سوريا عطشى... ولا انفراج قريياً في أزمتي الكهرباء والماء

شباب في مناطق النظام يطلقون شعار «قطع الكهرباء جريمة بحق الإنسانية»

صهاريح مياه في الحسكة (سانا)
صهاريح مياه في الحسكة (سانا)
TT

سوريا عطشى... ولا انفراج قريياً في أزمتي الكهرباء والماء

صهاريح مياه في الحسكة (سانا)
صهاريح مياه في الحسكة (سانا)

تبدو أصوات بكاء الأطفال وشكوى الأمهات وأنين العجائز في أحياء العاصمة السورية دمشق، التعبير الأوضح عن تفاقم معاناة السوريين جراء أزمتي الكهرباء والماء خلال موجة الحر اللاهب التي بدأت قبل أسبوع، إذ تطغى أصوات الضجر على الشارع السوري في حالة من العطالة تتسبب بها ساعات تقنين الكهرباء الطويلة، التي انعكست سلباً على أزمة المياه فزادت في طين المعاناة السورية بلة، مع انعدام وسائل التبريد لتصبح قطرة الماء المثلجة حلماً مشتهى عند غالبية السوريين، لتنشط تجارة مكعبات الثلج ومياه الشرب، ولترتفع أسعارها على نحو غير مسبوق.
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من 90 في المائة من السكان يفتقرون إلى مصادر مياه الشرب الآمنة، أي ما يقدر بحوالي 15.5 مليون نسمة، حيث انخفاض معدل توفر المياه في سوريا من 75 لتراً لكل شخص يومياً إلى 25 لتراً. ومع تحول نحو ثلثي السوريين للحصول على المياه من مصادر تتراوح درجة خطورتها بين المتوسطة والعالية، زادت مخاطر انتشار الأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المعدية.
ففي محافظات مثل اللاذقية وحماة وحمص والسويداء لم تكن تجارة مياه الشرب شائعة، كما هي الحال في محافظة ريف دمشق، لا سيما الجنوبي والغربي منه الذي يعاني من شح مياه مستدام منذ عقود، وتفاقمت هذا العام في ريف دمشق وغالبية مناطق سيطرة النظام، وباتت تجارة مياه الشرب هي الأنشط في ظل الركود العام، فحسب الأرقام الرسمية هناك من مليونين ونصف المليون نسمة في محافظتي حمص وحماة يعانون من شح المياه، وكذلك الأمر في محافظات حلب والحسكة والرقة ودير الزور التي تشكو من تراجع منسوب نهر الفرات على نحو غير مسبوق تاريخياً جراء الحرب، إذ يعد نهر الفرات أكبر خزان مائي في سوريا، كما أنه المصدر الوحيد للمياه في مناطق شمال وشرق سوريا، الواقع أغلبها سيطرة الإدارة الذاتية، حيث لا تزال مصادر المياه تستخدم كسلاح في الحرب من قبل الأطراف المتنازعة، وحسب تقرير سابق للبنك الدولي تعتبر خسائر قطاع المياه في سوريا خلال الحرب هي الأكبر، وقد بلغت نحو 121 مليون دولار.
جيهان أم لثلاثة أطفال (من عمر سنة إلى خمس سنوات) عبرت عن السأم من حياة بدون ماء وكهرباء، ومع أن هذه ليست أزمة جديدة في بلدة صحنايا بريف دمشق، حيث تعيش جيهان، إلا أن موجة الحر الشديد فاقمت الشعور بالأزمة: «لا أنام الليل وأنا أحاول تبريد أطفالي بخرق مبلولة بالماء، فلا كهرباء لتشغيل المراوح ولا ماء كاف للاستحمام».
