الرئيس الألماني يتفهم موقف إسرائيل من محكمة لاهاي

دعا لحل الدولتين لدى وصوله إلى تل أبيب

TT

الرئيس الألماني يتفهم موقف إسرائيل من محكمة لاهاي

رغم تأييده للموقف الإسرائيلي الرافض تدخل محكمة لاهاي لجرائم الحرب في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، أعلن الرئيس الألماني، فرانك فولتير شتاينماير أن حكومته تعتقد بأنه «بالإمكان الوصول إلى دولة فلسطينية وتحقيق السلام بين الطرفين».
وأضاف شتاينمر أن «التصعيد الدرامي والعنف الذي ساد في شهر مايو (أيار) الماضي، أوضح بما لا يقبل الشك أن الصراع لم يختفِ، وليس بالإمكان تجاهله. وحتى لو تعين تكرار هذه الجملة مرة تلو الآخر في حالات كثيرة، فإنه لا يوجد مستقبل أفضل من دون حل سياسي. وقد رأت حكومة ألمانيا، وما زالت ترى بحل الدولتين بواسطة مفاوضات الطريق الأفضل لمستقبل من السلام. لكن قبل ذلك، ثمة أهمية بنظري لبناء الثقة بين القيادة الإسرائيلية الجديدة والجانب الفلسطيني. والطريق إلى استئناف الحوار المباشر حول المسائل الكبرى ينبغي أن تتم بواسطة خطوات صغيره وتعاون محدد».
وقال شتاينماير، الذي بدأ زيارة لإسرائيل، أمس (الأربعاء)، إن «المشكلة تكمن في ترسيم حدود إقليمية بين إسرائيل وفلسطين، ولكن هذا يتم فقط بواسطة مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، وليس بالمحاكم. والحكومة الألمانية ترى أنه لا توجد صلاحية لـ(المحكمة الجنائية الدولية) للتحقيق في شبهات بجرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب عدم وجود مكانة دولة في حالة فلسطين».
وكان الرئيس الألماني يتكلم في مقابلة مع صحيفة «هآرتس» العبرية، نُشِرت، أمس، فقال: «ألمانيا تعيش مع إرث تاريخي ثقيل اتسم باستغلال القوة السياسية السيئ من دون حدود في الفترة النازية. لذلك، نرى، مبدئياً، بشكل إيجابي تأسيس نظام دولي، مثلما يتم التعبير عنه في الأمم المتحدة، وكذلك في المحكمة الجنائية الدولية. ومن تجربتنا، يتعين على القانون أن يضع حدوداً للقوة. إلا أن إسرائيل تعرضت لتمييز وضغوط في سياقات كثيرة في أداء الأمم المتحدة ومنظمتها، ولذلك لديها وجهة نظر مبنية على كثير من الشكوك والاعتماد على النفس أكثر من الاعتماد على المنظمات الدولية».
وقال شتاينمر إن بلاده تحترم استقلالية الجهاز القضائي للمحكمة الجنائية الدولية ومؤسسة الادعاء العام فيها. وتثق بأن المدعي العام الجديد، كريم خان، سيعرف كيف يحدد الأساس القانوني الذي يسري على عمله، وكيف يواصل إجراءات التحقيق بشكل يعزز مصداقية المحكمة الدولية.
وتطرق الرئيس شتاينمر إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي كان هو شخصياً قد دفع نحوه، عندما شغل منصب وزير الخارجية الألماني، فقال إن «تخوفات إسرائيل من التهديد الذي تضعه إيران، التي تتطلع للتسلح بسلاح نووي، مبررة. وهذه التخوفات رافقتني دائماً طوال تلك السنوات من المفاوضات الصعبة مقابل إيران». وأضاف: «يوجد لدى ألمانيا وإسرائيل نفس الهدف الاستراتيجي، منع إيران من حيازة سلاح نووي، ونحن نريد أيضاً تقييد مشروع الصواريخ الإيراني ونشاطها الذي يقوض الاستقرار في المنطقة. ووجهتا نظرنا ليستا متطابقة دائماً حيال الطريقة لتحقيق هذا الهدف، لكننا نؤمن بأن استئناف اتفاق الدول العظمى حول البرنامج النووي الإيراني هو الطريق الأفضل لوقفه وللتدقيق في طريق إيران نحو القنبلة».
وسُئِل الرئيس شتاينمر عن المظاهرات المناهضة لإسرائيل في ألمانيا خلال الحرب على غزة، الشهر الماضي، وما إذا كانت «هجرة المسلمين تشجع الكراهية لإسرائيل وتؤثر على الرأي العام في ألمانيا»، فأجاب: «الأغلبية العظمى من المسلمين في ألمانيا تريد أن تعيش بسلام وأمن. وتشارك هذه الرغبة مع الغالبية العظمى من الناس في بلادنا. ورغم ذلك، نعمل بالشدة المطلوبة بموجب القانون ضد مجموعات متطرفة».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.