قزي وأسطا لـ«الشرق الأوسط»: اضطرارنا للبقاء في لبنان كشف طاقات كانت مجهولة

تشكيلة راقية تحتمي بالطبيعة وتفوح بعبق الورود ومفهوم الاستدامة

تصاميم بأسماء باتشولي وفيرفين فيتفير أو زهرة الليمون أو الغاردينيا
تصاميم بأسماء باتشولي وفيرفين فيتفير أو زهرة الليمون أو الغاردينيا
TT

قزي وأسطا لـ«الشرق الأوسط»: اضطرارنا للبقاء في لبنان كشف طاقات كانت مجهولة

تصاميم بأسماء باتشولي وفيرفين فيتفير أو زهرة الليمون أو الغاردينيا
تصاميم بأسماء باتشولي وفيرفين فيتفير أو زهرة الليمون أو الغاردينيا

يأتي صوت كل من جورج قزي وأسعد أسطا عبر «زووم» سعيداً ومرتاحاً. صورتهما أيضاً كانت أكثر حماساً تتخللها ضحكات بين الفينة والأخرى. كانت الصورة والصوت مختلفتين تماماً عن تلك التي غلبت عليهما منذ عام تقريباً، وتحديداً بعد انفجار بيروت. كان بودهما أن يقدما هذه التشكيلة في موسم الأزياء الراقية بباريس خلال الأسبوع، لكن الظروف حكمت أن يُبدعا في لبنان. بيد أن الحياة تستمر والبحث عن طرق جديدة للحفاظ على مستواهما الراقي كانا الأكسجين الذي مكنهما من الاستمرار حسب قولهما، مضيفان أنّه «كلما زاد الواقع صعوبة ومرارة احتجنا إلى متنفس نهرب إليه». أطلقا على تشكيلتهما لخريف وشتاء 2022 عنوان «حياكة الريح» وكأنهما يريدان التأكيد على تطويع المستحيل وجعل الصعب وغير الملموس واقعاً. طريقتهما؟ ضخ الكثير من الشاعرية والتفاصيل الدقيقة على كل قطعة.
نظرة واحدة على التشكيلة التي صوّرت في بيروت، تجعلك تشعر بأنّها دعوة مفتوحة إلى استنشاق الجمال بكل عبقه وألوانه. فستان يحمل اسم باتشولي وآخر فيرفين أو فيتفير وفستان باسم زهرة الليمون وآخر باسم غاردينيا وهلم جرا من التصاميم والأسماء التي لا تترك أدنى شك أنّها باقة ورد متفتحة على الحياة.
يشير جورج قزي إلى أنّها تتكئ على خيال أجواء حقول غراس عاصمة العطور الفرنسية، مما يجعل الناظر إليها يكاد يشم رائحة الجوري والياسمين والقرنفل والغاردينيا من بين طياتها وبليسيهاتها وأقمشتها المُترفة. يلتقط أسعد أسطا خيط الحديث قائلاً إنّ رحلة قام بها مع شريكه في العمل والإبداع، قزي إلى مدينة غراس في شهر مايو (أيار) من عام 2017. تركت أثراً عميقاً وذكرى لا تُنسى في نفسيهما. كانت هذه الرحلة على هامش حضورهما مهرجان كان السينمائي، وكانا يتوقعان أن تكون رحلة قصيرة لتغيير الجو والاستفادة من وقتهما في جنوب فرنسا. لم يتوقعا أن يقعا أسيراً سحر تلك اللوحة الطبيعية المتفتحة بالورود إلى حد فتح شهيتهما على الغوص في صناعة العطور وتاريخها لفهم أو بالأحرى فك لُغز السحر الذي تمكن منهما.
يشرح قزي: «مجرد فكرة أنّ قارورة عطر واحدة يمكن أن تختزل بداخلها نحو 80 مكوناً من كل القارات، كافية لتؤكد لنا كيف تنصهر الثقافات والفنون بشكل سلس ورائع».
أكثر ما لفت انتباههما أيضاً أنّ هناك قواسم مشتركة كثيرة بين هذه الصناعة وفن الـ«هوت كوتور»، على الأقل من ناحية الحرفية والدقة، وهو ما جسداه في هذه التشكيلة. فإذا كان العطر يعتمد على نغمات متنوعة تتصاعد وتتفاعل لتدغدغ الخيال وتثير السعادة وتُحسن المزاج، فإنّ كل زي فيها يعتمد على الطبقات المتعددة والكشاكش الفنية والتفاصيل المنسدلة التي تتراقص مع كل نسمة هواء، أو تتطاير مع الريح، لتعزز مفهوم الأناقة الفخمة والنعومة الأنثوية.
ورغم أنّ ماركة «قزي وأسطا» المسجلة، تتمثل عادة في الأسلوب الهندسي الفني والمنحوت، فإنّ رحلتهما هاته إلى غراس فجرت جانباً رومانسياً كان كامناً داخلهما، وربما هما أيضاً تفاجأ به. إذا كانت صورتهما وصوتهما المقياس، فقد كانا في غاية السعادة بهذا الجانب. تجسدت هذه الرومانسية في خفة الألوان الفاتحة وتماوج الأقمشة وانسدالها وتمايل الريش الاصطناعي، كذلك في الجمع بين التول والدانتيل وأقمشة أخرى في القطعة الواحدة. كان مهماً أيضاً أن يجعلا الأحجام والكشاكش والطيات أكثر انسيابية ومرونة حتى تمنح صاحبتها حرية حركة.