وتعد جيهان من سكان الطوابق العليا أي رابع وخامس وهم الفئة الأكثر حرماناً من الماء، إذ لا تصل الماء إلى تلك الطوابق، لأن قوة الدفع ضعيفة وتحتاج إلى شفاط كهربائي يمسونه في سوريا «دينمو حرامي» ممنوع استخدامه لأنه يشفط كل كمية المياه الموجة إلى الحي، ليحصل عليها صاحب الدينمو الأقوى.
وتفرض الحكومة برنامجاً قاسياً لتقنين المياه، إذ تفتح بالتناوب بين الأحياء لتصل مرة في الأسبوع لكل حي. المشكلة المستجدة يقول موظف بلدية في صحنايا، لم يكشف عن اسمه، ليست في تقنين المياه بل بزيادة ساعات تقنين الكهرباء لتتجاوز أحياناً العشر ساعات، حيث لا يتمكن الأهالي من ملء خزاناتهم بواسطة الشفاط الكهربائي، كما أن مديريات المياه لا تتمكن من الضخ بالقوة اللازمة بسبب قطع الكهرباء فتصل المياه ضعيفة.
واعتادت شركة الكهرباء على زيادة ساعات القطع مع ازدياد الضغط على الاستهلاك، سواء خلال فصل الشتاء أو فصل الصيف، لتصبح في معظم مناطق سيطرة النظام سبع ساعات قطع مقابل ساعة أو نصف ساعة وصل. وخلال ساعات القطع تتعطل الكثير من الأشغال المصالح وتتعطل الأجهزة الكهربائية كالمكيفات والبرادات والمراوح.
أحمد، من سكان جديدة عرطوز بريف دمشق، بعد سرد معاناته من تقنين الماء والكهرباء عبر عن ندمه لبقائه في سوريا، فهو كمتطوع بـ«جيش الدفاع الوطني» عرض حياته للخطر من أجل «الدفاع عن الوطن ضد المعارضين الذين فروا هاربين إلى الخارج»، حسب تعبيره. لكنه الآن اكتشف «كم كنت مخطئاً كان عليّ التفكير بإنقاذ أطفالي من هذا الجحيم»، مؤكداً أن سبب الأزمات التي يعانيها السوريون هي «الفساد»، وموضحاً أن أضعف الإيمان وجود تنسيق بين وزارتي الكهرباء والموارد المائية في تقنين الكهرباء والمياه لتخفيف العطالة والخسائر التي يسببها التقنين الجائر». وقال: «حكومتنا غير معنية بتعويضنا خسارة مؤنة عام كامل بسبب عطل البراد وغير معنية بتعويضنا تكاليف تصليح الأدوات الكهربائية إنها معنية فقط بقهر المواطن».
وكان شباب في مناطق سيطرة النظام قد أطلقوا الأسبوع الماضي حملة إلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى وقف قطع الكهرباء باعتباره جريمة ضد الإنسانية، ومع اشتداد درجات الحرارة تجمع الأهالي في البلدتين عند مؤسسة الكهرباء. وطالبوا بتعديل برنامج تقنين الكهرباء، إذ لا يعقل أن تقطع الكهرباء عشر ساعات ثم تصل لمدة أقل من ساعة يتخللها عدة انقطاعات، وذلك بعد تقديم وزير الكهرباء عبر التلفزيون الرسمي اعتذاره عن الاضطرار لقطع الكهرباء لساعات طويلة بسبب حاجة محطات التوليد للصيانة، وأيضاً شح الوقود اللازمة لتشغيلها، موضحاً أن لا انفراج قريب للأزمة.
الحملة والضغوط أسفرت عن تحسن طفيف في برنامج تقنين الكهرباء استمر لأيام معدودة، ثم عادت الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه وعادت حملة «أوقفوا قطع الكهرباء» لتنشط مجدداً باعتبار «قطع الكهرباء لمدة خمس وست وسبع وعشر ساعات، مقابل ساعة وصل، في هذا الجو الصيفي الحارق جريمة بحق الإنسانية!... جريمة بحق المرضى وكبار السن والأطفال!... جريمة بحق صغار الكسبة وأصحاب المهن الذين تعطلت أشغالهم وأعمالهم!»، حسب تعبير بيانات الحملة.



