اتفاقية لبنان والعراق لاستيراد النفط لم توقّع بعد وتفاصيلها غير واضحة

TT

اتفاقية لبنان والعراق لاستيراد النفط لم توقّع بعد وتفاصيلها غير واضحة

مع استمرار أزمة الكهرباء في لبنان والتي تهدّد بعتمة شاملة بسبب عجز الدولة عن تأمين الأموال اللازمة لاستيراد الفيول لتوليد الطاقة، يعوّل لبنان على الاتفاق الذي توصّل إليه مع العراق بشأن استيراد النفط، إلّا أنّ هذا الاتفاق لم يدخل حيّز التنفيذ حتى اللحظة، هذا فضلا عن غموض بنوده ما يطرح بحسب اختصاصيين العديد من علامات الاستفهام. وكان لبنان توصل إلى اتفاق مع العراق يقضي بتقديم العراق 500 ألف طن من النفط مقابل تقديم لبنان خدمات طبية واستشفائية، ليعود مجلس الوزراء العراقي ويصوّت الأسبوع الماضي على زيادة دعم لبنان بالنفط الخام من 500 ألف طن إلى مليون طن.
ويشير مصدر في وزارة الطاقة اللبنانية إلى أنّ الاتفاق لم يوقّع بعد ولا يمكن تحديد المدّة التي قد تستغرقها الإجراءات التي تسبق توقيعه، لافتا في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ المصرف المركزي العراقي والمصرف المركزي اللّبناني يناقشان الأمور المالية حاليا وبطبيعة الحال لا يمكن البدء بعملية الاستيراد قبل توقيع العقد.
ويؤكد مصدر وزاري متابع أنّ تنفيذ العقد بعد توقيعه لا يحتاج إلى إقرار قانون لأن الصيغة هي شراء محروقات بغض النظر عن القيمة والتكلفة.
ورغم أنّ الاتفاق كان على أساس النفط مقابل الخدمات الطبية أعلن مدير الأمن العام اللّبناني اللّواء عبّاس إبراهيم منذ أيام أنّ النفط سيكون مدفوع الثمن مع تسهيلات، وأنّ آلية الدفع ستكون عبر البنك المركزي العراقي والمصرف المركزي اللّبناني. وكان مصدر في الحكومة اللبنانية أكّد في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ ثمن هذه الكمية من النفط ستسدده الحكومة اللبنانية للحكومة العراقية على شكل ودائع بالليرة اللبنانية توضع في حساب باسم الحكومة العراقية في مصرف لبنان، ويوضح المصدر أنّ المواصفات الفنيّة للنفط الخام العراقي لا تتناسب مع معامل لبنان لتوليد الكهرباء لذلك يمكن تبديلها مع دول أخرى أو مقايضتها بفيول أو يمكن إيجاد آلية أخرى يرى المعنيون في البلدين أنها مناسبة.
وفي ظلّ عدم وضوح تفاصيل هذا الاتفاق حتى اللحظة ترى مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخبيرة في شؤون الطاقة لوري هايتيان أنّ وزارة الطاقة مطالبة بالشفافية وبإعلان تفاصيل هذا الاتفاق حتى لا يكون «فقاعة إعلامية» فقط، مضيفة في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ استيراد هذه الكميات من النفط من العراق يساعد بتأمين ساعات تغذية إضافية، ولكنه ليس حلا نهائيا لمشكلة الكهرباء، بل كما غيره من الحلول التي تقدمها السلطة مؤخرا والتي تقع في خانة «الترقيع».
وتعود أسباب أزمة الكهرباء الحالية إلى عدم توافر الأموال اللازمة لاستيراد فيول لإنتاج الكهرباء إذ إنّ مصرف لبنان لا يزال وحتى اللحظة يرفض صرف سلفة خزينة أقرها المجلس النيابي لصالح كهرباء لبنان والبالغة قيمتها 200 مليون دولار، كما أن المصرف يتأخر بالموافقة على اعتمادات استيراد الفيول بسبب تراجع احتياطياته من العملات الأجنبية إلى الاحتياطي الإلزامي، هذا فضلا عن إعلان الشركة التركية المشغلة لباخرتين تولدان الطاقة التوقف عن العمل إثر إصدار القضاء قراراً بالحجز عليهما بسبب شبهات فساد.
ويغطي استيراد مليون طن من الفيول سنويا نحو نصف الفيول الذي تحتاج إليه معامل مؤسّسة كهرباء لبنان على مدى عام، إلا أنّ ما سيصل لبنان قد يكون نفطا خاما فلا يمكن الاستفادة منه بشكل فعال حسب ما تؤكّد هايتيان ما يطرح أسئلة حول الشركة التي ستأخذ النفط وتعطينا مقابله الفيول، وعن تكلفة النقل ومن سيتحملها، موضحة أنّه إذا كان سيتم تكرير هذا النفط فهل سيكرّره العراق أم أنّ لبنان سيحتاج إلى عملات أجنبيّة ليدفعها لطرف ثالث لأنّ مصافي النفط في لبنان معطلة، هذا فضلا عن السؤال عن كيفية اختيار الطرف الثالث وأسس الاختيار التي تضمن الشفافية.
وبالإضافة إلى هذه التفاصيل التي تعتبر هايتيان أنها أساسية تشير إلى أنّ آلية الدفع لا تزال غير واضحة فإذا كان النفط مقابل خدمات طبية فالأمر غير منطقي في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان والتي تهدّد القطاع الصحي بأكمله، وإذا كانت مقابل وديعة بالليرة اللبنانية فجميعنا يعرف أن العراق أيضا يمر بأزمة اقتصادية وهو بحاجة للعملة الأجنبية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.