زافين بـ«نفس جديد»: سباحة الحوار عكس تيارات النار

حلقة لرفع أصوات الشباب اللبناني الخائف

الإعلامي زافين قيومجيان في برنامجه «نفس جديد»
الإعلامي زافين قيومجيان في برنامجه «نفس جديد»
TT

زافين بـ«نفس جديد»: سباحة الحوار عكس تيارات النار

الإعلامي زافين قيومجيان في برنامجه «نفس جديد»
الإعلامي زافين قيومجيان في برنامجه «نفس جديد»

عشرون عاماً تفصل بين زافين قيومجيان في برنامج «5 على 7» عبر «تلفزيون لبنان»، و«نفس جديد» عبر «يوتيوب». غاب لعقدين عن الطرح السياسي، وقد «جرفه» الهم الاجتماعي وقضايا الفرد. يعود اليوم، وفي العودة تحدّي التجديد ورفع أصوات الشباب الخائف. تختاره «المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية» (مقرّها ألمانيا) وجهاً من خبرة وتعقُّل، لقيادة الحوار.
تروقه الفكرة، هو المعروف بالسباحة عكس تيارات الخواء. 15 حلقة، انطلقت في يوليو (تموز)، لنقاش الأفكار من دون بارود ونار. يسأل زافين الشباب المتدرّبين ضمن المنظمة، وهم يشكّلون فريق عمله: «هل أنا بحجم الثقة؟ ماذا تنتظرون مني؟». يدركون صنفه، فليس من خصاله إشعال الحلقة والتفرّج على الاحتراق. وهو ليس من هواة حفر القبور أو تقليب جمر الماضي. تناسبه التجربة الجديدة وتحاكي مزاجه الإعلامي. هي لقاء مع ضيف أو اثنين في حلقة مدّتها نصف ساعة. ونقاش أفكار أمام أنظار شباب يحلمون بوطن يحفظ كراماتهم، فيجدون في البرنامج مساحة تعبير جدّية عن مخاوفهم. وفي مقدّمه، أذن تصغي بوعي. تلتقي الجسور: جيلان يجتمعان، فيما كل شيء يتفرّق؛ الوطن وإعلامه وإنسانه.
بعد «زوم»، كان اللقاء مع الشباب في الاستديو. علامَ يبحث هؤلاء؟ عن وجودهم وسط أصناف الموت الحائم. يخبرون زافين أنّ بعضهم شارك في برامج حوارية، فاصطدموا بمقدّمين يستخفّون بآرائهم ويعلّبونها وفق توجّههم. يريدون ألا تشكّل أصواتهم مجرد ديكور في البرامج، وألا يُستغل غضبهم لرفع نسبة المشاهدة. تؤرقهم فكرة أنّهم «وقود» للتأجيج. هم مخاوف وتطلّعات، لا «أدوات» لأهداف تجارية ومصالح سياسية. يحضرون مع زافين من دون «غرائزهم». لا يهمّ الإعلامي «تحطيم الأرقام» بالسموم والشتائم. اللقاء لتعزيز المشاركة السياسية وإيجاد مساحة حوار تدعم الشباب في رسم خريطة تغيير. الشباب الموجوع. الشباب النازف.
يطالبونه بتسمية الأشياء بأسمائها، لا اللف والدوران حول العموميات. في معرض الاستشارة، يسأل: «أي ضيوف تريدونني أن أحاور؟ إصلاحيون، منادون بالتغيير أم من المنظومة؟». المهم بالنسبة إلى الشباب، استضافة أشخاص لديهم مشاريع. لا ضيوف يحرّضون. لا لقاءات لـ«إيقاظ الفتنة»، وبكل الأحوال لعن الله من يوقظها، وفي لبنان لا يُعدّون.
