الأحجار الكريمة والمعادن تكشف كيفية تطور الكون

في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي

اكتشفت بلورات البريل العملاقة عام 1928 بمحجر البومبوس في ولاية مين (هيئة المسح الجيولوجي في ولاية مين)
اكتشفت بلورات البريل العملاقة عام 1928 بمحجر البومبوس في ولاية مين (هيئة المسح الجيولوجي في ولاية مين)
TT

الأحجار الكريمة والمعادن تكشف كيفية تطور الكون

اكتشفت بلورات البريل العملاقة عام 1928 بمحجر البومبوس في ولاية مين (هيئة المسح الجيولوجي في ولاية مين)
اكتشفت بلورات البريل العملاقة عام 1928 بمحجر البومبوس في ولاية مين (هيئة المسح الجيولوجي في ولاية مين)

في أحد أيام أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1820، كان الشابان إيليا هاملين وحزقيال هولمز يتنزهان على تل في ولاية ماين، يُدعى جبل ميكا، عندما رأيا حجراً أخضر متوهجاً على الأرض. حملاه على الفور، وبدأا في البحث عن غيره، لكن الظلام كان قد عمّ المكان، وفي اليوم التالي تساقطت الثلوج.
وعندما عادا في الربيع، وجدا التل مليئاً بمثل هذه الأحجار وحُدّدت على أنّها «تورمالين»، وهي جوهرة شبه كريمة تتميز بألوانها الكثيرة. في عام 1879 زار المنطقة جورج كونز، وهو جيولوجي نبيل ورحالة جال العالم، وأعطى بعض القطع لرجل أعمال يدعى تشارلز تيفاني، الذي وظّفه على الفور. كان أحد أعضاء مجلس إدارة شركة «تيفاني هو جي بي مورغان» المصرفي والبارون السارق الذي بدأ بشراء أحجار «التورمالين» وغيرها من المجوهرات من خلال كونز، وانتهى الحال بكثير من هذه المجموعة في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي.
تعرفت على «التورمالين» الخاص بـمرجان، إلى جانب «التورمالين» الأصلي الذي وجده هؤلاء المتجولون (الموضوع في ساعة يد منقوشة بكلمة Primus، وتعني الأولى) خلال زيارة حديثة إلى قاعة الأحجار الكريمة التي أعيد افتتاحها حديثاً، «قاعة أليسون وروبرتو مينيوني للأحجار الكريمة والمعادن».
بالإضافة إلى التورمالين، وجدت نفسي أتأمل في مجموعة مبهرة من البلورات، بعضها بحجم جذوع الأشجار، والبعض الآخر أنيق بما يكفي لتزيين عنق مرشحة أوسكار على السجادة الحمراء.
المعادن، حسب ما علمت من عبارة مفيدة على الحائط، هي عبارة عن عملية ترتيب منظمة من الذرات والجزيئات. قال جورج هارلو، الجيولوجي والمنسق منذ زمن طويل، الذي أرشدني بصبر للموضوع، وبدا أنّه قادر على قراءة أنواع الصخور بسهولة مثلما يقرأ الجريدة الصباحية، إنّ «غالبية المواد الصلبة في الكون عبارة عن معادن». وأشار إلى أنّ «الناس لا يعرفون أنّ الجليد معدن»، وأنّ الثلج عبارة عن رواسب.
هناك ما يقرب من 5000 نوع من المعادن على الأرض، وأنا لا أعرف أسماء أي منها تقريباً، على الرغم من أنّها تشكل جوهر العالم الذي عشنا فيه، ومن المفترض أنّها العوالم البعيدة التي نأمل أن نكتشف فيها يوماً ما مزيداً من الحياة.
إنّهم يروون حكايات قديمة عن اصطدام القارات، وارتفاع سلاسل الجبال وتآكلها. يرون حكايات عن أحواض المحيطات وانهيارها، عن غرف هاديان التي تتكاثر فيها بلورات من الغاز والسوائل، وبعض هذه المعادن قديمة قدم الزمن تقريباً. ذكر الدكتور هارلو أنّ الماسات النانوية التي عُثر عليها في غبار النجوم قد تكون تشكلت في انفجارات «سوبرنوفا» التي حدثت بعد 200 مليون سنة من «الانفجار العظيم».
شعرت بأجواء كونية مألوفة عندما انتشرت في القاعة. وهناك صخرة أمامي يبلغ ارتفاعها 9 أقدام، وتسكن قشرة صخرية مثل بيضة ضخمة. كانت أشبه بعش طائر من «الجمشت الأرجواني»، كانت مجرة مليئة بالضوء.
تشكلت «جيوود» – عروق الماس - قبل 135 مليون سنة في أوروغواي عندما تسربت المياه الحاملة للمعادن إلى غرفة تحت الأرض، ربما كانت فقاعة منصهرة، ثم تبلورت على الجدران. خلفها كان هناك «جيوود» آخر، مجرة أرجوانية أخرى، أمام المعرض الرئيسي، في مظهر ملموس لكيفية عمل الكون الواقعي الذي اختُزل إلى مجرد نقاط، أو ربما أقل في البيانات الفيزيائية الفلكية.
تتكون جميع المعادن من نفس الأساسيات؛ الماء والحرارة والضغط. لكن مثل عائلات تولستوي التعيسة، لكل صخرة قصتها الخاصة. فقشرة الأرض تنقسم إلى ألواح تسمى الصفائح التكتونية، التي تطفو فوق الصهارة، تصطدم بعضها ببعض، وتتشابك في سلاسل الجبال، وتندمج لتكون قارات وتنفصل لتشكل البحار.
الجيولوجيا هي مصير بيولوجي، أياً كانت المعادن الموجودة على الأرض، أو التي تترسب في مكان ما، هي ما يحدد ماذا أو من يمكنه أن يعيش هناك بعد ملايين السنين. سمك السلمون المرقط يفضل مونتانا، كما أخبرني رفاقي الذين يمارسون صيد الأسماك بالذبابة، لأنّ الجداول التي تتدفق عبر الحجر الجيري تخلق ظروفاً ملائمة لمحجر مياهنا العذبة.
منذ ملايين السنين، كان وادي المسيسيبي بحراً داخلياً، وعندما ضغطت القوى الجيولوجية قاع البحر إلى أعلى، تسربت المياه، المخصبة بالخامات مثل الزنك والرصاص، من خلال صخور الكربونات المسامية التي كانت تشكل قاع المحيط، تاركة رواسب في الجيوب والأوردة.
في عام 1894، اقتحم عامل منجم يدعى جيمس روتش كهفاً على بعد 80 قدماً تحت منطقة «جوبلين» بولاية ميزوري. كانت الجدران والسقف والأرضية مبطنة ببلورات الكالسيت، وهو شكل من الكربونات؛ حوّلها وعائلته إلى قاعة رقص تحت الأرض وجذب سياحي، أطلق عليه «كريستال كيف»، لكن المياه الجوفية غمرتها في الأربعينات.
واحدة من أعظم الأحجار المعروضة في المتحف هي قطعة كبيرة يبلغ ارتفاعها 4 أقدام وتزن 7756 رطلاً من الصخور ذات اللون الرمادي والأخضر تسمى «بريل»، التي تشتمل على الزمرد وكذلك البريليوم.
في عام 1930، كان هذا الحجر عبارة عن كتلة يبلغ ارتفاعها 14 قدماً في منطقة «باموس كويري» في ولاية ماين، ما منع الوصول إلى قطعة كبيرة من معدن «الفلسبار» الذي كان مالك المحجر حريصاً على استخراجه. فجّرها المالك في اليوم السابق لوصول السيد كونز مع عرض لشرائها لمتحف التاريخ الطبيعي، واشترى المتحف بضع قطع بقيت لسنوات كثيرة.
يعتبر معدن «البريل» نفسه ذا قيمة كمصدر لليثيوم والبريليوم، وهو عنصر خفيف الوزن يولد في النجوم وتصادم الأشعة الكونية. والجدير بالذكر هنا أنّ مرايا تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي الذي تستخدمه وكالة الفضاء «ناسا» مصنوعة من البريليوم. في جولتنا، تفحص الدكتور هارلو مزيداً من التاريخ في صخرة «غالوت» أخرى، عبارة عن لوح «أمفيبوليت» من «جبل جور» في شمال نيويورك. كانت في اللوح خطوط صدع جيوكيميائية قديمة، متجمعة طولياً على هيئة سلسلة من العقيق، الحجر الكريم بلون الياقوت. تتبع الباحثون الجدار القديم الذي ضاع الآن مع مرور الوقت، والذي اعتمدوا في الأساس عليه، وقدم الدكتور هارلو مزيداً من الجمل في كتاب الكوارث القديمة.
تفحصت الحجر الكريم لأتعجب من أجراس الكرة، من بينها كانت نجمة الهند، وهي اكتشاف آخر للسيد كونز، لكن هذه المرة نيابة عن جي بي مورغان. وأخيراً عدت إلى زوج حجر الجيوود الأرجواني الذي يقف مثل بوابات من النجوم عند مدخل المعرض.
للأسف، روعتهم ليست دائمة، إذ أخبرني الدكتور هارلو أن «الجمشت»، وهو شكل من أشكال أحجار الكوارتز، يكون عادة أصفر أو رمادي. لكن اللون كان أرجوانياً نتيجة للتلف الإشعاعي، وربما من الصخور المحيطة التي تشكلت فيها «الجمشت»، ومن المرجح أن يعود إلى لونه الأصلي في النهاية. حتى لون الحجارة لا يدوم.
في القاعة التي تواجه بوابات النجوم مباشرة، كانت هناك إشارة أخرى للفناء، لوح من الخشب المتحجر من السيكويا القديمة. أحصى مسؤولو المتحف 884 حلقة، وأرّخوا الشجرة بـ33 مليوناً إلى 35 مليون سنة مضت. في ذلك الوقت، عملت الكيمياء سحرها الخاص وحلّت، معادن السيليكات محل السليلوز في الخشب، لكنّها احتفظت بسجل تطورها.
وأشار الدكتور هارلو إلى لوح بحجم مماثل من الخشب الأحمر قُطع في عام 1891، حول عدد قليل من الزوايا في قاعة الغابات الأميركية. إنّ الخط الفاصل بين الخَضار والمعادن ليس حاسماً كما قد يظن المرء، وقال متأملاً: «من دون المعادن لا توجد حياة. علمتنا الحياة كيفية صنع المعادن في الأسنان والعظام والأصداف». وفي النهاية، تعود الحياة إلى المعادن على شكل أحافير وخشب متحجر.
واختتم الدكتور هارلو قائلاً: «يعتقد الناس أنّها أمور منفصلة. لكنّ الحقيقة أنّ كل هذا جزء من كل».
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

