في الحصيلة النهائية... الخطر على «الماكرونية» يأتي من اليمين

في الحصيلة النهائية... الخطر على «الماكرونية» يأتي من اليمين
TT

في الحصيلة النهائية... الخطر على «الماكرونية» يأتي من اليمين

في الحصيلة النهائية... الخطر على «الماكرونية» يأتي من اليمين

حقيقة الأمر أن إيمانويل ماكرون لا يخاف اليسار المتهالك والفاقد قيادة قادرة على التفاهم مع «الخضر» والتشكيلات اليسارية الأخرى على برنامج سياسي موحد. وهذا بجانب افتقاره لشخصية فارقة قادرة على توحيد الصفوف وتكون متمكنة من منافسة الثنائي ماكرون - لوبن.
ثمة قناعة ثابتة مؤداها، أن مشكلة ماكرون تكمن في الجولة الأولى في حين معضلة منافسته تتموضع في الجولة الثانية. وانطلاقاً من هذا التشخيص، فإن انبعاث اليمين الكلاسيكي بفضل الانتخابات الإقليمية يعرقل خطط ماكرون وأيضاً خطط لوبن؛ لأن كليهما يطمعان بالسطو على ناخبيه. والحال، أن بروز مرشح يميني قوي عن حزب «الجمهوريون»، يتمتع بالمصداقية ومعترف بشرعيته، إلى جانب القدرة على لملمة واستعادة الذين هجروا عائلتهم الأولى واجتذاب الناقمين على ماكرون ورافضي الانضواء تحت راية لوبن، من شأنه أن يهدد الثنائي. ذلك أن بروز مرشح كهذا سيكون، بلا أدنى شك، على حساب أحدهما. ومن هذه الزاوية، يمكن فهم تركيز ماكرون وحكومته وحزبه على إسقاط لائحة كزافيه برتراند، الوزير السابق ورئيس إقليم «هو دو فرانس» (أي المنطقة الشمالية التي يسكنها أكثر من ستة ملايين شخص).
«الماكرونيون» توجّسوا الخطر. فالرجل لم يخفِ أبداً عزمه على الترشح لانتخابات 2022، والأهم أنه رهن ترشّحه بفوز لائحته في الانتخابات الإقليمية. من هنا، فإن فشل برتراند كان سيريح ماكرون من هذا المنافس المحتمل، الذي يبدو الأبرز داخل معسكر اليمين التقليدي. ففي استطلاع الرأي الذي نشرت نتائجه الأحد الماضي، حصل برتراند على 18 في المائة من الأصوات، وذلك قبل تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسية. وللتذكير، فإن ماكرون، عندما أعلن ترشحه في عام 2016، لم يكن شخصية معروفة ويفتقد للشعبية. ورغم ذلك، فقد تخطى المرشحين التقليديين وغنِم الرئاسة لخمس سنوات وهو طامع بخمس سنوات أخرى. ولوأد برتراند قبل أن يتحوّل إلى ظاهرة مزعجة، عيّن ماكرون وزير الدولة لشؤون المتقاعدين لوران بيترازويسكي، على رأس اللائحة التي انضم إليها خمسة وزراء، بينهم أشهر اثنين في الحكومة، هما وزيرا الداخلية والعدل. غير أن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر، فجاءت هذه اللائحة في المؤخرة وحقق برتراند فوزاً يعتد به.
