إردوغان: حان الوقت لاتخاذ {الأوروبي} خطوات ملموسة تجاه تركيا

امرأة أمام محل ملابس في إسطنبول أول من أمس (أ.ف.ب)
امرأة أمام محل ملابس في إسطنبول أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

إردوغان: حان الوقت لاتخاذ {الأوروبي} خطوات ملموسة تجاه تركيا

امرأة أمام محل ملابس في إسطنبول أول من أمس (أ.ف.ب)
امرأة أمام محل ملابس في إسطنبول أول من أمس (أ.ف.ب)

طالب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الاتحاد الأوروبي، ببدء مفاوضات تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بأسرع وقت ممكن ودون شروط مسبقة وإلغاء تأشيرة دخوله (شنغن) للمواطنين الأتراك، قائلاً إن على التكتل اتخاذ خطوات ملموسة في العلاقات مع بلاده.
وبحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في اتصال هاتفي، خطوات تحسين العلاقات بين أنقرة وبروكسل، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية، وذلك قبل القمة الأوروبية التي تعقد غداً (الخميس). وبحسب بيان للرئاسة التركية عبر «تويتر»، أمس، أكد إردوغان «ضرورة بدء المفاوضات بشأن تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1996، بأسرع وقت ممكن، ودون شروط مسبقة»، معتبراً أنه جاء دور الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوات ملموسة في العلاقات مع تركيا، وأن «الوقت حان لتنفيذ أجندة إيجابية».
ودعا إردوغان الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء التأشيرة المفروضة على المواطنين الأتراك، مؤكداً أن الشعب التركي يتطلع منذ مدة طويلة لرفع تأشيرة الدخول، وأنه ينبغي تعزيز اتفاق 18 مارس (آذار) 2016 بشأن الهجرة واللاجئين وتنفيذ جميع بنوده ومنها بدء مفاوضات تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي وإلغاء تأشيرة الدخول.
بدورها، قالت دير لاين إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تحديث اتفاقية الهجرة مع تركيا، وذلك في تصريحات قبل قمة الاتحاد التي من المقرر أن تناقش الأمر.
وأضافت، في تصريحات ببرلين أمس (الثلاثاء)، أنه من المهم أن نواصل دعم تركيا، حيث يعيش 3.7 مليون لاجئ سوري، بعضهم موجودون فيها منذ 10 سنوات. وتابعت: {لسنا بحاجة إلى مساعدات إنسانية مكثفة مثلما كان الوضع في الماضي، لكن يتعين اتخاذ موقف}.
ويُعد ملف الهجرة من القضايا الخلافية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حيث تطالب أنقرة بزيادة الدعم المادي، بذريعة زيادة أعداد اللاجئين على أراضيها، وتوسيع نطاق اتفاقية الاتحاد الجمركي، لتشمل المنتجات الزراعية، وقطاع الخدمات والتجارة الإلكترونية. وبموجب الاتفاقية كان تم إلغاء الرسوم الجمركية في تجارة السلع الصناعية، وإلغاء تقييد كميات البضائع، وبدء تطبيق تعريفة جمركية مشتركة للدول الخارجية.
في السياق ذاته، توقع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عدم مناقشة العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشكل معمق في قمة قادة الاتحاد.
وأوضح بوريل في تصريح صحافي الاثنين، عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، أنهم ناقشوا كثيراً من القضايا خلال الاجتماع مثل بيلاروسيا ولبنان والعراق وأميركا اللاتينية وتركيا، مشيراً إلى أنه التقى مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي الذي اختتم الأحد، وبحث معه المسألة القبرصية والاستعدادات للاتفاقيات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
وقال: «لا أتوقع أن تشغل قضية تركيا حيزاً كبيراً في قمة قادة الاتحاد الأوروبي، والقمة ستركز بشكل أساسي على روسيا».
في السياق ذاته، دعا وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إلى تحديث اتفاقية اللاجئين بين دول الاتحاد الأوروبي وتركيا الموقعة عام 2016، مشيراً إلى أن الاتحاد بحاجة إلى تحديثها، وأن تركيا تحملت أعباء مالية كبيرة جراء استضافتها للاجئين. واعتبر أن العلاقات مع تركيا حالياً جيدة نوعاً ما.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