برنامج أممي يستكمل مشروعاً لدعم سبل العيش في اليمن

امرأتان من محافظة لحج تستعدان لتسويق الألبان المنتَجة بالمُعدات المقدمة من برنامج أممي (الأمم المتحدة)
امرأتان من محافظة لحج تستعدان لتسويق الألبان المنتَجة بالمُعدات المقدمة من برنامج أممي (الأمم المتحدة)
TT

برنامج أممي يستكمل مشروعاً لدعم سبل العيش في اليمن

امرأتان من محافظة لحج تستعدان لتسويق الألبان المنتَجة بالمُعدات المقدمة من برنامج أممي (الأمم المتحدة)
امرأتان من محافظة لحج تستعدان لتسويق الألبان المنتَجة بالمُعدات المقدمة من برنامج أممي (الأمم المتحدة)

يقترب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي «UNDP» من إنهاء مشروع لدعم الصمود، الذي يهدف لدعم سبل العيش المرنة والأمن الغذائي والتكيف مع المناخ في اليمن لتمكين الشباب والنساء الأكثر ضعفاً، وتحسين دخلهم وسبل عيشهم، بالتوازي مع أنشطة مؤسسات محلية لدعم وتمكين النساء اقتصادياً في المحافظات المحرَّرة.

ويشمل المشروع المشترك، الذي ينفذه البرنامج الأممي بتمويل من الاتحاد الأوروبي وحكومة السويد، مجموعة متنوعة من الأنشطة، مثل التوظيف لخلق فرص عمل، والتدريب على تنظيم المشاريع، وبرامج التلمذة الصناعية، وأسهم، خلال الفترة الماضية، في تحسين سبل عيش كثير من الشباب والنساء في اليمن، من خلال التدريب المستهدَف، وتقديم وحلول إغاثة فورية، وأخرى مستدامة طويلة الأجل.

من فعالية لتوزيع مشاريع صغيرة لتوفير سبل العيش والتمكين بمحافظة أبين (إعلام محلي)

كما يعزز البرنامج، وفق تقرير حديث له، ريادة الأعمال وتنمية المهارات، من خلال المشروع الذي يجري تنفيذه بشكل مشترك مع منظمة الأغذية والزراعة «فاو»، ومنظمة العمل الدولية، وبرنامج الغذاء العالمي؛ لإحداث تأثيرات ذات مغزى ودائمة على السكان المستضعَفين في اليمن.

ويذكر البرنامج أنه جرى تدريب 4800 من أفراد المجتمع على تطوير الأعمال والمهارات الشخصية، بما في ذلك 38 في المائة من النساء، مما يعزز مشاركة الجنسين في تطوير المجتمع وتحقيق التمكين الاقتصادي.

ويستهدف مشروع الصمود الريفي محافظات حجة والحديدة وصعدة ولحج وأبين والمحويت وتعز، خلال الفترة الزمنية الممتدة من مارس (آذار) من العام قبل الماضي، حتى فبراير (شباط) المقبل، بميزانية تصل إلى قرابة 50 مليون دولار.

أحد اليمنيين المستفيدين من تدريبات منظمة العمل الدولية بمجال الطاقة الشمسية (الأمم المتحدة)

وخلال الفترة المنقضية من زمن تنفيذ البرنامج، نفذت اللجان المجتمعية 137 مشروعاً يتضمن احتياجات النساء في تقديم التحديات الأساسية، كالطرق والمدارس وشبكات المياه ووحدات الرعاية الصحية، وأنشأ 50 لجنة تنمية مجتمعية على مستوى الوحدات الإدارية الريفية الأصغر، تضم 717 عضواً، من بينهم 379 امرأة.

كما جرى تدريب 346 وسيطاً مجتمعياً، من بينهم 33 امرأة، و690 ممثلاً من لجان التنمية المجتمعية؛ بما في ذلك 323 امرأة، على حل النزاعات والوساطة، و75 مستشاراً؛ من بينهم 17 امرأة، بوصفهم مدربين في مجال التماسك الاجتماعي والوساطة المجتمعية.

جهود سلام محلية

أدت جهود الوساطة إلى إجراء 44 عملية تحليل للنزاعات المتعلقة بالمشاريع التنموية مراعية الاحتياجات المختلفة للنساء والرجال، وشارك 748 من المتدربين في 100 جلسة حوار مجتمعي، بينهم 190 امرأة، وجرى تخصيص 18 جلسة للنساء.

وتولَّى البرنامج توزيع مِنح مالية لعدد 3 آلاف مستفيد؛ من بينهم 1101 امرأة، لتأسيس مشاريع صغيرة في مختلف القطاعات؛ مثل إنتاج القماش، وبيع الماشية بالتجزئة، وإنتاج الغذاء، وتربية النحل، وبيع مستحضرات التجميل والمواد الغذائية بالتجزئة.

