مع تراجع قيود الحجر، وعودة الحياة الطبيعية إلى سابق عهدها هذا الصيف في لبنان، ستبدو مسرحية «هلع» في غاية الطرافة. فهي «ميوزيكال» كوميدي، يجمع بين ما عاشه الناس مع بدء وباء «كورونا» من مخاوف مبالغ فيها، تَبيّن بعد ذلك أنّها كانت نتيجة جهل كبير بماهية المرض، وما استجدّ على اللبنانيين من أزمات، أجبرت كل فرد على البحث عن مصيره على طريقته. ثمة تركيز على المفارقات في هذا العمل الذي يقوم به شبّان اختبروا تجربة مختلفة عن سابقيهم من المسرحيين اللبنانيين، ويقدمونها في قالب مختلف.
ستة ممثلين على المسرح، والقصة هي حول جيران يسكنون بناية واحدة، شبانها أصدقاء من أيام المدرسة، حين كان كل شيء عفوياً سهلاً وبريئاً. بعد الجامعة، أخذ القدر كلاً منهم في طريق مختلفة. أحدهم أكمل دراسته في فرنسا، وبعودته شعر أنّه مشى في طريق لا تشبه التي سار فيها أصدقاؤه.
مايا الطالبة الجامعية التي قادتها أوضاع عائلتها الصعبة للعمل في قطر، لإعالة أهلها، تعود إلى لبنان، في وضع لم تكن تتمناه، وتكتشف أنّ أختها عائشة، «الإنفلونسر» بما تملك من متابعين، تستطيع أن تكسب أفضل منها وأسرع. أمّا رالف الذي يلعب دوره سامر حنا، كاتب القصة ومنتجها، فيسكن في الطابق الأخير من العمارة. وهو شاب مدلل لكن الحجر منعه من الرياضة وحياة السهر والمرح التي كان يعيشها، وهو بالتالي له معاناته الخاصة.
يرتئي أهل العمارة، والخوف من «كورونا» على أشده، الاجتماع في الطابق الأخير، الأهل في شقة والشبان في الشقة المقابلة، ليفسحوا المجال أمام تعقيم العمارة للوقاية من الفيروس. لكنّ المفارقة، والمفارقات هنا هي لب هذا العمل، أنّ أحدهم يتمكن من نقل العدوى للمجتمعين، لتدخل القصة في منطق آخر.
هذا «الميوزيكال» يضم تسع أغنيات، ويستمتع المتفرج ببعض المشاهد الراقصة، والتشكيلات التي يؤديها الممثلون بأنفسهم. هي خلطة فنية يجهد من خلالها مخرج العمل ساني عبد الباقي والكاتب والمنتج سامر حنا، ومجموع المشاركين في العمل لتقديم عرض مبهج، على الرّغم من الظروف الضاغطة على جميع من يعيش في لبنان، ويزداد خناقها على المواطنين كل لحظة أكثر.
بدأ سامر حنا كتابة نصّه بنسخته الأولى في أبريل (نيسان) 2020 عندما كان في لبنان ثلاث حالات «كورونا» فقط، يومها كان يقدم مسرحية مع المخرجة بيتي توتل صفير، وأوقفت العروض بسبب الوباء، وتبين يومها أنّ الأمر لم يكن بتلك الفداحة. لكن حنا الذي هو مخرج في الأصل، عكف على تسجيل وكتابة تلك التجربة على طريقته المرحة، منطلقاً من خصوصية لبنانية يعيشها الشباب مع تعثر الأوضاع المعيشية، حيث ينطلق كلٌّ منهم في اتجاه، في فترة حساسة ومفصلية من أعمارهم، ولحظة يستجدّ اللقاء تظهر الفوارق الهائلة التي رسمتها خطوط الزمن، على قصره، في شخصية كل منهم. يقول حنا لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفضل كبير للمنتجة والكاتبة والممثلة والمخرجة جوزيان بولس، التي وقفت إلى جانبنا من اللحظة الأولى، وكل ما تريده هو أن ترانا ننجح ونقدم هذه المسرحية في الظرف العسير الذي نعيشه».
هذا الجو المقاوم للخمول والنكد، هو ما يحرص عليه بعض الفنانين اليوم، مصرّين على تقديم أعمال، والمضيّ في النشاط والإنتاج، حتى ولو بالمجان. فالهدف في النهاية إبقاء الحياة الثقافية اللبنانية مستمرة، وإشعار الناس أنّ بمقدورهم الذهاب إلى المسرح والسينما والمعارض التشكيلية للترفيه عن أنفسهم. ويقول حنا: «إنّ العمل حين كُتب في عزّ فترة الحجر، جاءتنا فكرة أن نعرضه مصوراً على الشبكة الإلكترونية، لكننا وجدنا أنّ التصوير أفقده حيويته، ولم يكن على النحو الذي نرغب. لكن الحجر ما كان ينتهي إلّا ليعاد تمديد المهل من جديد، وهو ما أجّل التنفيذ إلى الآن. وقد وجدنا الفرصة مناسبة مع بداية الصيف أن نُفرج في النهاية عن شغل اختمر منذ أكثر من سنة، وهو ينتظر أن يوضع على الخشبة».
تبدأ عروض ميوزيكال «هلع» في الثالث من الشهر المقبل، وتستمر حتى 18 منه على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت. والمنتج سامر حنا كان قد أخرج سابقاً مسرحية «ماما ميا» بالاستيحاء من الميوزيكال العالمي الشهير، وضمّنها أربع أغنيات حينها. وها هو اليوم يحاول أن يطوّر التجربة بـ«هلع» وإضفاء مزيد من الأغنيات والموسيقى والألحان. مدة العرض تزيد على ساعة بقليل، والتمرينات لا تتوقف، فالحماس شديد بعد غياب طويل عن المسرح، ولقاء الجمهور في حد ذاته متعة لها رهبتها.
ميوزيكال «هلع» يجمع إلى الغناء طرافة الأداء
ميوزيكال «هلع» يجمع إلى الغناء طرافة الأداء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة