«أيامنا الحلوة»... منحوتات خزفية تستعيد مفردات الماضي

معرض مصري يهدف إلى «إشاعة البهجة»

«وابور الجاز» جهاز أساسي ضمن أدوات العروس المصرية قديماً
«وابور الجاز» جهاز أساسي ضمن أدوات العروس المصرية قديماً
TT

«أيامنا الحلوة»... منحوتات خزفية تستعيد مفردات الماضي

«وابور الجاز» جهاز أساسي ضمن أدوات العروس المصرية قديماً
«وابور الجاز» جهاز أساسي ضمن أدوات العروس المصرية قديماً

ما إن تطأ قدماك المكان، تشعر وكأنك في رحلة إلى أحد المتاحف الإثنوغرافية، التي تسرد عبر المقتنيات المختلفة التاريخ الاجتماعي للدول وأساليب حياة الشعوب من حيث العادات والتقاليد، المناسبات والاحتفالات، المهن والحرف وغيرها.
ففي عرض بانورامي لتطور الحياة الاجتماعية في مصر؛ تأخذنا الفنانة الدكتورة وسام الحوام، عبر مجموعة من الأعمال الخزفية التي استوحت فيها مفردات الحياة المصرية الشاهدة على الموروث الزاخر، حيث تجوب بين حواري وأزقة المدينة ومنازل القرية، مقدمة مجموعات نحتية تعزف فيها على أوتار الحنين للزمن الماضي الجميل، صانعة رؤيتها للتراث بتقنيتها الخاصة، معتمدة على تحويل عدد من العناصر القديمة المندثرة إلى مفرداتٍ تشكيلية بروح مصرية لها قيمتها الفنية والجمالية ودلالاتها الوظيفية، هادفة من خلالها إلى إشاعة البهجة.
يحمل المعرض عنوان «أيامنا الحلوة» ليواكب هذه الرؤية، فيما يرفع شعار «نوستالجيا الشكل والمضمون»، ويستضيفه مركز كرمة بن هانئ الثقافي بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقي بالقاهرة، حتى 11 يوليو (تموز) الحالي.
عن فكرة معرضها، تقول الفنانة وسام الحوام: «مكثت 10 سنوات خارج مصر، افتقدت خلالها أشياء كثيرة تذكرني بالوطن، خصوصاً المناسبات الدينية، التي تحمل روحاً مصرية خالصة وتمتاز بالطقوس المبهجة التي ارتبطنا بها منذ الصغر، وشكلت وجداننا في مراحل مختلفة من العمر، كما أنني مع العودة بعد هذه السنوات وجدت أن كثيراً من المفردات والطقوس من حولنا قد اندثرت واختفت وحلّ محلها الجديد، وهو ما دفعني لإعادة إنتاج هذه المفردات في تذكير بما افتقدناه في حياتنا، وكحالة نوستالجيا تثير الذاكرة والوجدان عبر الشكل والمضمون».
بالتجول داخل المعرض يقف الزائر أمام مجموعات من المناسبات التي تحييها الفنانة بأعمالها الدالة عليها، فهناك مجموعة شهر رمضان، التي ترتبط بالفوانيس والأهلة والمسابح والزينة، وعيد الفطر الذي نجده ممثلاً في ماكينات صنع كعك العيد المنزلية، ومجموعة المولد النبوي التي تعكس الطقوس المرتبطة به في مصر قديماً في إقامة الموالد الشعبية مثل عرائس المولد الشهيرة والحصان.
أما اجتماعياً؛ فهناك مجموعة الأزياء، التي تتنوع مفرداتها بين الطربوش والصديري الملحق به ساعة الجيب والفساتين القديمة، و«القبقاب»، وكذلك تضم المجموعة ماكينات الخياطة القديمة مختلفة الأنواع.
لم تكتف الفنانة بهذه المفردات التي عايشتها فقط والتي اعتمدت فيها على مخزون الذاكرة البصرية، بل تتجه إلى الذاكرة التلفزيونية التي تنقل ملامح الماضي، ففي مجموعة «الليلة الكبيرة»، تلجأ إلى الأوبريت المسرحي الذي يحمل الاسم ذاته، والذي يعد أشهر ما قدم مسرح العرائس في مصر، واصفاً المولد الشعبي، وهو ما يظهر في المعرض بوجود شخصياته الشهيرة، مثل «شجيع السيما» و«الحكواتي»، والألعاب المختلفة مثل الأَراجيحُ وألعاب المفرقعات، والإضاءات التي كانت تعرف بـ«الكهارب».
كما تعرج وسام الحوام إلى مقتنيات المنازل المصرية قديماً بمختلف فئاتها، مثل الجرامافون، وآلات المطبخ، والأواني والأكواب، وبينها يظهر «وابور الجاز» الذي كان أساسياً ضمن جهاز العروس.
كذلك نرى مفردات أخرى من الحياة الريفية مثل السواقي والطلمبات اليدوية، والجِرَار والأباريق، إلى جانب أبراج الحمام التي تشتهر بها القرى المصرية، وفي مجموعة شارع محمد علي، ذلك الشارع القاهري الذي كان يشتهر قديماً بوجود الموسيقيين وبيع وتصنيع الآلات الموسيقية، توضح المفردات بعض الآلات الشعبية مثل العود والطبلة والمزاهر.
ووفق صاحبة المعرض، فإنها حاولت معالجة الإحساس بافتقاد الحنين للماضي بإثارة البهجة وليس الشجن، محاولة استدعاء الذكريات بشقها الإيجابي بما يجعل المتلقي يعيش حالة من الفرح، وليس الألم مع تذكرها، وفي سبيل ذلك تلعب على وتر المشاعر من خلال الألوان المبهجة، وليس كما هو معتاد من التشكيليين باللجوء للألوان القاتمة للتعبير عن الماضي.
تعتمد «الحوام» على عدة خامات في إنتاج أعمالها، منها الطين (الصلصال) الأسواني المعتمد على طمي النيل (التي يتدرج لونها من الأحمر القاتم إلى الأحمر الفاتح)، وتمتاز بالليونة والمرونة مما يسهل عملية التشكيل، وقد تضيف مواد أخرى إليها لتحسين خصائصها عبر خاصية تطبيق البطانات الملونة. كما تستخدم الفنانة خامات إيطالية، ناعم الملمس ذات اللون الأبيض الناصع البياض.
أيضاً تلجأ الفنانة في بعض الأعمال إلى تقنية الراكو، التي تعتمد على استخدام ريش النعام أو شعر الخيل، ويتم من خلالها تزيين القطع الخزفية بالأكاسيد اللونية، حيث استعملتها في منحوتات أبراج الحمام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».