لقاحات حمض نووي جديدة بتقنيات حقن غير مسبوقة

تخترق خلايا الجسم بعد إدخالها بأجهزة «التثقيب الكهربائي»

يستخدم جهاز «سبنسر لويل» الجديد من «إينوفيو» تقنية تسمّى {التثقيب الكهربائي} لإدخال لقاح الحمض النووي إلى الخلايا
يستخدم جهاز «سبنسر لويل» الجديد من «إينوفيو» تقنية تسمّى {التثقيب الكهربائي} لإدخال لقاح الحمض النووي إلى الخلايا
TT

لقاحات حمض نووي جديدة بتقنيات حقن غير مسبوقة

يستخدم جهاز «سبنسر لويل» الجديد من «إينوفيو» تقنية تسمّى {التثقيب الكهربائي} لإدخال لقاح الحمض النووي إلى الخلايا
يستخدم جهاز «سبنسر لويل» الجديد من «إينوفيو» تقنية تسمّى {التثقيب الكهربائي} لإدخال لقاح الحمض النووي إلى الخلايا

لقد احتاج تحقيق واحدٍ من أهمّ التطوّرات العلمية في تاريخ علم اللقاحات، إلى وقوع جائحة عالمية... إذ نجح العلماء اليوم في صناعة لقاحات باستخدام الأحماض النووية وتوسيع انتشارها وتوظيفها تجارياً.
وحتى الآن، تلقّى مئاتُ ملايين النّاس لقاحاً ضدّ فيروس «سارس - كوف - 2» (SARS-CoV-2) المسبّب لـ«كوفيد - 19»، معظمها من صناعة شركتي «فايزر - بيونتيك» و«موديرنا»، اللتين استخدمتا الحمض النووي الريبوزي المرسال في تطوير لقاحيهما.
تطوّرت اللقاحات التي تستخدم تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA vaccines) قبل عقود، ولكنّها استخدمت للمرّة الأولى خلال الجائحة، ويمكن القول إنّها وفت بوعودها حتّى الآن. فقد أظهر كلا اللقاحين، فايزر وموديرنا، فاعلية وصلت إلى 95 في المائة ضدّ فيروس «كورونا المستجد». وعلاوةً على ذلك، تتيح تركيبة اللقاحين تعديلهما بسهولة بما يتيح لهما استهداف متحوّرات جديدة من الفيروس، فضلاً عن أنّ إنتاجهما لا يعتمد على عناصر تصعب صناعتها بسرعة وبكميات كبيرة.
لهذا السبب، لا تزال الآمال كبيرة بإنتاج نوعٍ آخر جديد من اللقاحات القائمة على الحمض النووي، أي التي تستخدم الحمض النووي نفسه (DNA)، وليس الحمض النووي الريبوزي المرسال.
لقاحات الحمض النووي
تقدّم اللقاحات المصنوعة بالحمض النووي الفوائد نفسها التي تقدّمها تلك المصنوعة بالحمض الريبوزي المرسال، غير أنّها لا تسبّب أيّ عوارض جانبية، ولا تتطلّب تخزينها في ظروف جليدية. كما أنّ هذه الفوائد الإضافية ستجعل من لقاحات الحمض النووي بمثابة النعمة للمناطق النائية وقليلة المصادر. وتقول مارغريت ليو، رئيسة الجمعية العالمية للقاحات في أميركا: «إذا أردنا تلقيح سبعة مليارات شخص، فإننا سنحتاج إلى كلّ تقنية ممكنة».
ولكنّ تطوير لقاحات الحمض النووي يصاحبُه تحدٍّ بارز. فقد بيّنت دراسات عدّة أجريت على البشر أنّ إعطاء هذه اللقاحات بالحقن التقليدية المستخدمة اليوم لا يولّد إلّا مناعة طفيفة في أفضل الأحوال. أمّا إذا نجحت التجارب السريرية التي تقودها شركة صغيرة وطموحة في بنسلفانيا، مدعومة من وزارة الدفاع الأميركية، فستصبح لقاحات الحمض النووي متوفرة بتقنية توصيل جديدة، وقد تنضمّ قريباً إلى المعركة القائمة ضدّ فيروس «كوفيد - 19»، ومجموعة أخرى من الأمراض الفيروسية.
تثقيب الجلد كهربائياً
تستخدم شركة «إينوفيو فارماثوتيكالز» الأميركية تقنية تسمّى «التثقيب الكهربائي» electroporation (فتح مسامات الجلد كهربائياً)، يتعرّض خلالها الجلد لنبضات كهربائية سريعة تفتح القنوات إلى خلايا الجسم لتيسير دخول اللقاح. بعد الحقن التقليدي للقاح، يوضع جهاز «إينوفيو» الجديد الذي يشبه فرشاة الأسنان الكهربائية، على الجلد. وبضغطة زرٍّ واحدة، تنطلق نبضات ذات حقل كهربائي ضعيف تضرب الذراع، لتفتح القنوات باتجاه الخلايا.
تمنح هذه الأداة لقاحات الحمض النووي القوّة التي تحتاجها للعمل على البشر، أو هذا ما تقوله الشركة التي وصفت التنقية الجديدة بالحلّ الهندسي لمشكلة بيولوجية.
