أول قمر اصطناعي في العالم بنظام ذكاء اصطناعي «ممتد»

أطلقته جامعة هونغ كونغ الصينية لرصد بيئة الأرض

أول قمر اصطناعي في العالم بنظام ذكاء اصطناعي «ممتد»
TT

أول قمر اصطناعي في العالم بنظام ذكاء اصطناعي «ممتد»

أول قمر اصطناعي في العالم بنظام ذكاء اصطناعي «ممتد»

في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، أطلقت جامعة هونغ كونغ الصينية قمراً اصطناعياً لرصد الأرض مزوداً بنظم ذكاء اصطناعي ممتد على نطاق واسع، يُدعى «قمر هونغ كونغ للابتكار العلمي والتكنولوجي للشباب (香港青年科創號) «Hong Kong Youth Science and Technology Innovation Satellite» ، كما كتب ساني تشيونغ(*)، بدعم من شركة «إيه دي إيه سبَيْس» ADA Space، المرتبطة بالحكومة المركزية الصينية واستراتيجيتها للاندماج العسكري المدني.

قمر اصطناعي متطور

يظهر هذا القمر الاصطناعي المتطور - الذي وصفته جامعة هونغ كونغ بأنه «أول قمر اصطناعي علمي بنموذج الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في العالم» - الدور المتزايد لطموحات الصين الفضائية ويسلّط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لهونغ كونغ في التطوير التكنولوجي.

مراقبة بيئية وربما عسكرية

ويُزعم أن القمر الاصطناعي يركز على مراقبة البيانات البيئية والجغرافية، خصوصاً في هونغ كونغ ومنطقة خليج هونغ كونغ الكبرى. ومع ذلك، تشير قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة أيضاً إلى إمكاناتها للتطبيقات ذات الاستخدام المزدوج، حيث إنها توفر أدوات للاستطلاع العسكري، بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات المدنية.

يمثل هذا الإطلاق خطوة حاسمة في استراتيجية الصين الأوسع لدمج الذكاء الاصطناعي مع تكنولوجيا الفضاء. وبينما يراقب العالم نفوذ الصين المتزايد في الفضاء، فإن تطوير مثل هذه الأقمار الاصطناعية ونشرها يستلزمان المراقبة الدقيقة لفهم نطاقها الكامل من القدرات والنوايا.

علامة فارقة في تطوير الفضاء

ما الذي يجعل هذا القمر الاصطناعي فريداً؟ يمثل قمر هونغ كونغ للشباب للابتكار العلمي والتكنولوجي تعاوناً مهماً بين الأوساط الأكاديمية والصناعة الصينية. إذ إنه أول قمر اصطناعي يتم تصميمه وتطويره ونشره مباشرة من قِبل جامعة هونغ كونغ؛ مما يُظهر خبرة الجامعة في تقنيات الفضاء المتقدمة.

يعتمد المشروع على قدرات وبنية تحتية لمعهد علوم الفضاء والأرض التابع للجامعة الذي تأسس في عام 2005. ويعمل هذا المعهد بصفته قاعدة هونغ كونغ لمركز الاستشعار عن بعد الوطني الصيني، والذي نشأ عن المختبر المشترك لعلوم المعلومات الجغرافية، وهو في حد ذاته تعاون بين الأكاديمية الصينية للعلوم وجامعة هونغ كونغ.

تصميم متميز

* الأول من نوعه. يعدّ قمر هونغ كونغ للابتكار العلمي والتكنولوجي للشباب أول قمر اصطناعي علمي في العالم يعتمد على قدرات الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق، ويتميز بالكثير من التطورات التكنولوجية التي تعِد بإحداث ثورة في مراقبة الأرض.

* كاميرا استشعار دقيقة. تتمثل إحدى ميزاته الرئيسية في كاميرا الاستشعار عن بعد البصرية عالية الدقة التي تبلغ مساحتها أقل من متر؛ ما يتيح للقمر الاصطناعي التقاط صور عالية الدقة في نطاق متر واحد من الدقة. تضمن هذه القدرة المراقبة التفصيلية للأرض والميزات البيئية، وهو أمر بالغ الأهمية لمراقبة المناطق الحضرية والنظم البيئية والموارد الطبيعية.

