«إسلام الأنوار»

دعوات لبلورته وكتب صدرت في باريس تحمل اسمه

TT

«إسلام الأنوار»

لعبت باريس دوراً مهماً في تنوير العالم الأوروبي في القرن الثامن عشر. ويبدو أنها مدعوة للعب الدور نفسه بالعالم العربي في القرن الحادي والعشرين. ففي القرن الثامن عشر كان ملك بروسيا الجبار فريدريك الثاني يفتخر بأنه يعرف الفرنسية وأنه مشبع بالثقافة الفرنسية؛ بل كانت المناقشات الفلسفية في بلاطه تدور باللغة الفرنسية لا الألمانية. وكان يراسل صديقه فولتير بلغته أيضاً. باختصار: كان إشعاع الثقافة الفرنسية يعم كل أوروبا مثلما يعم إشعاع اللغة الإنجليزية العالم حالياً. والآن جاء دور تنوير العرب والمسلمين بشكل كلي على ما يبدو. هذا ما يعتقده كثيرون في الأوساط الباريسية المثقفة. وهذه مهمة ضخمة، هائلة، تكاد تقصم الظهر. فمن يستطيع تنوير ظلمات حالكة متكدسة بعضها فوق بعض منذ أكثر من ألف سنة؛ أي منذ هزيمة المعتزلة والفلاسفة؟ ولهذا السبب كثرت في السنوات الأخيرة الدعوات لبلورة «إسلام الأنوار». بل ظهرت سلسلة كتب في «دار ألبان ميشيل» الباريسية بعنوان: «إسلام الأنوار». وقد أصدرت مؤلفات عدة؛ نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: «المفكرون الجدد في الإسلام» لرشيد بن زين.
والآن نطرح هذا السؤال: هل حقاً مالك شبل هو مخترع مصطلح: «إسلام الأنوار»؟
هذا ما كان يعتقده هو شخصياً. وهذا ما صرح به لجريدة «المساء» البلجيكية. ولكن يبدو أن المصطلح أقدم من ذلك بكثير. وربما كان قد ظهر في العربية أولاً قبل الفرنسية. ربما كان قد ظهر في مصر أو لبنان أو تونس أولاً للتعبير عن تيار تجديدي طويل عريض يريد أن يضع حداً للموجة الأصولية الطاغية. أقول ذلك وأنا أفكر بالدكتور محمد الشرفي وزير التعليم والتنوير في عهد بن علي الذي نشر كتاباً بعنوان: «الإسلام والحرية»، وآخر بعنوان: «معركتي من أجل الأنوار». ومن أبرز ممثلي هذا التيار: العفيف الأخضر وعبد الوهاب المؤدب ونصر حامد أبو زيد والمازري حداد وعبد المجيد الشرفي وخالد المنتصر ورجاء بن سلامة وريتا فرج... وعشرات آخرون من المثقفات والمثقفين العرب. ولا ننسى بالطبع أستاذ الأساتذة مدشن التنوير الإسلامي الأكبر في هذا العصر: البروفسور محمد أركون. والواقع أنه يصعب تحديد من هو أول مخترع لهذا المصطلح. ولكن هل هذا مهم؟ المهم أن تنتشر الأفكار الجديدة وتصبح شائعة على كل شفة ولسان. هناك حاجة ماسة للتنوير بعد أن اكتسحت الموجة الظلامية الشارع العربي؛ بل وصلت إلى المثقفين أو بالأحرى: أشباه المثقفين.
في الواقع أن التنوير ابتدأ منذ عصر النهضة في القرن التاسع عشر واستمر حتى منتصف القرن العشرين. وهو ما دعاه ألبيرت حوراني «العصر الليبرالي العربي». ولكن مفكريه الكبار اتهموا بالهرطقة والزندقة من قبل الإخوان المسلمين ومن شاكلهم. انظروا إلى هجوم هؤلاء على طه حسين وعلي عبد الرازق وسواهما من رواد التنوير العربي الإسلامي. وقد وصل بهم الأمر إلى حد محاولة اغتيال الأستاذ عباس محمود العقاد. والآن ربما كنا قد أصبحنا بحاجة إلى نهضة ثانية تفوق نهضة القرن التاسع عشر جرأة وقوة أو تكملها على الأقل. نقول ذلك، خصوصاً أن الموجة الظلامية سوف تنحسر عما قريب ولن تدوم إلى الأبد بعد أن انكشفت نواقصها ومخاطرها الجسيمة على المستقبل العربي. وهذه النهضة الجديدة مطالبة بتحقيق ما عجزت النهضة الأولى عن تحقيقه رغم أهمية إنجازاتها وعظمة عباقرتها: ألا وهو الحفر الأركيولوجي في أعماق التراث وإضاءته من الداخل بشكل لم يسبق له مثيل حتى لكأنه يُخلق من جديد! هذه هي المهمة الكبرى المطروحة على المثقفين العرب في السنوات المقبلة.
نضيف على أن الإسلام هو دين النزعة الإنسانية ومكارم الأخلاق. إنه دين الأنوار الحضارية التي أشعت على العالم يوماً ما، لا دين الظلمات التكفيرية التي ابتلينا بها مؤخراً والتي شوهت سمعتنا في شتى أنحاء الأرض. ولذلك دعا مالك شبل ممثلي الإسلام الكبار إلى الاجتماع العاجل واتخاذ قرارات عدة خطيرة لأول مرة؛ أولها: تغليب المعرفة العقلانية على كل أنواع المعارف الأخرى، خصوصاً المعرفة الخرافية، الغيبية، الأسطورية المسيطرة على عامة الشعب بسبب الفقر والجهل والأمية. بمعنى آخر ينبغي تغليب العقل على النقل وليس العكس. وثانيها: إعادة تفسير التراث الإسلامي كله على ضوء العلم الحديث؛ لأن التفسير السائد حرفي تقليدي أكثر من اللزوم ولم يعد صالحاً لهذا العصر. فنحن لا نستطيع أن نعيش إلى الأبد على تفسيرات قديمة، متكلسة، متحنطة، عفا عليها الزمن. وللأسف الشديد فهي التي لا تزال تهيمن على برامج التعليم والفضائيات؛ بل حتى الجامعات. وثالثها: التخلي كلياً عن فكرة الجهاد؛ لأنها تدخلنا في صدام مباشر مع العالم كله. فتفجير الحافلات والمقاهي والشوارع والأسواق وترويع المدنيين العزل ليس بطولات ولا جهاداً مرضياً عند الله. وإنما هو إرهاب إجرامي مضاد لسماحة الدين الحنيف. وينبغي على علماء الأمة وكل المثقفين العرب والمسلمين أن يعلنوا إدانتهم الصريحة القاطعة لهذه التفجيرات ومرتكبيها. لا ينبغي بأي حال أن يحاولوا إيجاد التبريرات والتسويغات لها كما يفعل بعض المثقفين الشعبويين الغوغائيين الذين يركبون الموجة ويدغدغون العواطف والغرائز. ورابعها: ينبغي أن يتخلى شيوخ الإسلام عن إطلاق فتاوى التكفير ضد المثقفين العرب تمهيداً لاغتيالهم. لا يحق لأي شيخ كائناً من كان أن يفتي بقتل هذا المثقف أو ذاك كما حصل في الجزائر إبان العشرية السوداء، وكما حصل في سوريا ومصر والعراق... إلخ. فهذه الفتاوى العشوائية تؤدي إلى إثارة الفوضى والرعب إن لم يكن الفتنة والذعر في المجتمع. إذا لم يعجب المشايخ المبجلين كتاب ما فليعلنوا ذلك صراحة وليفندوه عن طريق حجج عقلانية لا عن طريق الفتاوى القاتلة والرصاص! ولكن من هو القاتل أكثر: الفتوى أم الرصاصة؟
يمكن القول إن عبد النور بيدار هو أكبر ممثل لـ«إسلام الأنوار» في فرنسا حالياً. فهو أكثرهم عمقاً من الناحية الفلسفية. وهو يقول صراحة: «إني أحب الإسلام... لقد نماني فكرياً وغزاني أخلاقياً وروحانياً إلى أقصى الحدود. ولكني أرفض الموجة الظلامية المتخلفة السائدة حالياً. فهي لا تمثل روح الإسلام ولا جوهره». ثم نشر الفيلسوف المذكور مقالة طنانة رنانة في جريدة «ليبيراسيون» الباريسية بعنوان: «ثقوا بإسلام الأنوار!»، وقال ما فحواه: إما أن ينتصر «إسلام الأنوار»، وإما أن ينتصر «إسلام التعصب والظلام». ولكم الخيار. وقال أيضاً: يمكن للمرء أن يكون مسلماً حقيقياً ومتنوراً حقيقياً. هذا لا ينفي ذاك. ولكن بشرط أن نطهر التراث من العقائد الدوغمائية المتحجرة المضادة لحرية الضمير والمعتقد، والمكفرة الآخر، والمحتقرة كرامته، والرافضة التسامح وكل قيم حقوق الإنسان. وقال بإمكانية انبثاق إسلام روحاني عظيم متجدد ومنبعث كلياً ومتصالح مع أفضل ما أعطته الحداثة. وهو إسلام يتغذى من مصادره الكبرى في الحكمة والروحانيات. ونفهم من كلامه أنه من أتباع تيارين كبيرين في الفكر الإسلامي: التيار الفلسفي المتحرر من العقائد الدوغمائية المتحجرة والمتواصل منذ ابن رشد وحتى محمد إقبال، ثم التيار الصوفي الذي يجسد طريق الحب، والسلام، واستبطان الذات أو معرفة الذات عن طريق الاستبطان. وبالتالي؛ ففي التراث الإسلامي كنوز من القيم الأخلاقية والأفكار العقلانية والروحانيات. في التراث صفحات مشرقة، مضيئة، ولكنها مطموسة أو غير معروفة من قبل تلامذتنا وجماهيرنا. وهي التي ينبغي أن ننبشها ونستلهمها ونركز عليها وندخلها في برامج التعليم. ولكن المشكلة هي أن الصفحات السوداء المظلمة هي المهيمنة علينا حتى الآن.
أخيراً ينبغي ألا ننسى أن التنوير العربي رغم عظمته وأهميته كان قد حصل تحت سقف القرون الوسطى. هذا في حين أن التنوير الأوروبي بدءاً من فولتير؛ بل حتى من ديكارت وسبينوزا، حصل تحت سقف العصور الحديثة. وشتان ما بينهما. فديكارت دشن الفلسفة الحديثة وتجاوز ابن رشد وكل فلسفة القرون الوسطى. ثم جاء كانط وتجاوز ديكارت ذاته. وماذا عن هيغل ونيتشه وهيدغر؟ ماذا عن هابرماس في وقتنا الحاضر؟... إلخ.
ولذلك ينبغي أن نأخذ كل هذه التطورات والإضافات والفتوحات المعرفية الكبرى بعين الاعتبار. فقد تجاوزت تنويرنا بما لا يقاس. وبهذا الصدد ينبغي العلم أن الحداثة ليست فقط تكنولوجيا وآلات ومخترعات؛ وإنما هي شيء أهم من ذلك وأخطر بكثير. الحداثة، بالمعنى الإيجابي للكلمة، حدث روحي عظيم في تاريخ الفكر والوجود.
إنها تعني أساساً تفجير النواة الصلبة لليقينيات التراثية اللاهوتية المهيمنة علينا منذ مئات السنين، وتحرير الروح البشرية من السلاسل والأغلال، وانبثاق فكر إنساني جديد خارج إطار الانغلاقات الطائفية، وأن نتنفس الصعداء لأول مرة في تاريخ البشرية. هل هذا قليل؟ هذا كثير وأكثر من كثير.



وفاة «القبطان» نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاماً

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
TT

وفاة «القبطان» نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاماً

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)

توفي، اليوم (الأحد)، الفنان المصري نبيل الحلفاوي عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد وعكة صحية.

ونعى نجلا الحلفاوي، وليد وخالد، والدهما عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»، وكتبا: «ربنا استجاب لدعاه، ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل».

وكان الحلفاوي المعروف بين محبيه ومتابعيه على موقع «إكس» بـ«القبطان»، يعاني من أزمة صحية في الصدر، ونُقل إلى المستشفى يوم الثلاثاء الماضي، بعد تدهور صحته.

ووُلد الحلفاوي في القاهرة عام 1947 وتخرَّج في كلية التجارة قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية. حقق نجاحاً كبيراً في الدراما التلفزيونية عبر محطات متقطعة من خلال مسلسل «غوايش»، ومن بعده «رأفت الهجان»، ثم «الزيني بركات»، و«زيزينيا»، و«ونوس»، و«لأعلى سعر»، و«القاهرة كابول».

نبيل الحلفاوي وعبد الله غيث في لقطة من مسلسل «لا إله إلا الله» (يوتيوب)

وقدَّم في المسرح «عفريت لكل مواطن»، و«طقوس الإشارات والتحولات»، و«رجل في القلعة»، و«الزير سالم»، و«بيت في الهوا»، و«اضحك لما تموت». وفي السينما شارك في أفلام «الطريق إلى إيلات»، و«اغتيال مدرسة»، و«السفاح»، و«العميل رقم 13»، و«الهروب إلى القمة»، و«ثمن الغربة».

كما اشتهر الحلفاوي أيضاً بين جمهوره بلقب «نديم قلب الأسد»، نسبةً للدور الذي جسَّده لضابط المخابرات المصري في مسلسل «رأفت الهجان». تزوَّج الحلفاوي الممثلة فردوس عبد الحميد وأنجب منها المخرج خالد الحلفاوي، قبل أن ينفصلا ويتزوج مرة ثانية.

ونعى الحلفاوي عددٌ من النجوم عبر موقع «إكس». وكتب الفنان محمود البزاوي: «أرجو من الجميع الدعاء له بالرحمة والمغفرة وقراءة الفاتحة».

ورثاه الفنان أحمد فتحي عبر حسابه على «انستغرام» ،وقال: «ورحل القبطان وداعا الفنان الكبير نبيل الحلفاوي».

ونشرت الفنانة منة فضالي صورة للراحل على حسابها بموقع انستغرام وكتبت :«وداعا الفنان الخلوق نبيل الحلفاوي كنت فنانا على خلق ، حتوحشنا يا قبطان».

كما نعته الفنانة حنان مطاوع، وكتبت :«لا إله إلا الله، رحل واحد من احب واغلي الناس علي قلبي، ربنا يرحمه ويصبر قلب خالد ووليد وكل محبيه».

وكتب الإعلامي اللبناني نيشان: «نبيل الحلفاوي. أَثْرَى الشّاشة بِرُقِيّ وَدَمَغَ في قلوبنا. فَقَدنا قامة فنيَّة مصريّة عربيّة عظيمة».

وكان آخر أعمال الحلفاوي الفنية فيلم «تسليم أهالي» الذي تم عرضه عام 2022، حيث ظهر ضيف شرف في أحداث العمل.