ليبيا سوق مفتوحة لتجارة السلاح.. والأميركي والتركي على رأس القائمة

مستشار بالجيش الليبي لـ «الشرق الأوسط»: المتطرفون يجلبون أسلحة من دارفور ويقومون بأول عملية التفافية للاقتراب من الحدود المصرية

ليبيا سوق مفتوحة لتجارة السلاح.. والأميركي والتركي على رأس القائمة
TT

ليبيا سوق مفتوحة لتجارة السلاح.. والأميركي والتركي على رأس القائمة

ليبيا سوق مفتوحة لتجارة السلاح.. والأميركي والتركي على رأس القائمة

تحولت ليبيا لسوق مفتوحة لتجارة السلاح. وتأتي أنواع الأسلحة الأميركية والتركية على رأس القائمة تليها الأسلحة الإيرانية والصربية، بينما يظل السلاح الروسي الذي نهبته الميليشيات من مخازن جيش معمر القذافي في 2011 الأرخص.
يأتي هذا في وقت كشف فيه المستشار القانوني للجيش الليبي، صلاح الدين عبد الكريم، لـ«الشرق الأوسط» عن بدء متطرفين ليبيين القيام بأول عملية التفافية، منذ فجر أمس، للاقتراب من الحدود المصرية، قادمين من «دارفور» الواقعة غرب السودان، بشحنات جديدة من الأسلحة والمقاتلين، وفي طريقهم للسيطرة على منطقة الكفرة شمال شرقي ليبيا.
تعكس إجابة مسؤول كبير في وزارة الدفاع المصرية عن الأسلحة الليبية المهربة إلى بلاده عبر الحدود الصحراوية، الكميات الضخمة من الأسلحة التي أصبحت تنتشر في ليبيا. ويقول إن الكميات التي دخلت إلى مصر في عامي 2012 و2013 تقدر بملايين الدولارات، لكن محافظ مطروح، اللواء علاء أبو زيد، وهو مدير سابق للمخابرات الحربية في محافظتي مطروح والإسكندرية، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن الدولة اتخذت إجراءات مشددة لمنع التهريب، وحفظ الأمن القومي.
ويوضح ضابط في رئاسة أركان الجيش الليبي لـ«الشرق الأوسط» أنه يوجد تعاون قوي مع الجيش المصري وأن الطيران الحربي المصري حين وجه ضربات لنحو 13 موقعا من معاقل «داعش» في درنة بليبيا الشهر الماضي، سبقتها عمليات قام بها سلاح الجو الليبي لتنظيف المنطقة من المضادات الأرضية التي يملكها المتطرفون قبل وصول الطيران الحربي المصري بدقائق.
ووفقا لمعلومات من ضباط ليبيين ومصادر في الجيش الليبي فقد تقاسمت الميليشيات المتطرفة أسلحة جيش الدولة من الأنواع الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بما في ذلك عدد كبير من الصواريخ وعدد أقل من الطائرات الحربية من طراز سوخوي والتي تحتاج إلى قطع غيار وصيانة في الوقت الراهن، وكذا تملك طائرات تدريب أخرى قادرة على حمل قنابل صغيرة، مشيرة إلى أن هذا يضاف إلى الملايين من قطع الأسلحة التي كانت بحوزة الليبيين والتي حصلوا عليها أيام حكم القذافي حين أعلن عما كان يعرف في عهده بـ«الشعب المسلح».
ويقول تقرير غير حكومي جرى الكشف عنه أخيرا إن ليبيا ينتشر فيها نحو 28 مليون قطعة سلاح. وتحدث عن مقتطفات من التقرير الدكتور أحمد ميزاب، الخبير الأمني ورئيس اللجنة الجزائرية الأفريقية للسلم، ونقلت عنه صحيفة «الفجر» الجزائرية قوله إن التقرير قدر عدد قطع السلاح المنتشرة في ليبيا حاليا بما بين 22 إلى 28 مليونا، بزيادة 20 مليون قطعة سلاح عما تركه القذافي قبل 3 سنوات.