لتعزيز هذه الصورة الرومانسية، كان لا بد من التعاون مع يد محترفة تصوغ وروداً من أقمشة وتلونها بدقة تُعطي كل تصميم حقه وشخصيته. فالبحث خارج لبنان أقرب إلى المستحيل حالياً، بسبب جائحة «كورونا» من جهة، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية من جهة ثانية. استغرق بحثهما عمن ينفذ رؤيتهما وقتاً لا بأس به، قبل أن تسوقهما الأقدار إلى سيدة مخضرمة وبارعة في هذا المجال. كانت تعمل من بيتها الواقع خارج بيروت، بطرق تقليدية متوارثة منذ عقود. «كانت هذه السيدة اكتشافاً مدهشاً بالنسبة لنا. فقد أبدعت فوق ما كنا نتوقعه» حسب قولهما.
لم يُنتج هذا التعاون وروداً فحسب، بل عزّز مفهوم الاستدامة أيضاً، وهو مفهوم كان واضحاً وقوياً في هذه التشكيلة، وسيصبح جزءاً من ثقافة دار «قزي وأسطا» من الآن فصاعداً. صحيح أنّ خط الـ«هوت كوتور» يقوم أساساً على هذا المفهوم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل قطعة فيه فريدة من نوعها، وتُنتج بأعداد تُحسب على أصابع اليد الواحدة، وغالباً تحت الطلب «إلّا أنّ هذا لم يعد كافياً ويجب أن يشمل الأزياء الجاهزة أيضاً. فالموضة كما أصبحنا نعرف، من أكثر الملوثات للبيئة، وبالتالي فإنّ المساهمة في حماية البيئة بأي شكل من الأشكال، أصبح هاجساً وهدفاً بالنسبة لنا كصناع موضة، سواء تعلق الأمر بطرح تشكيلات لا تعترف بموسم معين مثل هذه التشكيلة، حتى تنأى بنفسها عن الموضة السريعة أو باستعمال تقنيات وخامات جديدة».
هذه القناعة تجسدت فعلياً في استعمالهما خامات جديدة تراعي هذا المفهوم، وتتسم بالخفة والشفافية في الوقت ذاته. ركزا على التول وحرير الأورغنزا وحرير الشاش، فيما أدخلا الرافيا، ولأول مرة، في تطريز كورسيهات عصرية، ميّزت مجموعة من التصاميم بما فيها ثلاثة فساتين زفاف، زادا فيها جُرعة الرومانسية والفخامة، مثل كورسيه، أطلقا عليه اسم «بيفوان» باللون الأبيض منسوج من ألياف الرافيا نُسّق مع تنورة بذيل طويل، نُثرت عليها بتلات مشكلة من الأقحوان والفاوانيا باللون الوردي الخفيف.
ولأنّه كان من البديهي بعد تبنيهما مفهوم الاستدامة، أن يستغنيا تماماً عن الفرو والريش، لجأ إلى تقنيات حديثة لخلق خامات وتفاصيل لا تقل أناقة، وفي الوقت ذاته تضج بالحرفية التي تتميز بها الأزياء الراقية عموماً. وكانت النتيجة أشكالاً أنبوبية مصنوعة من حرير الأورغنزا عوَضت عن ريش النعام وعن الفرو الطبيعي.
وبقدر ما كان المصممان فخورين بكل ما في هذه التشكيلة من جمال واستدامة ورومانسية طبعاً، كانا أكثر فخراً بفساتين الزفاف الثلاثة، لأنّهما صبا فيها جُرعة قوية من الحب والجمال تتحدى الزمن. صحيح أنّ كل فستان في هذه التشكيلة كان مميزاً، بحيث يمكن لعروس عصرية أن تختار منه ما يروق لها في ليلة العمر، إلا أنّ الفساتين الثلاثة جمعت الكلاسيكية بالفنية لتتوجه إلى عروس تريد أن تتألق في تحفة فنية يمكن أن تورثهما لبناتها وحفيداتها بعدها من دون أن تفقد سحرها أو عبق ورودها.


مقالات ذات صلة

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق عارضة أزياء تعرض إبداعات المصممة الإسبانية أجاثا رويز دي لا برادا خلال  أسبوع كيتو للموضة (إ.ب.أ)

لماذا نحتاج إلى التوقف عن شراء الملابس؟

في الشهر الماضي، تصدرت مقدمة برنامج «بلو بيتر» السابقة وكاتبة قصص الأطفال البريطانية، كوني هوك، عناوين الأخبار عندما كشفت أنها لم تشتر أي ملابس منذ 20 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».