روبوتات بأدمغة حشرات قد تشق طريقها قريباً إلى المريخ

تكنولوجيا استكشاف المريخ يُعدّ أمراً صعباً للغاية (رويترز)

روبوتات بأدمغة حشرات قد تشق طريقها قريباً إلى المريخ

قد تشق روبوتات مدرّبة على العمل بطريقة أدمغة الحشرات نفسها طريقها عبر الفضاء قريباً، حيث يخطّط مطوّروها لاختبارها على المريخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق دراسة جديدة تشير إلى أن طبقة سميكة بما يكفي من الجليد على المريخ قد تحمي أي شيء يعيش داخلها (رويترز)

كائنات قد تعيش في جليد المريخ... ما القصة؟

كشفت دراسة جديدة أنه قد يتم العثور على حياة ميكروبية غريبة داخل الجليد على سطح المريخ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق بدلة فضاء صُممت بالتعاون مع «برادا» ستستخدمها «ناسا» بدءاً من عام 2026 (أ.ب)

في رحلتهم عام 2026... روّاد الفضاء العائدون إلى القمر يرتدون بزّات من «برادا»

يرتدي رواد فضاء رحلة «أرتيميس3» من «وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)» إلى القمر، التي حُدِّدَ سبتمبر (أيلول) 2026 موعداً لها، بزّات فضائية من دار «برادا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم مركبة الفضاء «أوروبا كليبر» تنطلق إلى الفضاء من مجمع كيب كانافيرال في فلوريدا باستخدام صاروخ فالكون هيفي من شركة «سبيس إكس» 14 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

بحثاً عن وجود حياة... «ناسا» تطلق مهمة «أوروبا كليبر» إلى المشتري

انطلقت مركبة الفضاء «أوروبا كليبر»، الاثنين، في رحلة إلى القمر الجليدي لكوكب المشتري «أوروبا»، بحثاً عن عالم محتمل يدعم الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».