* معالجة البيانات فوراً بشكل مستقل. بالإضافة إلى ذلك، تم تجهيز القمر الاصطناعي لمعالجة البيانات الذكية في المدار. على عكس النماذج التقليدية التي تعتمد على التحليل الأرضي، يشتمل هذا القمر الاصطناعي على نماذج ذكاء اصطناعي واسعة النطاق ويمكنه معالجة البيانات في الوقت الفعلي؛ مما يتيح الحصول على رؤى أسرع وأكثر دقة. وهذا مفيد بشكل خاص أثناء الكوارث الطبيعية أو التغيرات البيئية المفاجئة، حيث يمكن للمعلومات في الوقت المناسب أن تساعد بشكل كبير في جهود الاستجابة.

يمثل نشر نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة مباشرة على القمر الاصطناعي قفزة تكنولوجية؛ ما يسمح له بتفسير البيانات بشكل مستقل، واكتشاف الأنماط، وتوليد الرؤى دون نقل البيانات الخام إلى الأرض.

قمر اصطناعي يتجاوز النموذج التقليدي

من خلال تضمين الذكاء الاصطناعي، سيتجاوز القمر الاصطناعي وظيفة القمر الاصطناعي الفردي التقليدية ويصبح جزءاً من نظام بيئي أكبر. تقود «إيه دي إيه سبَيْس» تطوير شبكة مكونة من 180 قمراً اصطناعياً لتعزيز قدرات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية العالمية ومعالجة البيانات.

وسيعزز هذا المشروع، قدرة الشركة على تقديم خدمات «الذكاء الاصطناعي الفضائي» المتقدمة، ووضع مدينة هونغ كونغ مركزاً عالمياً لاتصالات الأقمار الاصطناعية.

شبكة اتصالات إنترنت الأشياء

ومن خلال بناء شبكة سلسة للاتصال بإنترنت الأشياء عبر الأقمار الاصطناعية، تهدف الشركة إلى تقديم خدمات نقل بيانات فعالة وموثوقة وتحليل البيانات الضخمة، مع تطبيقات تتراوح بين إنترنت الأشياء الاصطناعي وإدارة الطوارئ.

إن نشر هذا القمر الاصطناعي لمراقبة الأرض باستخدام نموذج الذكاء الاصطناعي واسع النطاق يفتح مجموعة واسعة من الاحتمالات عبر مختلف القطاعات؛ ما يعزز الإنتاجية ويمكّن من إيجاد حلول مبتكرة. إن قدرات معالجة البايانات في الوقت الفعلي تشكل عامل تغيير كبيراً في الاستجابة للكوارث، حيث توفر معلومات فورية أثناء الأحداث مثل الفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات؛ ما يسمح بتعبئة الموارد بشكل أسرع.

بالنسبة إلى مخططي المدن، فإن الوصول إلى البيانات عالية الدقة في الوقت الفعلي من شأنه أن يسهل التخطيط الأفضل للبنية التحتية وإدارة المرور والمراقبة البيئية؛ مما يدعم تطوير المدن الذكية. بالإضافة إلى ذلك، ستفيد بيانات القمر الاصطناعي النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم.

شركة في طليعة الذكاء الاصطناعي

إن نجاح مشروع القمر الاصطناعي الرائد هذا هو شهادة على خبرة شركة 國星宇航 (Guoxing Yuhang)، المعروفة دولياً باسم «إيه دي إيه سبَيْس» ADA Space التي تأسست عام 2018. ومنذ إنشائها، كانت الشركة في طليعة الذكاء الاصطناعي الفضائي. وقد أكسبتها إنجازاتها الاعتراف بها بصفتها مؤسسةً «عملاقة صغيرة» على المستوى الوطني، حيث اشتهرت بتخصصها وإبداعها ودورها في تطوير قطاع تكنولوجيا الفضاء في الصين.

وكانت مشاركة الشركة في تطوير مركبة استكشاف القمر الصينية أكدت بشكل أكبر براعتها التقنية. وفي عام 2023، دخلت الشركة في شراكة مع المركز الوطني لبحوث تطوير أمن المعلومات الصناعية لإنشاء مختبر استشعار إنترنت الأشياء في الفضاء؛ ما يعزز سلامة وموثوقية شبكات الأقمار الاصطناعية.

وشاركت مع مركز أبحاث تكنولوجيا صناعة الأقمار الاصطناعية التابع لجامعة العلوم والتكنولوجيا الإلكترونية في الصين لتصميم عدد من الأقمار الاصطناعية المتطورة مثل قمر TFSTAR الذي أصبح أول قمر اصطناعي تجاري في العالم بهندسة «ثنائية النواة»، ويضم منصة ذكاء اصطناعي من الجيل الثاني. وقد تردد أنه يتمتع بقوة معالجة صور لا مثيل لها، تتجاوز قوة الأقمار الاصطناعية المماثلة بأكثر من 1000 مرة؛ ما يسلط الضوء على براعة الشركة في دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية في تكنولوجيا الفضاء المدمجة.