لكن المستشار عبد الكريم، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الأرقام غير دقيقة وفيها تهويل لكي يتم إظهار الموضوع الليبي أمام العالم بأنه «ميؤوس منه» ومن فرص الحل له، وذلك حتى تصبح الكتل الكرتونية «المتطرفة» في الواجهة. ويضيف أن الهدف من تضخيم قوة الميليشيات وتسليحها أن تظل متحكمة في المدن الكبيرة مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة وصبراتة، وهي المدن التي تتركز فيها الكتل البشرية، وهي كتل أساسية تضم أفرادا يمكن أن يسهموا في بناء الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش الوطني مستقبلا.
ويقول مصدر أمني ليبي إن مليارات الدولارات التي كانت تستخدم في تجارة المخدرات في شمال أفريقيا تحولت إلى الاتجار في الأسلحة وتهريبها عبر الحدود. ومن السهل أن تجد في شوارع طرابلس وبنغازي سماسرة بإعلانات عن طلبيات جديدة من الأسلحة. ويقول أحد التجار ممن كان يعرف عنه في الماضي الاتجار في المخدرات والسجائر المهربة إن آخر طلبية وصلته تخص شراء 7 مدرعات وأسلحة متوسطة من عيار 14.5 مم و23 مم و32 مم.
ونظرا لاختفاء مظاهر الدولة في عدد من ضواحي بنغازي، تمكن هذا التاجر ويحمل اسما مستعارا هو «الروقي»، من صف مجموعة من الآليات العسكرية، يزيد عددها على 18 آلية، قرب ضاحية «سيدي فرج» في المدينة التي يحاول الجيش منذ عدة أشهر السيطرة عليها، وهو يتحدث بفخر عن قدرته على إدارة تجارته، بغض النظر عن نوعية المشتري، وإن كان يتخوف بطبيعة الحال من أن يعلم المتطرفون المتحصنون في الضاحية بتعامله مع قوات الصحوات أو بيع أسلحة لها، وهي قوات من الشبان المتطوعين ممن يؤازرون الجيش في حربه ضد الإرهابيين.
ويقول الروقي إنه يتلقى الطلبيات عبر وسطاء محليين موثوق فيهم. ولديه عملاء من سرت وطرابلس ودرنة، لا يستطيع أن يرفض لهم طلبا لأن «ما يحتاجونه لا يتوقف.. يريدون كل الأنواع من السيارات العسكرية وبلا حدود.. المقصود بالسيارات العسكرية هي تلك التي تعرف باسم سيارات الدفع الرباعي تصلح لوضع مدافع 14.5 مم أو 23 مم فوقها».
وعما إذا كان يشعر بالخوف من أن يتهمه أحد طرفي النزاع بمساعدة الطرف الآخر، يوضح الروقي أنه يعتمد على حماية من أفراد من قبيلته ومن أنصاره، ليواصل عمله «نحن تجار.. نحن بيننا ثقة. تطلب ما تريد، وإذا كان مالك حاضرا، يصلك الطلب في موعده ومكانه أيا كانت الكمية أو نوعها، من أول المسدس (الخوصة) عيار 9 مم حتى صواريخ غراد».
ووفقا لمعلومات استقتها «الشرق الأوسط» من تجار ووسطاء فإن الميليشيات القريبة من طرابلس، وتلك الموجودة في ضاحيتي «سوق الجمعة» و«أبو سليم» في العاصمة تقبل على شراء نوع من السلاح يسمى «الدجكة» وهو من عيار 12.5 مم ويقول أحد السماسرة إن هذا الطراز كان يستخدمه القادة من الأفغان الليبيين في أفغانستان والشيشان في العقود الماضية. ويبلغ سعر الدجكة الواحدة 7 آلاف دولار. ويوجد تجار ووسطاء أصبحوا يحترفون بيع الأسلحة كسلعة داخلية، بينما هناك سماسرة كبار يجلبون الأسلحة من الخارج ولديهم إمكانات كبيرة وعلاقات مع سماسرة دوليين. ويبيع الروقي نوعا نادرا من المسدسات الأميركية عيار 8 مم مع 3 صناديق من الذخيرة بما يساوي 1500 دولار ولديه مسدسات بلجيكية الصنع مزودة بمقابض من العاج يبلغ ثمن الواحد نحو 3 آلاف دولار، ويقول إن الأنواع النادرة من الأسلحة الخفيفة مثل المسدسات تعد من الفئة الأغلى بسبب الإضافات التي تكون موجودة فيها وتحظى بإعجاب قادة الميليشيات الكبار والقيادات التابعة لهم.