يمنية من محافظة لحج تصنع التصاميم بعد تلقيها تمويلاً وتدريباً من برنامج أممي (الأمم المتحدة)

ووفَّر البرنامج فرص عمل وتدريب على المدى القصير في المهارات الحياتية والاقتصادية لـ4800 مستفيد؛ منهم 1847 امرأة.

وفي مجال الطاقة المتجددة، درَّب البرنامج 270 مشاركاً، 10 في المائة منهم من النساء، على مهارات صيانة وتشغيل نُظم الطاقة، وزوَّد 62 مدرسة، و21 وحدة صحية، و4 من مكاتب السلطات المحلية، ومعهد تقني على أنظمة الطاقة الشمسية؛ للحصول على الطاقة النظيفة وتحسين الخدمات العامة للنساء.

وأنجز البرنامج تركيب 105 من أنظمة الطاقة الشمسية في المرافق العامة؛ لخدمة أكثر من 35 ألفاً من السكان.

وفي دعم سلسلة القيمة الزراعية، تلقّى قرابة 7 آلاف امرأة، وأكثر من 13 ألف رجل، مُدخلات زراعية؛ مثل البذور، ومجموعات الألبان، والأعلاف والأسمدة؛ لتحسين الأمن الغذائي وسبل العيش، وتدريب 36 مشاركاً على إنشاء المدارس الحقلية، وبناء قدرات 30 موظفاً من الموظفين العموميين على الزراعة الذكية المُراعية للمناخ.

وأنشأ البرنامج 4 مراكز للألبان تديرها نساء في 4 مديريات تابعة لأربع محافظات، وجرى تزويدها بمُعدات لإنتاج مشتقات الألبان وتعبئتها بالطرق الحديثة، وتلقّى أكثر من 2500 عائلة تُعيلها نساء مُعدات لتحسين جودة الحليب، وتأهّل 50 مشاركاً ليكونوا عمالاً مجتمعين في الصحة الحيوانية.

دعم نفسي واقتصادي للنساء

تنفذ منظمات واتحادات محلية برامج شبيهة للبرامج الأممية لتنظيم المشاريع الصغيرة، للمجتمعات المحلية في اليمن.

في هذا السياق، نفّذ فرع اتحاد نساء اليمن بمحافظة أبين فعالية توزيع المشاريع الصغيرة للنساء والفتيات المعنَّفات والمنتهَكات، ضمن مشروع توفير سبل العيش والتمكين الاقتصادي عبر المساحات الآمنة للاتحاد، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان.

إلى جانب ذلك، أقيم معرض لمنتجات الاتحاد تشمل مجموعة متنوعة من صناعات البخور، والخياطة والحياكة، والإكسسوارات؛ بهدف دعم النساء المحليات، وزيادة فرصهن الاقتصادية.

جلسة توعوية حول التربية السليمة للأطفال في مديرية حيس اليمنية بتمويل سعودي (إكس)

كما أعلنت جمعية الوصول الإنساني بمحافظة مأرب تمكين 12 امرأة من مشاريع مُدرة للدخل؛ بهدف الإسهام في تحويل العائلات ذات الدخل المحدود إلى أُسر منتجة، وتوفير مصدر دائم للدخل؛ لسد احتياجاتها الأساسية، بالتعاون مع شركاء دوليين.

وشملت المشاريع المُدرة للدخل، التي تبنّتها الجمعية، بالشراكة مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، تقديم أدوات الخياطة والتطريز، وكميات من الأقمشة المتنوعة، ومستلزمات صناعة الحلويات والمعجّنات، وأدوات التجميل.

وفي مدينة المخا (جنوب غرب)، وزعت مؤسسة «فور هيومن للتنمية» حقيبة التمكين الاقتصادي لـ12 امرأة في مجالات الخياطة وصناعة البخور والعطور، والصابون، ضمن مشروع توفير خدمات سبل العيش للنساء والفتيات الأشد ضعفاً في اليمن، بدعم من مركز الملك سلمان، وصندوق الأمم المتحدة للسكان.

كما تنظم المؤسسة، وبدعم من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والصندوق الأممي، جلسات الدعم النفسي للنساء في المديريات المحرَّرة من محافظة الحديدة، حول العنف القائم على النوع الاجتماعي.