يمرّر زافين نقداً لـ«سياسات» المحطات اللبنانية، ويصوّب «بنعومة» نحو أجنداتها. يشدّد على سؤال الشباب عن معاناتهم «القمع» خلال مشاركاتهم في برامج سياسية، كأنّه ينتظر جواباً يبحث عنه. يتحمّل المسؤولية، ويحاول ألا تصطدم «شعارات» يطرحها برنامجه بالواقع القاسي على الأرض. الكلام لضيف أو ضيفَي الحلقة، وأيضاً للشباب، يناقشون ما ورد فيها بحوار منفصل. أحدٌ لا يستفز أحداً، ولا محاولات رخيصة لتراشق التهم. نقاش عقلاء.
في لبنان، نعتاد على الصخب السفيه والسخونة المكشوفة. قلّة تسعى خلف الحل. وقلّة ترجّح المنطق. شهية السوق الإعلانية (وهي اليوم يُشفَق على حالها)، مفتوحة على الفضائح. لذلك غاب زافين، إلى أن عاد بطرح مغاير. نسمع شباناً في الحلقة يسألون عن الفرص. يتطلّعون إلى الأمام من خارج وطنهم: «كيف سأسافر وأترك أهلي؟». هاجس شابة حائرة بين الذنب والغد. «آن الأوان لنتدخّل»، تتحرّك الحماسات الطيّبة.
ونسمع نقاش إشكالية «إدارة الأزمة». أو إدارة الانهيار، للتصويب اللغوي. يسأل زافين إن كانت البطاقة التموينية هي الحل؟ فيأتيه الجواب بضرورة أن تترافق مع خطّة إنقاذ وتعافٍ. توقّف البنك الدولي عن الإحصاء بعد هذه الفاجعة: «خمسون في المائة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر!». يقرأ البرنامج في مأساة الأرقام والأحوال، مروراً بسوريالية الكهرباء، وهي اليوم لا تزورنا. صيف حار وظلمة!
يتحدث الضيف الدستوري زياد بارود عن «الفساد الوحش» وتفاهم المافيا الضمني على قاعدة «دافنينو سوا» اللبنانية (دفناه معاً، أي جميعنا شركاء في الوحل). ومن تجربته يعلم أنّ الخلاف السياسي اللبناني يخدم مصلحة حكامه، إذ يتيح وصولهم إلى «تسويات مفيدة». الشباب «على نياتهم»، يسألون عن حلول، ولماذا التأخّر في معالجة الانهيار؟ الدوّامة نفسها: أين قائد إدارة الأزمة؟ وهل نحتاج إلى قائد أو قادة؟ وفي حال كان القرار بإنشاء مجلس لإدارة الانهيار، هل ثمة مفرّ من الـ«6 و6 مكرر» (توزيع الأشخاص وفق «التوازن الطائفي»)؟ يا لعقدة التركيبة!
نسمع أيضاً من أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية ببيروت ناصر ياسين، أنّ «الأسوأ لم يأتِ بعد»! حلو! ويُكمل التطمينات: «حتى الآن، البنزين مؤمّن، إن انتظر اللبناني ساعات في الطابور. ماذا إن نفد من الأسواق، وفرغت رفوف السوبرماركت؟». ومع ذلك، يتساءل الشباب الحالم: «متى ينتقل اقتصاد لبنان من الريعي إلى المنتج؟». الأحلام نبيلة، وإن خدعت أصحابها.
«توك شو» راقٍ، هو «نفس جديد»؛ تخرج من الحلقات بانطباع أنّك مُشاهد محترم، لا يتخبّط صراخ المتحاورين في رأسك. نقاش يخاطب العقل، وبالفكر يحاول الحفر في الصخر. المقدّم مرتاح، والضيف والشباب المتعلّقون بالأمل. ما أحلاهم، يفورون بصدق. جيل من الوجوه والأفكار والتطلّعات، ينادي بوطن. يُحسدون على المحاولة بتفاؤل. نحن نعيش «اليوم بيومه»، وسقف الطموح تقليص الخسائر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».