هذا العدد الكبير من الشعراء، كلٌّ بخلفيته الثقافية ولغته الأم، لنسج نصٍّ واحدٍ مُشترك. هذا التنوع يُضفي على الكتاب ثراءً فنياً وجمالياً استثنائياً، فينسجم تنوع الأساليب الشعرية والرؤى الفكرية، ليُشكّل لوحةً فسيفسائيةً تعكس غنى التجربة الإنسانية.

وحتى عنوان الكتاب يُجسّد هذا التمازج الثقافي ببراعة، فهو دمجٌ بين الكلمة الإنجليزية «Man» التي تعني الإنسان، والكلمة العربية «سيرة»، ليُعبّر عن جوهر المشروع في تقديم سيرةٍ إنسانيةٍ شاملة، تحتفي بتنوّع البشرية ووحدتها في آنٍ واحد.

تتخطى «مانسيرة» حدود الجغرافيا واللغة لتُقدّم تجربةً شعريةً كونيةً تحتفي بالإنسان وقيمه المُشتركة، وتُؤكّد قدرة الفن على توحيد البشرية رغم اختلافاتهم. إنها ملحمةٌ تُعيد صياغة مفهوم الهوية والانتماء، لتُؤسّس لِعالمٍ أكثر تسامحاً وانفتاحاً، عالمٍ تُشكّل فيه الكلمة جسراً للتواصل والتفاهم بين جميع الثقافات.

يبدأ الكتاب بمدخل أسطوري شبيه بالملاحم التاريخية ولكن بنفَس حديث:

في البَدْءِ كانَ العالَمُ شيئاً واحداً

لا غربَ لا شرقَ، لا وضوحَ ولا غموضَ

ولا البدايةُ تعرِفُ أنَّ لها نهايةً

ولا النِّهايةُ بَدَأتْ، أو صارَ لها مُؤيِّدونَ

«مانسيرة»: جسرٌ للتواصل بين الثقافات

يفتح لنا هذا المدخل نافذةً على فكرة «وحدة العالم»، حيث تتلاشى الحدود الجغرافية والثقافية، ويصبح العالم بأسره موطناً واحداً للإنسانية جمعاء. إنها دعوةٌ للتأمل في انقسامات العالم وصراعاته التي لا طائل منها، في حين أن البشر جميعاً يتشاركون الحلم نفسه: عالمٌ يسوده السلام والمودة.

تكمن أهمية «مانسيرة» في كونها أكثر من مجرد تجربةٍ شعريةٍ جديدة، فهي تُجسّد تحولاً عالمياً في مفهوم الأدب، حيث تتراجع «الأنا» لِصالح «النحن»، ويتعزز مفهوم الجماعة في عملية التأليف الإبداعي. وتُتيح هذه المشاريع الجماعية الفرصة لِتداخل الأصوات وتنوّع الأساليب، مما يُثري الأدب ويُعزز جاذبيته، ويمنح القراء فرصةً لِلانفتاح على عوالم وثقافات مُتعددة من خلال نصٍّ واحد.

في الفصل الثاني من الملحمة «دوران الإنسان في الجغرافيا والزمن» تنتقل القصيدة من أفكار تشكّل العالم إلى استقراء رحلة البشرية وتشتتها في الصراعات والاختلافات:

ظل البشر، دهراً بعد دهرٍ، يتناسلون في مراعي الفوضى

وقرناً بعد قرنٍ، صارت تُبادُ أمم بكاملها وتنبعث أخرى

ولم يمض وقت طويل، في القرن الأخير

إلا وكانت الخيول قد عبرت إلى الصحراء

وهي تتبعُ اتجاه البوصلة المكسورة

ظلوا يتجهون جنوباً خاسرين شمالهم الحقيقي

حين نصل إلى الفصل الثامن على سبيل المثال وهو بعنوان: «مجتمع القنبلة الذرية» تحيلنا الملحمة إلى الهوة العميقة التي يحدّق فيها البشرُ اليوم في مصيرهم المرعب، حيث يتهدد الكوكبُ بالفناء على يد المهووسين بالسلطة والجشع والحروب. يصرخ شعراء العالم قائلين:

نُحدّقُ في عيون الموت

ويحدّق هو في عيوننا...

ها هو الموت الأعمى، يترك آثاره أينما ذهب

أما نحنُ، فنترك أثر الحياة

وكلماتنا هذه، وأفكارنا، إنما هي إمضاءٌ بأننا كنّا هنا

والإمضاء بمثابة جذر، جذر حي للخلود.

والجذور دلالة على الحياة في حد ذاتها.

هكذا تسترسل في رصدها لتحولات البشر من الوحدة إلى الصراع، وتقرأ مشهدية العالم اليوم المهدد بالدمار الهائل الذي ينبعث منه. ومع توالي الفصول تكون الرؤية قد تشبّعت بأسئلة الوجود كلها، إلى أن نصل في النهاية إلى المآلات والتوصيات في ختام هذا النص العظيم حقاً الذي يمتد إلى 265 صفحة تقريباً.