مشاركة في معرض دفاعي بالسعودية

وحديثاً في عام 2024، قدمت ADA Space ابتكاراتها في معرض دفاعي كبير بالمملكة العربية السعودية لعرض قمرها الاصطناعي للذكاء الاصطناعي إلى جانب تقنية التوأم الرقمي ثلاثي الأبعاد المتقدمة للأقمار الاصطناعية. كما عرضت أول قمر اصطناعي في العالم بتقنية «بلوكتشين» مرئي في المدار «نيو سبيس 16» في المعرض.

الاستخدام المزدوج: التطبيقات المدنية والعسكرية

يسلط دمج الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية الضوء أيضاً على إمكانات الاستخدام المزدوج لمثل هذه الأنظمة. في حين تم بناء قمر هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا والابتكار للشباب لتطبيقات مدنية وعلمية، فإن قدراته يمكن أن تمتد بسهولة إلى الاستخدامات المتعلقة بالدفاع. تاريخياً، استخدمت الصين تقنيات الأقمار الاصطناعية التجارية لأغراض مزدوجة، وعدَّلتها للمراقبة العسكرية والاستطلاع والتخطيط الاستراتيجي.

في عام 2022، طور الباحثون العسكريون الصينيون نظام ذكاء اصطناعي يحوّل الأقمار الاصطناعية التجارية منخفضة التكلفة منصات مراقبة قوية، قادرة على تتبع الأشياء الصغيرة مثل السيارة بدقة ملحوظة. وحققت هذه التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي معدل دقة بنسبة 95 في المائة في تحديد الأهداف المتحركة، متجاوزة الأنظمة السابقة بكثير.

تُظهر مثل هذه التطورات إمكانات الأقمار الاصطناعية المتكاملة مع الذكاء الاصطناعي لدعم العمليات الاستخباراتية والعسكرية، حتى لو تم إنشاؤها في البداية لأغراض بيئية وتجارية.

ويجسّد قمر الذكاء الاصطناعي الجديد التابع لجامعة هونغ كونغ اعتبارات الاستخدام المزدوج المماثلة، حيث يسمح تصميمه المرن بمجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك الأمن والدفاع.

* «ذا دبلومات» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

«مايكروسوفت» و«ميتا» تدافعان عن الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي

الاقتصاد يظهر شعار «مايكروسوفت» ولوحة المفاتيح والأيدي الآلية في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

«مايكروسوفت» و«ميتا» تدافعان عن الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي

دافع الرئيسان التنفيذيان لشركتَي «مايكروسوفت» و«ميتا» عن الإنفاق الضخم الذي عدّاه مفتاحاً للبقاء تنافسيين في هذا المجال الجديد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد شعار «سوفت بنك» يظهر في متجر في طوكيو (وكالة حماية البيئة)

«سوفت بنك» تسعى لاستثمار قياسي في «أوبن إيه آي» بقيمة 25 مليار دولار

تجري مجموعة «سوفت بنك» محادثات لاستثمار يصل إلى 25 مليار دولار في شركة «أوبن إيه آي»، في صفقة من شأنها أن تجعلها أكبر داعم مالي لصانع «تشات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
علوم «ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

الصين تفاجئ أميركا مثلما فاجأها الروس بقمر «سبوتنيك» الاصطناعي قبل 67 عاماً

هاري ماكراكن (واشنطن)
تكنولوجيا ينصح الخبراء بالتحقق دائماً من روابط المواقع التي تطلب بيانات تسجيل الدخول وتجنب إدخال المعلومات الشخصية في حال الريبة (شاترستوك)

كيف تحمي بياناتك من المجرمين الإلكترونيين عند التسجيل في «ديب سيك»؟

يستغل مجرمو الإنترنت بعض الثغرات عبر إنشاء صفحات تسجيل وهمية لـ«ديب سيك» لسرقة بيانات المستخدمين مثل البريد الإلكتروني وكلمات المرور.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد أعلام النرويج ترفرف في شارع كارل يوهان في أوسلو (رويترز)

التكنولوجيا تدفع صندوق الثروة النرويجي إلى تحقيق عوائد قياسية في 2024

أعلن صندوق الثروة السيادية النرويجي الذي تبلغ قيمته 1.8 تريليون دولار ويُعد الأكبر في العالم، يوم الأربعاء، تحقيق ربح سنوي قياسي بلغ 2.51 تريليون كرونة.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية
TT

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

«ديب سيك» أثار جنوناً فورياً من صدمة تكنولوجية وجيوسياسية

لطالما كانت صناعة التكنولوجيا مفتونة بالاستعارات المتعلقة بسباق الفضاء الأصلي. والمفضل لديها من تلك الاستعارات عبارة moon shot «إطلاقة القمر» (مصطلح إرسال سفينة فضائية إلى القمر-المحرر)، وهو مصطلح ينطبق على أي مشروع طموح غير نمطي.

«ديب سيك» الصيني و«سبوتنيك» الروسي

أدى إصدار شركة «ديب سيك» الصينية الناشئة لنموذج ذكاء اصطناعي منطقي قد يكون نظيراً لـ«جي بي تي-أو1» (GPT-o1) من «أوبن إيه آي»، إلى جعل الجميع يعودون إلى لحظة «سبوتنيك» الأصلية في عام 1957، بوصفها نقطة للمقارنة، على الرغم من أنه تم إنشاؤه بثمن بخس، دون الوصول إلى أفضل شرائح «نفيديا». (سبوتنيك؛ قمر اصطناعي أرسله الاتحاد السوفياتي في دورة حول الأرض).

جنون وصدمة

بطريقة ما، استغرق الأمر من معظم الناس أسبوعاً للانتباه إلى وجود «آر-1» (R1) من «ديب سيك»، الذي أصدرته الشركة في 20 يناير (كانون الثاني). بمجرد انتباه الخبراء إليه أثار جنوناً فورياً تراوحت موجات الصدمة من التكنولوجية إلى الجيوسياسية.

إن التأثير المفاجئ لشركة «ديب سيك» له أوجه تشابه لا يمكن إنكارها مع الذعر الذي اندلع قبل أكثر من 67 عاماً عندما نجح الاتحاد السوفياتي في وضع قمر اصطناعي في المدار قبل أن تفعل الولايات المتحدة ذلك.

شفافية الصينيين وسرية السوفيات

ولكن كما أشار الرئيس التنفيذي السابق لشركة «ريدت»، وونغ، في منشور هذا الأسبوع، فإن أوجه التشابه سطحية. فمن ناحية، عمل السوفيات في سرية تامة. وعلى النقيض من ذلك، تنشر «ديب سيك» التعليمات البرمجية والأبحاث المتعلقة بتقنياتها لإنشاء الذكاء الاصطناعي الذي يفعل المزيد بأقل تكلفة. وهذا يمنح العالم بأسره الفرصة للبناء بسرعة على ما أنشأته الشركة، ما قد يؤدي إلى تسريع استخدام الذكاء الاصطناعي في كل مكان بدلاً من الحفاظ على ميزة تنافسية هائلة لشركة أو دولة واحدة.

نقطة تحول عالمي

لا شك أن تحويل الذكاء الاصطناعي إلى سلعة تجارية فجأة قد يخلف آثاراً عميقة على حفنة من الشركات الأميركية القوية التي دفعت التكنولوجيا إلى الأمام حتى الآن. ولكن في حين كانت تفاصيل وتوقيت مثل هذه النقطة التحولية غير متوقعة، فإن حتميتها لم تكن كذلك.

على سبيل المثال، كانت وثيقة داخلية لشركة «جوجل» تسربت في أوائل عام 2023 بعنوان «ليس لدينا خندق ولا نمتلك (أوبن إيه آي) أيضاً». أو كما قال الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، ساتيا ناديلا، في وقت لاحق من ذلك العام: «فيما يتعلق بي، فإن الريادة المبكرة في التكنولوجيا لا تهم».

عمالقة التكنولوجيا: تقييم المستقبل

قد تجبر تقنية «آر-1» من «ديب سيك»، وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي المصممة على غرار نهجها، عمالقة الذكاء الاصطناعي الحاليين على إعادة تقييم كل شيء عن مستقبلهم. ومع ذلك، فإن هذا ليس نهاية المطاف بالنسبة للصناعة كما عرفناها.

ومن الصعب أن نتخيل أن الشركات التي تتمتع بالقدرة على الوصول إلى موارد هائلة لن تكون قادرة على تحقيق بعض التقدم الذي لا تستطيع الشركات الأخرى، التي تعمل في ظل قيود أكبر، تحقيقه.

والأمر الأكثر أهمية هو أن التحسينات المذهلة التي شهدناها في برامج النظم اللغوية الكبرى على مدى السنوات القليلة الماضية لم تضاهها بعدُ تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها في العالم الحقيقي.

تقادم أدوات ذكية جديدة

ومع تلاشي حداثة الذكاء الاصطناعي التوليدي، تبدو أدوات مثل «كوبايلوت» (Copilot) من «مايكروسوفت» وكأنها مسودات «أكثر خشونة» لشيء يحتاج إلى مزيد من الإبداع ليرقى إلى إمكاناته.

إن عمل ربط الذكاء الاصطناعي بجميع العمليات التي نستخدمها لإنجاز الأشياء لم يبدأ بعدُ، ومن المتوقع أن تجني الشركات التي تنجز ذلك الكثير من المال.

الذكاء الاصطناعي الوكيل

هذه هي الحقيقة الكامنة وراء هوس الصناعة بما يسمى الذكاء الاصطناعي الوكيل، وهي كلمة طنانة مزعجة بعض الشيء تشمل أشكالاً من التكنولوجيا التي يمكنها أداء مهام معقدة دون إشراف بشري مستمر.

هناك بعض المحاولات المبكرة اللائقة للفكرة هناك، مثل «زملاء فريق الذكاء الاصطناعي» من «أسانا» (Asana)، الذين يتحملون بالفعل بعض العمل الشاق المتمثل في التعامل مع المهام في تطبيق إدارة المشاريع. ولكن هذه الأمثلة تفوقها حالات الذكاء الاصطناعي الوكيل التي تثبت في الغالب أن التكنولوجيا ليست جاهزة للقيام بالكثير بمفردها.

على سبيل المثال، في الأسبوع الماضي، أصدرت «أوبن إيه آي» برنامج «Operator»، وهو «معاينة بحثية» متاحة لمستخدمي فئة «ChatGPT Pro» التي تبلغ تكلفتها 200 دولار شهرياً. يمكن لهذا البرنامج الكتابة في متصفح الويب والتحكم في مؤشر الماوس، وهي خطوة نظرية أولى نحو السماح له بالتعامل مع جميع المهام التي نقوم بها نحن البشر على الويب.

تجربة الوكيل الذكي

وقد تحدث كيسي نيوتن عن تجربته العملية مع الخدمة، التي تضمنت مطالبة البرنامج بأداء مهام مثل كتابة خطة درس في المدرسة الثانوية لرواية «غاتسبي العظيم». وقد استغرق الأمر دقائق لتحقيق نتائج لم تكن أفضل مما توصل إليه برنامج «تشات جي بي تي» غير الوكيل على الفور تقريباً. وعندما حاول نيوتن استخدام «Operator» لطلب البقالة، وهو شيء لا يستطيع روبوت الدردشة الموجود في البورصة القيام به، اتضح أن الإصدار الحالي منه لا جدوى منه في هذه المهمة أيضاً.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حصلت على عرض توضيحي للذكاء الاصطناعي التجريبي الذي طورته شركة «غوغل»، والذي أطلق عليه اسم «مشروع مارينر»، الذي يتضمن أيضاً طلب البقالة وكان بطيئاً للغاية بحيث لا يبدو وكأنه تقدم.

إن حقيقة أن هذين البرنامجين (الوكيلين) لم يكونا جاهزين بعد للتعامل مع مهمة متواضعة مثل شراء غالون من الحليب لا تشكل دليلاً على أنهما تمرينان في العبث، بل إن هدف جعل الذكاء الاصطناعي مفيداً بوصفه عاملاً يظل طموحاً إلى حد كبير، حتى في شركة «أوبن إيه آي» و«غوغل».

مزايا متميزة للشركات الرائدة

إن برنامج «ديب سيك» وغيره من إنجازات تحسين مستوى النماذج اللغوية الكبرى التي لم تأتِ بعد، لن تعيق المزيد من تطوير الذكاء الاصطناعي العامل، بل إنها ستساعد بالتأكيد من خلال جعل البنية الأساسية أكثر سهولة في الوصول إليها بالنسبة لمزيد من الناس الذين لديهم أفكار جيدة.

وحتى في هذه الحالة، سوف تحتفظ شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة في الولايات المتحدة ببعض المزايا المتميزة، من المال والمواهب الهندسية التي يمكنها أن تستثمرها في تحديات الغد... إلى قدرتها على تسويق منتجات جديدة لقواعد عملاء كبيرة راسخة. وربما يشكل وصول «ديب سيك-آر1» نقطة تحول لهذه الشركات.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».