وصلت الشركة اليوم إلى نهاية المرحلة الثانية من دراساتها التي تختبر سلامة اللقاح وفاعليته على مجموعات صغيرة نسبياً في الولايات المتّحدة والصين، ويمكن وصف النتائج بالمثيرة للإعجاب. في الوقت الحالي، ضاعفت الشركة صناعة هذه الأداة في إطار خطط لتقديم مئات ملايين الجرعات من لقاحات «كوفيد - 19» حول العالم، إذا أثبت اللقاح فاعليته.
ولكن توجد مشكلة! إذ إنّ أداة التثقيب الكهربائي مهمّة لتوصيل لقاح «إينوفيو»، ولكنّها تضيف طبقة من التعقيد... أي أنّها وسيلة تسهيل وعرقلة في الوقت نفسه. تكمن هذه المشكلة في اضطرار الشركة إلى إنتاج لقاحها، بالإضافة إلى أداة التوصيل وأطرافها التي تستخدم مرّة واحدة. كما أنّ أيّ مركزٍ يخطّط لتزويد روّاده بلقاح «إينوفيو» سيحتاج إلى الجهاز، ومعه الأشخاص الذين يعرفون كيفية استخدامه.
تصنيع اللقاحات الجديدة
جذبت اللقاحات التي تعتمد على الحمض النووي اهتمام وجهود العلماء لعقود بسبب سهولة تصميمها وصناعتها. تُصنع هذه اللقاحات غالباً من الحمض النووي، أي الجزيئة المؤلّفة من سلسلتين ملتفّتين تحملان الرمز الجيني للكائنات الحيّة، أو من الحمض النووي الريبوزي المرسال، أي الجزيئة المؤلّفة من سلسلة واحدة تكمّل الحمض النووي وتحمل تعليمات منه لصناعة البروتينات.
يمكن اعتبار اللقاحات المصنوعة من الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي المرسال بمثابة الخطط التي ترشد الخلية إلى كيفية إنتاج بروتين محدّد من الفيروس الذي سيطلق الاستجابة المناعية. يحتوي لقاح «سبنسر لويل» من «إينوفيو» على جزء صغير من الحمض النووي مهمّته ترميز إنتاج بروتين فيروس كورونا. في هذه الحالة، إذا تعرّض الجسم لفيروس كورونا حقيقي لاحقاً، سيتعرّف الجهاز المناعي على البروتين ويشغّل دفاعاته.
عند صناعة اللقاح الذي يستخدم الحمض النووي، يعمد العلماء أوّلاً إلى وضعِ تسلسلٍ لجينوم الفيروس. بعدها، يحدّدون أيّاً من بروتينات الفيروس هو الأهمّ والأكثر ألفةً بالنسبة للجهاز المناعي البشري، ومن ثمّ يصنعون الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي المرسال الذي يرمّز إنتاج البروتين ويحوّلونه إلى لقاح. تُحقن هذه المادّة الجينية في الجسم، فتأخذها الخلايا القريبة وتبدأ بتنفيذ تعليماتها الجديدة لصناعة البروتين الفيروسي. تبدو هذه العملية للجهاز المناعي كأنّها عدوى فيروسية، لذا يعمد إلى تشغيل دفاعاته. بعدها، إذا ظهر الفيروس الحقيقي في الجسم، فسيكون الجهاز المناعي جاهزاً للهجوم.
يتّسم تعديل تصميم اللقاح الذي يعتمد على الحمض النووي بالسهولة نفسها التي يتّسم بها إدخالُ رمزٍ جديد إلى أيّ آلة. ولكنّه في الوقت نفسه، مهمّ جداً عند مواجهة فيروسات سريعة التحوّر.
صحيح أنّ اللقاحات التي تعتمد على الحمض النووي لها جاذبية كبيرة، إلّا أنّه ولا واحدٍ منها حاز ترخيص الجهات الطبية المنظّمة قبل الجائحة. في الواقع، لم يستطع أيّ لقاح يعتمد على الحمض النووي تجاوز المرحلة المتوسّطة من التجارب الإكلينيكية، والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم جهوزية الخلايا البشرية لاستقبال حمض نووي أو حمضٍ نووي ريبوزي مرسال غريب.
وبعد الحقن، كان كثير من هذه اللقاحات يبقى خاملاً في الجسم، وينتهي به الأمر بالتفكّك دون إنتاج أيّ ردّ فعلٍ مناعي يُذكر.

ولكنّ مطوّري لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال نجحوا أخيراً في حلّ هذه المعضلة من خلال تغليف اللقاح بمواد كيميائية. ففي إحدى المقاربات، عمد الباحثون إلى تغليف الحمض النووي الريبوزي المرسال بقطرات دهنية تسمّى الجسيمات النانوية الدهنية التي تذوب في جذع الخلايا وتساعد اللقاح في الدخول إليها.
كانت المشكلة الأساسية تكمن في كيفية دفع الحمض النووي، هذه الجزيئة كبيرة الحجم، لاختراق؛ ليس الطبقة الخارجية للخلية فحسب، بل أيضاً اختراق غشائها الداخلي إلى النواة.