المسدسات غير المشغولة التي لا توجد عليها زخرفة، وغالبيتها من عيار 9 مم، وهي تشبه مسدسات «برتا» الإيطالية، تعد من الأسلحة رخيصة الثمن لهذا السبب. ويتراوح سعر المسدس الواحد بين 500 و1000 دولار. ويزيد ثمن هذا النوع من المسدسات غير المشغولة بزيادة سعة مخزن الرصاص الذي يصل أحيانا إلى 17 طلقة مثل المسدس الصربي الذي يجري التحكم فيه لإخراج الطلقات على دفعات أو طلقة طلقة، والتركي من نوع «ماكاروف» سريع الطلقات. ويبلغ ثمن علبة الذخيرة 9 مم نحو 50 دولارا.
ومع زيادة حدة الاقتتال بين الليبيين ارتفع ثمن ذخيرة مدافع الهاون والهاوزر خاصة من عيار 107 مم و155 مم. وباستثناء المدافع وبنادق القنص تقل أسعار الأسلحة كلما زاد حجمها أو كانت من النوع الذي يستخدم لمرة واحدة مثل صواريخ غراد والقذائف الصاروخية الأخرى. ويرتفع سعر الأسلحة المتوسطة الخاصة بالقنص كلما كانت الأدوات الإضافية حديثة مثل وجود مناظير الرؤية الليلية الخاصة بالقنص. كما يوجد نوع من الأسلحة الحديثة التي استولى عليها المتطرفون من اللواء 32 المعزز الذي كان يقوده العقيد خميس نجل القذافي قبل مقتله في أحداث 2011، وكان يعد من ألوية النخبة المجهزة بالأسلحة الغربية المتقدمة.
ويتعامل التجار مع أسلحة اللواء 32 معاملة خاصة نظرا لسمعة هذا اللواء الذي ظل يرفض الاستسلام ويقاوم رغم الضربات التي تعرض لها من طيران وصواريخ حلف الناتو من الجو والبحر، ورغم مطاردة المسلحة المحليين له طيلة 8 أشهر. ومن أنواع القنابل اليدوية المرغوب فيها نوع يسمى «آر دي إكس» ويحتوي هذا النوع على مواد تجعل القنبلة تتشظى وتنتشر على مسافة كبيرة. ويبلغ سعر القنبلة الواحدة نحو 70 دولارا. وتقبل الميليشيات المتحصنة في بنغازي على شراء هذا النوع من القنابل في حربها ضد الجيش.
ويمكن أن تشتري من بنغازي السلاح الأميركي من نوع «إم 4» بنحو ألفي دولار. وتنتشر في بنغازي الصدريات الأميركية الخاصة بالقتال، ويقبل عليها المتطرفون بشدة، كما يقول الروقي، الذي لا يتحدث كثيرا عن مصدر هذه الأسلحة والمهمات التي يتاجر فيها. لكن تستطيع أن تفهم منه أنه يعمل ضمن شبكة واسعة تنتشر في عدة مدن خاصة تلك التي يسيطر عليها المتطرفون، ولديها القدرة على جلب الأسلحة عبر سفن وقوافل مهربة، أو الشراء مما يجري سلبه من قوات الجيش أو حتى قوات المتطرفين أثناء عمليات الكر والفر بين المتقاتلين.
ويضيف الروقي أن الصدرية العسكرية الأميركية هي الأغلى، ويصل سعر الواحدة إلى نحو 150 دولارا ويقول إنه أبرم صفقة مع وسطاء لمقاتلين يعتقد أنهم من درنة وسرت (منتمين لتنظيم داعش) قبل أسبوعين. وهناك نوع من الصدريات المزودة بقميص واق من الرصاص وهذه يزيد سعرها ويصل إلى نحو 300 دولار.