اليوم، هناك عشرة أشهر ما زالت تفصل الناخبين عن الاستحقاق الرئاسي في مايو (أيار) 2022، وخلال هذه الفترة الطويلة نسبياً، لا شيء يمكن أن يعيق حصول تحوّلات في الخريطة السياسية الفرنسية بمعنى أن تنمو شعبية برتراند، وأن ينجح في اجتذاب أجنحة اليمين المتفرقة للتحلّق حوله ما سيحرم ماكرون (ولوبن) من مواصلة عملية تفكيك اليمين واجتذاب عدد من «باروناته»؛ أملاً في منع بروز أي منافس جدّي من صفوفه. وتتوجه الأنظار للتعرف على نتائج الموجة الجديدة من استطلاعات الرأي لمعرفة ما إذا كان فوز برتراند الأخير سينعكس على شعبيته. لكن درب الأخير ليست بالضرورة مزروعة بالورد؛ إذ إن استفاقة اليمين من غيبوبته دفعت آخرين للتشمير عن سواعدهم، وأبرزهم اثنان: فاليري بيكريس، الوزيرة السابقة ورئيسة إقليم «إيل دو فرانس» (الذي يضم باريس ومحيطها الموسع) ولوران فوكييز، رئيس منطقة «أوفيرني - رون - ألب» (جنوب شرقي فرنسا) وكلاهما حقق نجاحاً انتخابياً لافتاً. واليوم، يدور الجدل في صفوف «الجمهوريون» للتوافق على طريقة تتيح التوصل إلى تعيين مرشح موحد من غير تعميق الخلافات الداخلية.
ثمة تعبير فرنسي يتحدث عن «سقف زجاجي» يصعب اختراقه عندما يفشل تنظيم سياسي في الذهاب أبعد مما وصل إليه رغم إمكاناته. وهذه حال حزب «التجمّع الوطني» الذي كان يأمل بالفوز بثلاث مناطق شمال وجنوب فرنسا، وخصوصاً في منطقة «بروفانس - آلب - كوت دازور» (جنب البلاد المتوسطي) التي رشح لها النائب تييري مارياني المنشق عن حزب «الجمهوريون». ولم يكن هذا الإخفاق الوحيد الذي يثير قلق المسؤولين عن الحزب. ذلك أن كثيرين يتساءلون حول فاعلية ترشح مارين لوبن، أبداً ودوماً، عن حزبهم سالكة بذلك درب والدها جان ماري لوبن، المرشح الدائم لعقود عن «الجبهة الوطنية» (الاسم السابق للحزب). ولذا؛ ثمة من ينتقد الخط الجديد للحزب وآخرون يحلمون بوجه آخر. لكن مارين لوبن ما زالت ممسكة بتلابيب الحزب ولا خوف من أن تنحى عن خوض المنافسة الرئاسية العام المقبل، خصوصاً أن استطلاعات الرأي وإن كانت ترجح خسارتها في وجه ماكرون، فإن الفارق بين الاثنين تقلص كثيراً عما كان عليه في 2017.
ويبقى اليسار بتلاوينه المختلفة وانقساماته العميقة. ورغم علامات الحياة التي أخذت تبدر منه بعد الانتخابات، فإن حظوظه الرئاسية تبدو شبه معدومة بالنظر لانخفاض شعبيته وغياب برامجه، وخصوصاً، الانقسامات التي تشرذم ناخبيه. فمن جهة، هناك اليسار المتشدد ممثلاً بجان لوك ميلونشون، الرافض الدعوات الوحدوية إلا إذا كانت تحت قيادته وهذا مستبعد تماماً. وهنا «الخضر» الراغبون في إثبات وجودهم رئاسياً. ووسط الأسبوع، أعلن أحد وجوههم المعروفة النائب الأوروبي يانيك جادو ترشحه في حين يتأهب اثنان آخران لسلوك الدرب نفسه، وهما أريك بيول، عمدة مدينة غرونوبل، والمناضلة للبيئة وحقوق المرأة ساندرين روسو. وداخل الحزب الاشتراكي، يبرز اسم آن هيدالغو عمدة مدينة باريس، التي لم تعلن ترشحها، لكنها «تنظر فيه». أيضاً، برز أخيراً اسم رئيسة إقليم «أوكسيتانيا» (جنوب غربي فرنسا) كارول دلغا، التي حققت فوزاً استثنائياً الأحد الماضي، ويرى محازبون أنها أهل للمهمة.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»