اختراق خلايا الجسم
وعلى عكس لقاح الحمض النووي الريبوزي، الذي يستطيع العمل في أجزاء من الخلية خارج النواة، لا يستطيع لقاح الحمض النووي التحرّك إلّا في داخلها. وشرح بعض الباحثين أنّ لقاحات الحمض النووي كانت فعّالة في بعض الحيوانات الصغيرة، لأن إبر الحقن تسبّبت بنوعٍ من الضغط الذي أضرّ بكثير من الخلايا المحيطة، وسمح لجزيئات الحمض النووي بالدخول. ولكن في أجسام البشر، يكون ضغط إبر الحقن طفيفاً، فلا يسمح بوصول اللقاح إلّا إلى عددٍ صغير من الخلايا.
هنا، بدأ العلماء باختبار وسائل جديدة لتوصيل اللقاحات وزيادة الامتصاص الخلوي. ولهذه الغاية، هندس الباحثون جميع أنواع الوسائل المبتكرة لحثّ اللقاحات على الدخول إلى الجسم. فقد جرّبوا مثلاً ما يعرف بـ«التثقيب الصوتي» electroporation (فتح مسامات الجلد صوتياً) التي تستخدم الموجات الصوتية لاختراق الطبقة الخارجية للخلايا، والحقن المضغوطة التي تحتوي على مكبس يدفعه فرز مفاجئ للطّاقة، بهدف إيصال تدفّق ضيّق وعالي الضغط من السوائل. وبادروا أيضاً إلى تجربة موجات صدمية صغيرة (micro shock waves)، تتخلّلها شرارات تنتجها أقطاب كهربائية فيما يُعرف بـ«الانفجار الميكروي» ومهمّتها إرسال موجة من الطّاقة تحثّ اللقاح على اختراق الجلد دون حقنة. وأيضاً، اختبر الباحثون مسدّسات جينية تدفع الحمض النووي المغطّى بطبقة من جزيئات الذهب إلى الخلايا، وإبرٍ متناهية الصغر مزوّدة باللقاح ومزروعة في رقع قماشية لاصقة للجلد.
ولكن من بين جميع هذه الوسائل المتنافسة، تبيّن أنّ «التثقيب الكهربائي» هو الأكثر وعداً. وتقول إيمي جنكنز، مديرة برنامج التقنيات الحيوية في ذراع الجيش الأميركية البحثية المعروفة باسم «داربا» والتي استثمرت في اللقاحات التي تستخدم الحمض النووي والحمض النووي الريبوزي المرسال، في حديث لمجلة المهندسين الكهربائيين الأميركية، إنّ «التثقيب الكهربائي هو الأداة التي سمحت ببروز لقاحات الحمض النووي كتقنية يمكن الاعتماد عليها».

اختبارات ضد الفيروسات
استخدم الباحثون التثقيب الكهربائي بوتيرة دورية لعقود لنقل المواد الجينية إلى الخلايا في المختبرات. كما استخدم الأطبّاء نسخاً عالية الطّاقة منها لتفكيك الكتل السرطانية في البشر كجزءٍ من الإجراءات الجراحية، وهذا ما سهّل تحويلها إلى الاستخدام في مجال اللقاحات.
خلال العقد الماضي، اختُبر لقاح «إينوفيو» الذي يعتمد على الحمض النووي ضدّ فيروس نقص المناعة المكتسبة والإيبولا وفيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وحمّى لاسا، وفيروس الورم الحليمي البشري... وقُدمت جميعها عبر التثقيب الكهربائي. في المجمل، جرّب أكثر من ثلاثة آلاف شخص إحدى وسائل التثقيب الكهربائي الطبية التي طوّرتها «إينوفيو»، ومعظم الحالات حصلت في المرحلتين الأولى والثانية من أبحاث الشركة، بحسب ما أفاد برودريك.
وفي دراسة من المرحلة البحثية الأولى شملت 40 شخصاً، أثبت لقاح «إينوفيو» لـ«كوفيد - 19» المؤلّف من جرعتين، سلامته وفاعليته في توليد ردّ فعلٍ مناعي، إلّا أنّ هذه النتائج لم تكشف كثيراً عن فاعلية هذا اللقاح ضدّ «كوفيد - 19» على أرض الواقع. ولكنّ الأمور ستصبح أوضح بعد استكمال المرحلة الثانية المستمرّة من الدراسة، التي تشمل 400 متطوّع في الولايات المتحدة. تعمل الشركة اليوم أيضاً على المرحلة الثانية من دراسة تشمل 640 متطوّعاً في الصين، تشاركت فيها مع شركة «أدفاكسين بيوفارماثوتيكالز سوزو كو» الصينية، للتجارة بهذا اللقاح.


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً