«سحر الإسكندرية»... رحلة سردية لمعالم المدينة التاريخية

كتاب جديد يقتفي الآثار اليونانية والرومانية والعلوية

قصر المتنزه الأثري
قصر المتنزه الأثري
TT

«سحر الإسكندرية»... رحلة سردية لمعالم المدينة التاريخية

قصر المتنزه الأثري
قصر المتنزه الأثري

عبر رحلة سردية مشوقة، يتجول عالم الآثار الروائي الدكتور حسين عبد البصير بين معالم مدينة الإسكندرية المصرية العريقة، بكتابه الجديد «سحر الإسكندرية»، مقتفياً أثر اليونان والرومان، وإنجازاتهم المعمارية والتاريخية والثقافية في المدينة، مروراً بالعصر الإسلامي حتى الأسرة العلوية.
وعن أسباب تحمسه لتأليف الكتاب، يقول الدكتور حسين عبد البصير لـ«الشرق الأوسط»: «أدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية منذ نحو 5 سنوات. وخلال هذه المدة، كانت تشغلني وتجذبني هذه المدينة العريقة بتراثها الفريد التي حولها الإسكندر الأكبر من مجرد قرية عادية للصيادين في عهد الفراعنة إلى (مدينة المدن) في عصره، لتأخذ الزعامة من روما وأثينا، وتصبح إحدى أهم مدن حوض البحر المتوسط في ذلك الوقت».
ووفق عبد البصير، فإن «الإسكندر الأكبر ورث عن أستاذه أرسطو كثيراً من الأفكار المميزة التي وظفها خلال غزواته لبلاد الشرق، إذ لم تكن غزواته احتلالاً بالمعنى المتعارف عليه حالياً»، مشيراً إلى أن «المدينة شهدت ازدهاراً لافتاً في عصر الحضارة اليونانية والرومانية، لكنها تراجعت خلال العصور الإسلامية، ولم يبنَ بها سوى قلعة قايتباي خلال الدولة المملوكية، ما يعني أنها ظلت عدة قرون مهملة، حتى أحدثت بها الأسرة العلوية طفرة معمارية مميزة جددت شبابها وحافظت على رونقها».
ولفت عبد البصير إلى أن كتاب «سحر الإسكندرية»، الصادر عن دار نشر «كتوبيا»، الذي سيُطرح خلال الدورة الجديدة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، المزود بصور عدة لأشهر معالم المدينة الأثرية والتاريخية، استغرق إعداده نحو 4 سنوات، بين الجولات الميدانية والبحث في المراجع التاريخية.
وحصل الدكتور عبد البصير على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار المصرية القديمة، وتاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم، في جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة الأميركية، وسبق له تأليف عدد كبير من الكتب والمقالات العلمية والروايات والقصص، على غرار «البحث عن خنوم» و«الأحمر العجوز» و«الحب في طوكيو» و«إيبو العظيم» و«ملكات الفراعنة: دراما الحب والسلطة» و«أسرار الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون»، وشغل منصب مشرف مدير المتحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط، والمتحف المصري الكبير بالجيزة، ومنطقة أهرامات الجيزة.
ويتميز الكتاب المكون من 6 أبواب بتقديمه للمعلومات الأثرية والتاريخية بشكل سردي مشوق أقرب لأسلوب الرواية التي اقتحم عبد البصير عالمها خلال الأعوام الماضية، ولديه خطط وأفكار لإنتاج مزيد منها في السنوات المقبلة، على حد تعبيره.
ويبدأ كتاب «سحر الإسكندرية» فصوله بتسليط الضوء على سيرة الإسكندر الأكبر، وتأسيسه المدينة، مروراً بعصر البطالمة والرومان، ومراحل قوتهما وضعفهما في مصر، ويلفت الانتباه إلى الملكات السكندريات البطلميات الجميلات، على غرار أرسنوي الثانية وبِرينيكي الثانية وكليوباترا الثانية وكليوباترا الثالثة وكليوباترا السابعة. كما يتطرق إلى لغز مقبرة الإسكندر الأكبر التي تشغل العالم، وغيرها من المواقع الأثرية الموجودة حتى الآن في المدينة، مثل جبانات الإسكندرية القديمة، والسيرابيوم، وعمود السواري، وكوم الشقافة، ومسرح كوم الدكة، وفيلا الطيور، وحمامات إسكندرية، والآثار الغارقة، وقلعة قايتباي، وحتى المتحف اليوناني الروماني الذي تستعد السلطات المصرية لافتتاحه خلال الشهور المقبلة بعد مشروع ترميمه وتطويره، ومتحف المجوهرات الملكية، ومتحف الإسكندرية القومي، ومتحف الفنون الجميلة، ومتحف كفافيس.
وحسب مؤلف «سحر الإسكندرية»، فإن العصر اليوناني - الروماني يمتد لنحو ألف عام في المدينة بشكل خاص، ومصر بشكل عام، منذ دخول الإسكندر الأكبر مصر في عام 332 قبل الميلاد (نهاية التاريخ الفرعوني لمصر القديمة). وخلال تلك المدة، تشربت مدينة الإسكندرية واختزنت حضارة وثقافة المصريين القدماء، وأضافت إليها الثقافتين اليونانية والرومانية الوافدتين، حتى الفتح العربي لمصر في القرن السابع الميلادي.
ويرى عبد البصير أنه لا توجد مدينة في العالم كله قد تمتعت، وما تزال، بما تمتعت به مدينة الإسكندرية من انصهار الحضارات المتنوعة، وتقدير واحترام وتحرير المرأة، وإنتاج آثار، واحتضان للمتاحف.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».