وأنت أيها الإنسان الفرد – الإنسان الجماعة

إليك وصيّة الدهر الأولى، وها نحن نكررها للمرة الألف

إذا مشيت،

اُكتبْ خطواتِكَ بأنفاسِكَ

واشبُكْ صوتكَ بالريح

لا تدَعْ أحداً حتى نفْسكَ يسلبكَ الدَّهشة

أنتَ المسافرُ في الضوء

أنتَ العارفُ الملهَم

تحدٍ كبير

لا شك أن جمع هذا العدد الكبير من الشعراء في عمل واحد يمثل تحدياً هائلاً، سواء من حيث التنسيق أو الترجمة أو الحفاظ على وحدة النص وتماسكه. إلا أن عادل خزام نجح في تجاوز هذه التحديات ببراعة، فقام بجمع القصائد ونسجها بإبداع ليُخرج لنا نصاً واحداً متناغماً، يستقي جذوره من تنوع الخلفیات الثقافیة واللغویة، ويصهرها في بوتقة إبداعية واحدة تُثري اللغة والأسلوب الشعري.

وبينما كانت تجارب التأليف الجماعي السابقة تركز على سرديات آداب شعوبٍ أو مجتمعاتٍ واحدة، مثل «الكتاب الصيني» أو «كتاب جاك كيرواك»، فإن «مانسيرة» تتجاوز هذه الحدود لتُصبح تجسيداً شعرياً لِرؤيةٍ عالمية، تُعبّر فيها الكلمة عن تجارب إنسانية مُشتركة، وتستند إلى خصوصية الشعر بوصفه وسيلة لِلتعبير عن العواطف والأفكار بِعمق.

يُمكن مقارنة «مانسيرة» بِمشاريع أدبية أخرى سعت لِتقديم رؤية جماعية لِعالمٍ أفضل، مثل «سيفيتاس سوليس» (مدينة الشمس) لِتوماسو كامبانيلا، التي شارك في كتابتها الكثير من الفلاسفة والعلماء. إلا أن «مانسيرة» تتميّز بِطابعها الشعري الذي يمنحها قوةً تعبيريةً خاصة، ويجعلها أقرب إلى القلوب.

الأساليب الشعرية ووحدة الأسلوب

التحدي الأكبر الذي واجهه خزام تمثّل في كيفية دمج الأساليب الشعرية المتنوعة وخلق رابط يوحد النصوص. كل شاعر من الـ86 شاعراً قدم رؤيته الخاصة وتجربته الإنسانية المتفردة، واستخدم خزام منهجاً ذكياً في اختيار النصوص وتنسيقها، بحيث يكون كل نص مكملاً للآخر، ليُشكِّل تياراً شعرياً ينساب بين اللغات والثقافات. ترك للشعراء أولاً ترجمة قصائدهم إلى الإنجليزية، ليضمن وضوح المعاني وتناسق الأفكار، ومن ثم ترجمها إلى العربية بطريقة حافظت على الروح الأصلية للنصوص، وخلقت في الوقت نفسه نصاً سلساً للقارئ العربي. استطاع خزام عبر هذه الطريقة أن يربط بين التجارب المختلفة، حيث إن كل نص يساهم في بناء السردية الشعرية للملحمة، ويخلق جسراً بين الثقافة التي أتى منها الشاعر، واللغة العربية.

16 فصلاً من تأليف 86 شاعراً وشاعرة من 50 دولة منهم 19 اسماً عربياً أطلقه عادل خزام بمشاركة 86 شاعراً وشاعرة من خمسين دولة

حضرت في التأليف الأسماء الشعرية الكبيرة من كل القارات، من بينهم من إيطاليا باولو روفيللي وبيبي كوستا، والبلجيكي جيرماين دروغنبروديت، والفرنسي فرنسيس كومبس، ومن الولايات المتحدة جين هيرتشفيلد وجورج والاس وآنا كيتس، بالإضافة إلى رئيس حركة الشعر العالمي فرناندو راندون ويوجينيا سانشيز نيتو من كولومبيا. ومن بريطانيا فيونا سمبسون وكريس سولت وأغنيس ميدوز، وثلاثة شعراء من الصين هم زانغ تشي وآنا كيكو وكاو تشوي، وثلاثة من اليابان تايكو أويمورا وتيندو تايجن وماريكو سوميكيورا، بالإضافة إلى أسماء مهمة أخرى وكبيرة من كل القارات.

الشعراء العرب

حضر أيضًا الشعراء العرب: سيف الرحبي والراحل زاهر الغافري من سلطنة عُمان، وزكية المرموق من المغرب، وطارق الطيب من السودان، والراحل جلال زنكابادي ومحسن الرملي من العراق، ومعز ماجد من تونس، وحميد العربي من الجزائر، وسعد الدوسري والدكتورة فوزية أبو خالد من السعودية، وبسام جوهر من اليمن، وغسان زقطان من فلسطين، والراحل محمود قرني وأشرف أبو اليزيد من مصر، ويوسف أبو لوز من الأردن، وخلود المعلا وخالد البدور من الإمارات، وليلى السيد من البحرين، وندى أنسي الحاج من لبنان، وشروق حمود من سوريا. أيضاً شارك مجموعة من الفنانين من حول العالم بصور لأهم لوحاتهم، في مقدمتهم الفنان الكويتي القدير سامي محمد.

وعادل خزام اليوم هو أحد مؤسسي تجربة الحداثة الشعرية وقصيدة النثر في الإمارات والخليج، قام بتمثيل دولة الإمارات في العشرات من المناسبات والمهرجانات لنحو 40 سنة. أصدر نحو 20 كتاباً وفاز بجائزة توليولا الإيطالية، وجائزة مهرجان طريق الحرير الذي ترعاه الأمم المتحدة. كما عدّ أدونيس كتاب عادل خزام «الربيع العاري» الكتاب الأكثر جدة واستبصاراً من بين معظم كتب الشعر العربي في الربع الأول من القرن الـ21.