ويوجد في كل صدرية جيوب متعددة منها جيبان للقنابل اليدوية و10 جيوب لمخازن رصاص البنادق من نوع إيه كيه 47. وجيوب أخرى لجهاز اللاسلكي ومصباح الإنارة وغيرها. ويمكن تعديل الصدرية، وهي من نوع «يو تي جي»، لتتناسب مع حجم الجسم حيث إنها مزودة بأحزمة تشد من الكتفين والخصر.
ويبلغ سعر سلاح القنص الإيراني الصنع من نوع «إف إن» ما يعادل ألفي دولار. ويجري تهريب هذه الأسلحة عبر معسكرات تقع ناحية دارفور. وغالبية الأسلحة الإيرانية من نوع «إف إن» موجودة من دون كماليات، حيث تباع هذه الكماليات بشكل منفرد، مثل المنظار وغطاء السلاح وأدوات تنظيفه. ويقول أحد المسؤولين الأمنيين في بنغازي إن معظم الأسلحة الإيرانية تهرب عن طريق حدود ليبيا مع السودان، بينما تأتي الأسلحة التركية والصربية وغيرها من البحر. ويبلغ ثمن المنظار وأدوات التنظيف نحو 170 دولارا.
ومن جانبه يضيف المستشار عبد الكريم موضحا أن السلاح في ليبيا منتشر بطريقة كبيرة بالفعل، لكن التهويل في قدرة الميليشيات وما تملكه من أسلحة يرمي لمحاولة تفريغ ليبيا من أي قوة مسلحة مركزية حتى تجد الدول الغربية ذريعة لدخول ليبيا بحجة حماية المنشآت النفطية الموجودة على مساحات شاسعة في الصحراء، خاصة مع استمرار الحظر الدولي على بيع الأسلحة للجيش.
ويتابع مستشار الجيش الليبي قائلا إن أغلب سلاح الجيش الليبي جرى تخزينه في مدينة مصراتة بواسطة خبراء إنجليز وأميركان وأتراك منذ بداية أحداث فبراير (شباط) 2011، مشيرا إلى أن ميليشيات مصراتة حصلت على أسلحة حديثة بطرق غير شرعية من مصادر مختلفة، خاصة بعد سيطرتها على عدد من الموانئ البحرية والجوية مثل مطار معيتيقة. ويكشف المستشار عبد الكريم النقاب أيضا عن أن الجيش الوطني الليبي تمكن من توقيف شحنة أسلحة قال إنها كانت قادمة للإرهابيين في بنغازي، ويضيف أن الشحنة عبارة عن «أسلحة تركية أحدث موديل.. أحدث ما في الترسانة التركية».
ووفقا للمصادر العسكرية الليبية، فإن مصراتة استولت على كميات ضخمة من الأسلحة من مخازن الجيش الليبي أثناء محاصرة القذافي في مدينة سرت. وتضيف أن المكان الذي كانت فيه مخازن أسلحة والقريب من سرت في ذلك الوقت، هو مقر قيادة الجيش الليبي في محافظة الجفرة.. «استولى مقاتلو مصراتة على مئات الدبابات والمدرعات وكميات مهولة من صواريخ غراد وغيرها، في الأيام الأخيرة لوجود القذاقي في سرت، وحين جرى قتله، نقلت ميليشيات مصراتة كل هذه المعدات الحربية التي كانت معها إلى المدينة، وبدأت في استخدامها بعد ذلك عن طريق قوات فجر ليبيا والدروع وغيرها.. ما تملكه مصراتة من دبابات أكثر مما يملكه الجيش الوطني».
إلا أن عدد الدبابات التي تملكها الميليشيات المتطرفة ربما لا يزيد على 100 دبابة ونحو 9 آلاف من صواريخ غراد، بحسب مصادر عسكرية ليبية، إلى جانب أعداد غير معروفة من القاذفات الصاروخية وسيارات الدفع الرباعي المجهزة كآليات عسكرية والمزودة بالمدافع.
وتوجد في مصراتة وحدها مخازن مهولة للسلاح وآلاف مؤلفة من صناديق الذخيرة، تخص 6 ميليشيات. وتمكنت عبر ترسانة الأسلحة من تدمير مطار طرابلس والسيطرة على العاصمة الصيف الماضي. ويقع مقر للكلية الحربية الليبية في مصراتة نفسها، وتضم المدينة مطارا حربيا أيضا. وتمتلك ميليشيات مصراتة وهي ميليشيات تقودها عناصر متشددة من جماعة الإخوان وعلى صلة بباقي التنظيمات المتطرفة، نحو 5 طائرات تدريب قادرة على حمل قنابل، و3 طائرات على الأقل من نوع سوخوي، استخدمت بعضها بالفعل ضد الجيش الوطني في الأسابيع الأخيرة.. مرة في منطقة الهلال النفطي في الشمال الأوسط، ومرة ضد مطار الزنتان في جنوب غربي طرابلس. ويقول أحد المسؤولين العسكريين إن مصراتة لديها أيضا ما لا يقل عن 5 مروحيات، وكلها من مخلفات الجيش الليبي. وتتنافس الكثير من الميليشيات التي ينخرط في صفوفها ألوف المقاتلين والمرتزقة واللصوص، على اقتناء الأسلحة. ويوضح أحد شهود العيان ممن كان يعمل بالقرب من معسكرات المتطرفين في درنة أن الميليشيات هناك تمتلك ترسانة من المضادات الأرضية والصواريخ والأسلحة المتوسطة والخفيفة.
وبالإضافة إلى مخزون جيش القذافي تقول المصادر العسكرية الليبية إن المتطرفين تمكنوا من الحصول على كميات ضخمة من الأسلحة من أطراف مختلفة تأتي عبر البحر والصحراء.. ويشير أحد هذه المصادر إلى أنه وخلال فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين لليبيا، في 2012 و2013. فتحت مسارات لدخول السلاح من موانئ مصراتة وطرابلس وبنغازي ودرنة.. «هذا من طريق البحر، بينما أدخلت أسلحة ضخمة من طريق الصحراء الجنوبية عبر دارفور»، مشيرا إلى أن دارفور الواقعة في شمال غربي السودان، وتحاذي الحدود الليبية من الجنوب الغربي، تحولت إلى وكر يعضد المتطرفين في داخل ليبيا، سواء من خلال نقل الأسلحة أو المقاتلين.
وكشف المستشار عبد الكريم النقاب لـ«الشرق الأوسط» أمس عن رصد الجيش الليبي لتحرك رتل عسكري تابع لجماعة من المتطرفين الليبيين، قادم من السودان بالقرب من مثلث الحدود المصرية والليبية والسودانية.
ويضيف أن المعلومات تقول إن المتطرفين عبروا من دارفور إلى داخل ليبيا ومعهم 70 شاحنة محملة بالأسلحة إضافة إلى نحو 60 سيارة دفع رباعي تحمل مقاتلين من قوات تابعة لمدينة مصراتة وقوات الدروع و«هي مجموعات إرهابية تتحرك في الصحراء الكبرى جنوب ليبيا لمد العون للعمليات التي يقوم بها المتطرفون في باقي ليبيا».
ويتابع مستشار الجيش الليبي قائلا إن المعلومات المتوفرة حول هذه المجموعة تؤكد أن «رتلا محملا بالأسلحة والمقاتلين بدأ يتحرك منذ الفجر (يوم أمس) من دارفور تجاه ليبيا». ويضيف أن «وجهتهم ربما إلى واحة الكفرة للسيطرة عليها لأنها تحتوي على آبار للنفط ومخزون من المياه. وإذا سيطروا عليها سيكون هناك خطر على الأمن المصري».
مصادر أمنية مصرية أكدت من جانبها أنه لا توجد معلومات لديها حول تحرك هذه المجموعات القتالية المتطرفة تحديدا قرب الحدود مع ليبيا، لكن أحد المسؤولين العسكريين في محافظة مطروح المصرية الحدودية يقول إن بلاده لديها الجاهزية الكاملة «لمواجهة كل من تسول له نفسه أن يهدد حدودها».
