تعج العاصمة المصرية القاهرة بعدد كبير من المطاعم العربية المتنوعة، خصوصاً مع توافد الآلاف من بعض بلدان «الربيع العربي» إليها خلال العقد الأخير، لكن علاقة المصريين بالمطبخ اللبناني تعود إلى ما قبل تلك الفترة، فقد كان لبنان الوجهة المفضلة للمصريين خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، قبل أن يتطور الأمر وينقل مصريون مذاق المطبخ اللبناني وأكلاته الشهية وثقافته إلى القاهرة.
في مصر، إذا اشتهيت التبولة أو كُرات الكبة، لن تجد مشقة في الوصول إلى مطعم على الطراز اللبناني، ولا نبالغ حين نقول إنها متوفرة في كثير من أحياء العاصمة، في دلالة على اندماج الثقافة اللبنانية والمصرية منذ عشرات السنين.
«الشرق الأوسط» التقت بتجربة فريدة من المطاعم اللبنانية الموجودة في شرق القاهرة... «ليالٍ» مكان يتغنى في جميع تفاصيله بلبنان إلى حد أنك لن تشك للحظة أن مؤسسه لبناني، ولكن بعد أن التقينا مدير المطعم، محمد حافظ، فوجئنا بأن المطعم مملوك لفتاة مصرية لا يربطها بلبنان سوى الولع. المطعم يقع وسط منطقة سياحية تعج بالمحال والمطاعم.
في سهولة، تأخذك قدميكِ إلى هناك بمجرد سماع صوت فيروز، ورؤية الديكور المغطى بالزهور وصور نجوم لبنان بالأبيض والأسود، مثل صباح وفيروز، المُعلقة على الجدران، وصولاً لرائحة المشويات والمناقيش، وحتى فناجين القهوة والكراسي؛ كل شيء مستوحى من أرض الأرز.
وعن اسم المطعم، يقول «حافظ» لـ«الشرق الأوسط»: «لبنان معروف بالسهر، لذلك اخترنا اسم (ليالٍ) ليعبر عن طقس يعشقه أي عربي تطأ قدميه أرض لبنان». وعن الديكور وصور النجوم، يقول: «كل التفاصيل تم اختيارها بدقة؛ الأمر لا يقتصر على المطبخ اللبناني ومذاقه، إذ حاولنا نقل الثقافة والموسيقى، وحتى الأجواء، وركزنا على لبنان الذي نعرفه، قبل الحروب والصراعات، بلد الفن والموسيقى».
ويقدم المطعم قائمة فريدة من الطعام اللبناني، لكن حافظ من تجربته العملية يقول: «المصريون يعشقون طبق السودة، وهو عبارة عن كبدة الدجاج مع مزيج من المذاق الحلو واللاذع، المزود بإضافة دبس الرمان. والغريب أن كبدة الدجاج لا تحتل أهمية بارزة في المطبخ المصري، وعادة ما نتناولها بصفتها جزءاً من الدجاج فقط، لكن لمسة المطبخ اللبناني جعلتها من الأطباق المميزة التي وقع في غرامها المصريون».
وتقديم الأكلات اللبنانية يتطلب مهارة في الطهي، وإلماماً بأسرار المطبخ، لذلك يقول حافظ إن الطاهي الرئيسي للمطعم لبناني الجنسية، مع طاقم مصري يتعلم أصول المذاق اللبناني، مشيراً إلى أن «قائمة الطعام بالكامل هي أكلات أصيلة في لبنان مرتبطة بالتراث لا يمكن إعادة تقديمها بطريقة مغايرة حتى لا يختفى سحرها».
قائمة الطعام التي تتشابه مع كثير من المطاعم اللبنانية الرنانة في القاهرة تضم: أطباق الفتوش، والتبولة، وورق العنب البارد، وشاورما الحمص، وفلافل الحمص، وسجق البندورة مع الخبز اللبناني الشهير الذي قال عنه مدير «ليالٍ» إنه «يُخبز على يد الطهاة اللبنانيين داخل مطبخنا؛ رائحته الطازجة أصبحت جزءاً من ملامح المكان، فبعض الزبائن يأتي خصيصاً ليتمتع بمذاق المخبوزات الطازجة التي لا تقتصر على الخبز فحسب، بل تضم المناقيش المزينة برائحة الزعتر».
وعن سر ارتباط المصريين بالمطبخ اللبناني، يقول حافظ: «أعتقد أن ذلك يعود إلى تحقيق هذه المطاعم المعادلة الصعبة، وهي المذاق الطيب والقيمة الغذائية الصحية، فالمطبخ اللبناني قائم على الشوي. أما نمط القلي، فإنه بعيد تماماً عن أكلاته، ما يرجح كفته على حساب المطابخ العربية الأخرى الموجودة بالقاهرة»، مؤكداً أن «أحد أسرار المطبخ اللبناني يكمن في الأعشاب والتوابل، مثل الروزماري والزعتر والريحان، كذلك دبس الرمان وطبق الحلو المزين بماء الورد؛ جميعها تفاصيل وأسرار غريبة على المطبخ المصري الذي هضم الاختلاف بفضل المذاق الساحر».
وبعد عام 2011، انتقلت ثقافات ومطابخ متعددة إلى مصر، وخرج هذا الامتزاج برواج المطابخ العربية في القاهرة، لكن المطبخ اللبناني كان راسخاً، له زبونه الخاص، بحسب حافظ الذي يرى أن «المطاعم العربية الأخرى تقدم الأكلات بثقافة الأكل السريع، مثل الشطائر، حتى ما يقدم منها في جلسات يركز على المذاق، بينما ما تقدمه مطاعمنا هو لبنان الثقافة والتاريخ والموسيقى والطقوس والعادات، لذلك يأتينا زبائن من جنسيات عدة، لا سيما السعودية والإمارات».
المطاعم اللبنانية في القاهرة... ذوق ومذاق
الأطباق الصحية تجذب المصريين والسر في الأعشاب والتوابل
المطاعم اللبنانية في القاهرة... ذوق ومذاق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة