«نوشي» حلوى خالية من السكر و{تأنيب الضمير}

قطع مغلفة بالزهور الطبيعية ونكهات تمور تداعب الذائقة الشرقية

TT

«نوشي» حلوى خالية من السكر و{تأنيب الضمير}

عندما نتكلم عن أكل الحلوى لا بد أن نذكر التعب النفسي الذي يأتي بعد التهامها وتأنيب الضمير بسبب تكديس السعرات الحرارية العالية في أجسامنا، ولكن عندما نجد حلوى حلوة المذاق وخالية من السكر وتعتمد على التمر في خواصها فلا بد أن نتوقف عندها ونتعرف أكثر إليها.
القصة بدأت في إحدى غابات لندن الجميلة، في أول أيام الجائحة العام الماضي، في تلك الفترة أصبح المشي الحل الوحيد للتخلص من العزلة والمكوث في المنزل، فأثناء رحلة مشي بين أشجار «هامستيد هيث» في شمال لندن الفارهة، ظهرت فتاتان يانعتنان بفستانين باللون الوردي يشبهان فساتين الدمى، ضفائر طويلة أشبه بسنابل القمح تحمل كل منهما سلة من القش وفيها قطع ملونة تشبه الطابات الصغيرة. هذا المشهد كان أشبه بالصور التي تزين قصص الأطفال الخيالية، اقتربت منهما فقدمت إحداهن قطعة من تلك الكرات الجذابة، وقالت لي: “جربيها إنها حلوى خالية من السكر والغلوتين والدقيق ومشتقات الحليب...». فجربتها وكانت فعلاً قنبلة من النكهات التي يصعب عليك معرفة تركيبتها، فشرحت صاحبة الفكرة ستيفاني سيراغي بأن هذه الحلوى ستكون موجودة قريباً في محلها «نوشي» Noshi الذي تعتزم افتتاحه في منطقة «هامستيد» Hampstead وهدفها من توزيع الحلوى في تلك الأماكن الخضراء الجميلة لأنها هي أيضاً جميلة و«نظيفة» وخالية من أي من الألوان الاصطناعية تماماً مثل الطبيعية.
وعدتني ستيفاني بالتواصل معي عبر حسابها على «إنستغرام» «Lovenoshy “بعد افتتاح محلها وهكذا حصل، زرتها في محلها الصغير القريب من محطة مترو الأنفاق في الشارع الرئيسي لمنطقة هامستيد التي تشعرك وكأنك في قرية ولو أنها في قلب لندن، مساحة المكان صغيرة جداً إلا أن الذوق الجميل يبدأ من الواجهة الخارجية للمحل باللون الأزرق الذي يذكرك بأبواب مدينة شفشاون المغربية أو قبب بيوت جزيرة سانتوريني اليونانية، ويرافقك اللون الأزرق إلى الجدران الداخلية، وفي خزائن أشبه بتلك التي تعرض بها المجوهرات تجد طيفاً من الألوان لتلك القطع الصغيرة المنمقة.
تعمل في المطبخ الواقع في الطابق السفلي من المحل ستيفاني صاحبة المشروع مع فتاة إيطالية، وطريقة تصنيع الحلوى حرفية لا تدخل فيها الماكينات حتى أوراق الزهور القابلة للأكل التي تغلفها يتم لفها حول الحلوى باليد.
أجمل ما في المكان التفاصيل الصغيرة والعناية بأدقها، فستيفاني وصديقتها ترتديان زياً موحداً باللون الوردي مع منديل باللون نفسه على الرأس، وعن الفكرة تقول ستيفاني إنها لطالما أرادت بأن تقوم بمشروع خاص بها، فهي كانت تعمل في إحدى الصحف البريطانية إلا أن بالها كان دائماً في المطبخ وبعد دراسة السوق تبين لها بأن هناك فجوة في سوق الحلويات «النظيفة» كما تسميها بمعنى أنها حلوى مفيدة للصحة ويمكن للجميع تناولها بمن فيهم الذين يعانون من الحساسيات مثل حساسية «سيلياك» تجاه الغلوتين أو «ديري» مشتقات الحليب وتناسب أيضاً الـ«فيغن». وبدأت في مطبخ منزلها بالقيام باختبارات عديدة للتوصل إلى وصفة صالحة للأكل والذائقة والمذاق، وبعد سنوات من الاختبارات توصلت إلى صيغة غير مسبوقة تعتمد في قوامها على التمر المجدول للحصول على الطعم الحلو وأضافت عدة نكهات مستخلصة من الفواكه الطبيعية وغلفتها بالزهور الطبيعية التي زادت قطع الحلوى روعة.
تطلق ستيفاني على حلواها اسم Energy Truffles لأنه من المعروف عن التمور أنها تمد الجسم بالطاقة والحيوية، وأضافت إليها لمستها وجعلتها أشبه بوجبة صغيرة تغنيك عن أكل أي شيء آخر لسد الجوع أو حاجة الجسم للسكر.
منذ إطلاق علامة Noshy لاقت الحلوى إعجاب نقاد الطعام في لندن فحازت على عدة جوائز من بينها جائزة أفضل حلوى حرفية صحية وغيرها من الجوائز.
وعن طريقة تحضير الحلوى تقول ستيفاني إن كل قطعة لها نكهتها فمن الممكن اختيار «ترافل» جوز الهند أو الفستق أو القهوة أو التوت... فكل قطعة تعجن مع خواص الفاكهة الطبيعية من دون إضافة أي مواد اصطناعية أو ملونة.
ولم تكتفِ ستيفاني بالمذاق الحلو فطورت الـTruffles إلى مذاقات أخرى مثل البيتزا التي أدخلت إليها البهارات وصلصة الطماطم والجوز والكاجو والثوم، بالإضافة إلى قطع أخرى تلعب على الحواس وتوهمك بأنك تتناول دجاج الساتيه. وبهذه اللعبة تعتمد ستيفاني على خلق نكهة اصطناعية باستخدام مواد ومنتجات طبيعية.
وبما أننا تكلمنا عن أنواع الترافل ونكهاتها المتوفرة وعن طريقة عرضها وكأنها مجوهرات، فلا بد من وصف طريقة بيعها ووضعها في علب من الكرتون المقوى باللونين الأسود والأبيض، وعندما تأتي لاختيار النكهات التي تحبها والعدد الذي تريدها (تبدأ الأسعار من 19 جنيهاً إسترلينياً لعلبة من 12 حبة) يعرض عليك كتاب كبار فيه مجموعة من البطاقات التي تحمل كل منها رسالة معينة، ورسالة حب، ورسالة محبة، وشوق، وتمنٍّ بالشفاء العاجل... لأن العلب جميلة ويمكن تقديمها لجميع المناسبات بدلا من الشوكولاته أو الزهور، وبعدها تلف العلبة بشريط أنيق جداً وتوضع في كيس جميل أيضاً.
هذا الأمر لافت جداً لأن العناية بالتفاصيل هي دليل على الجودة وعدم الرغبة في توفير المال على حساب النوعية.
Noshy اسم جديد أثبت نجاحه في غضون أشهر معدودة وفي ظروف صعبة للغابة بسبب الافتتاح الذي رافق فترة الإقفال بسبب الجائحة، ولكن المذاق والنوعية الصحية عناصر أساسية جعلت المكان مغناطيساً لمحبي الأكل الصحي ومتعة حقيقية للصغار أيضاً، لأن الألوان تشدهم وتغنيهم عن أكل الحلوى المضرة للصحة.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.