وبالعودة إلى ما قاله رئيس اللجنة الجزائرية الأفريقية للسلم، الدكتور ميزاب، فإن نحو ألف تاجر سلاح ينتشرون في الأراضي الليبية، مشيرا إلى أن بنغازي هي نقطة لتمرير وتهريب السلاح لتنظيم داعش، لافتا إلى أنه تم تهريب 7983 قطعة سلاح إلى الأراضي المصرية. ويضيف عن التقرير الخاص بالأسلحة في ليبيا الذي أشرف على إعداده، أنه سجل حصول التنظيمات المسلحة على 35 صاروخا من طراز «غراد»، و120 صاروخا مضادا للطائرات، و329 صاروخ «جي 5 إم»، و54 صاروخ أرض عابر للمدن، و24 صاروخ «إم 9».
كما يشير إلى أن التنظيمات المسلحة حصلت أيضا على 262 رأسا مدمرا لصاروخ غراد، و3 رؤوس صواريخ، و144 منصة للصواريخ المضادة للطائرات وجهاز إطلاق صواريخ، و7 أجهزة لتحديد الأهداف، ومدافع هاون، و3 مدافع عيار نصف بوصة، و3 قذائف هاون عيار 32 مم، و127 عبوة دافعة لقذيفة آر بي جي، و232 شريطا لطلقات متعددة، و33 بندقية «إف إم» بلجيكية، و327 بندقية آلية، و432 مخزن بنادق آلية، ومليوني طلقة عيار «9 مم»، و72 خزنة سلاح.
ويقول ميزاب أيضا إن عدد العناصر الإرهابية التابعة لـ«داعش ليبيا» يقدر بين 4500 و5 آلاف مقاتل بينهم ألف من الليبيين والباقي أجانب وعرب، مضيفا أن المقاتلين يتدفقون يوميا من 10 دول عربية وأفريقية. وكشف عن استعداد 1500 مقاتل جديد للالتحاق خلال الأيام المقبلة بالتنظيم في ليبيا، موضحا أن العناصر الإرهابية القادمة من خارج ليبيا تتسلل عبر الحدود التونسية والمصرية والنيجرية، كما يتم نقل آخرين عبر الطائرات للالتحاق مباشرة بمعسكرات التدريب المنتشرة في مختلف مناطق ليبيا، محذرا من سعي حركات التمرد الأفريقية للالتحاق بـ«داعش». واستند التقرير الذي تحدث عنه الدكتور ميزاب وحدد أرقاما لعدد الأسلحة في ليبيا إلى ما قال إنها «تقارير دولية ومتابعته للوضع الأمني في ليبيا».
ولا توجد تقديرات رسمية عن حجم السلاح الذي في حوزة الميليشيات في ليبيا. ويقول حمد عيسى، هو ضابط ليبي سابق، لـ«الشرق الأوسط» إن السلاح المنتشر في البلاد «عدده مهول»، مشيرا إلى أن ما يثبت ضخامة الأسلحة التي تملكها الميليشيات هو عدم قدرة الجيش طوال أكثر من 8 أشهر على كسر شوكة المتطرفين.. «هذا مؤشر على أن ما لديهم كبير ومتنوع».
وعن انتشار السلاح في ليبيا خاصة في أيدي الميليشيات المتطرفة، واستمرار حظر توريد السلاح للجيش الوطني الليبي في حربه ضد الإرهابيين، يعود المستشار عبد الكريم للقول إن الهدف هو أن تكون الدولة عاجزة عن حماية المواقع النفطية في الصحراء، مثلما حدث قبل يومين في حقلي المبروك وباهي اللذين يقعان في عمق الصحراء، وبالتالي تظهر النظرية المعدة سلفا لدى أصحاب المصالح في الخارج للاعتماد على قوة خارجية لبسط الأمن في ليبيا.. أما الميليشيات فستكون كل واحدة منها مسيطرة بما لديها من سلاح على المدينة الموجودة فيها، وبالتالي لا تكون هناك فرصة لتقوية الجيش الوطني من أبناء هذه المدن مستقبلا.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.