أعرب الكاتب المصري محمد سلماوي، عن سعادته الكبيرة لمنحه جائزة النيل للآداب، أخيراً، مؤكداً أن لها مكانة خاصة في قلبه؛ لأنها تعد أرفع جوائز الدولة، وتحمل اسم النيل، وذكر في حواره مع «الشرق الأوسط»، أنه توقع عدم فوز الأدباء العرب بـ«نوبل» بعد نجيب محفوظ، وأوضح أن الرئيسين المصريين أنور السادات وحسني مبارك تعاملا مع الإرهاب بنظرة أمنية بحتة.
وقد تعددت إبداعات محمد سلماوي بين المسرح والرواية والقصة القصيرة، حيث شغل منصب الأمين العام لاتحاد الأدباء العرب، ورئيس اتحاد كتاب مصر، ورئيس اتحاد كُتاب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، كما شغل مناصب صحافية عدة، ونال العديد من الأوسمة والجوائز الدولية.
وتبلغ قيمة كل جائزة من جوائز النيل للمبدعين المصريين، نصف مليون جنيه مصري، (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري) وميدالية ذهبية، ولا يجوز تقسيمها أو منحها لشخص واحد في الفرع ذاته أكثر من مرة.
وبحسب سلماوي، فإن جائزة النيل هي أكبر الجوائز المصرية؛ لذلك فإن لها مكانة خاصة في قلبه تختلف عن جميع الجوائز والأوسمة التي فاز بها سابقاً، مشبهاً إياها بـ«عصا موسى» التي ابتلعت كل الجوائز والأوسمة السابقة، قائلاً «الجائزة تمنح للمبدع على مجمل أعماله لتكون بمثابة تتويج لمسيرته، كما أنها تحمل اسم النيل شريان حياة المصريين، فهي تعد أهم جائزة بالنسبة لي حتى الآن».
وعن تناوله قضايا الإرهاب في بعض مؤلفاته، على غرار مسرحية «الجنزير» التي عرضت في القاهرة وباريس وأثارت تفاعلاً لافتاً بشأن مضمونها، يقول سلماوي «رواية (الجنزير) كانت أولى مسرحياتي التي حذرت من تنامي ظاهرة التطرف الديني، فهي تصور أسرة مصرية قامت جماعة إرهابية باحتجازها كرهينة، وعرضت عام 1995. ودعت المسرحية إلى ضرورة المواجهة الفكرية بجانب التصدي الأمني له، لكن مصر سواء أثناء حكم الرئيس السادات أو مبارك ظلت تنظر لهذه المشكلة نظرة أمنية بحتة، وتتعامل مع الجريمة الإرهابية عند وقوعها، فلم تتعامل مع الجذور الفكرية حتى لا ينتج منه هذا النبت الإرهابي الذي عانينا منه طوال العقود الماضية».
وقدم سلماوي خلال فترة الثمانينات مسرحيات تنتمي إلى اتجاه العبث أو مسرح اللامعقول على غرار «فوت علينا بكرة» و«اللي بعده»، وعن تحمسه للسير في هذا الدرب، يقول «وجدت أنه أفضل وسيلة للتعبير عن الواقع العبثي في سنوات الثمانينات حين كانت تهتز كل المبادئ والمثل والثوابت في حياتنا، وأصبحنا ندير ظهرنا لهويتنا العربية، ولأفريقيا والعالم الثالث الذي كنّا نقوده، ونقول إن أميركا تحمل 99 في المائة من أوراق اللعبة، ورغم ذلك فإنني لجأت إلى أشكال مسرحية أخرى كما في (سالومي)، و(رقصة سالومي الأخيرة) التي طرحت فيها القضية الفلسطينية مستلهما الانتفاضة الفلسطينية كإسقاط على التاريخ من خلال أسطورة سالومي المعروفة».
ويفسر الكاتب المصري اهتمامه بالقضية الفلسطينية عبر أعماله المتنوعة على غرار رواية «الخرز الملون»، والمجموعة القصصية «وفاء إدريس»، قائلاً «القضية حاضرة في أعمالي بشكل كبير، واستوحيت أفكارها من أحداث وقعت بالفعل خلال الانتفاضة الفلسطينية لأنني أنتمي إلى جيل تفتحت مداركه وتشكل وجدانه في الخمسينات والستينات، فنشأ مؤمناً بأن القضية الفلسطينية هي القضية المحورية بالنسبة للوطن العربي، وأنها الجرح الذي يمس الوجدان العربي كله، وما يحدث الآن للقضية الفلسطينية أرى أنه تطور إيجابي كبير، فعلى مدى عشرات السنوات كان العالم مغيباً عما يحدث في فلسطين، وكانت الصهيونية تشيع أن فلسطين أرض بلا شعب، ومنحت لشعب بلا أرض، والسبب في ذلك هو النفوذ الصهيوني المسيطر على الإعلام الدولي، والذي لم يعد له جدوى الآن في ظل وسائل الاتصال الحديثة التي حققت ديمقراطية إعلامية غير مسبوقة، وهذا النوع من الإعلام لا يمكن تقييده أو السيطرة عليه، ثم حدثت صحوة في الرأي العام العالمي لم نشهدها من قبل، فوجدنا في الغرب من يطالبون بمحاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وهو ما لم نشهده منذ النكبة».
ويشير سلماوي إلى قدرة الأديب على استشراف المستقبل؛ لأنه ينظر للصورة بشكل شامل، ويقول «عندما كتبت رواية (أجنحة الفراشة) كنت أصور الوضع القائم في مصر خلال السنوات الأخيرة، لحكم مبارك وقادني هذا الوضع بتطوراته في الرواية إلى حتمية حدوث انفجار، وفوجئت بأن تفاصيل هذا الانفجار الذي تخيلته في الرواية حدث في الواقع، فقد كتبت عن قيام ثورة في ميدان التحرير، يقودها الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة».
سلماوي الذي طرح في كتابه «يوماً أو بعض يوم» جانباً من سيرته الذاتية، حيث مزج بين الأحداث التاريخية، ورحلته الشخصية، يقول «المزج بين العام والخاص كان انعكاساً لحياتي التي تداخلت أحداثها مع التطورات السياسية التي شهدتها مصر منذ عام 1945 وحتى وفاة الرئيس السادات، وقد انتهيت مؤخراً من الجزء الثاني منها وهو بعنوان (العصف والريحان)، ويتناول حكم مبارك ثم قيام ثورتي يناير (كانون الثاني) و30 يونيو (حزيران)، مروراً بحكم الإخوان وما حدث فيه، وانتهاءً بعملي في لجنة الدستور التي كنت المتحدث الرسمي باسمها، فأنا أعتز بعملي في هذه اللجنة، وخصوصاً بعد إضافة باب المقومات الثقافية لأول مرة في نصوص الدستور».
وعن عدم حصول أي أديب عربي على جائزة نوبل بعد نجيب محفوظ خلال العقود الماضية، يقول سلماوي «أثناء وجودي في استوكهولم ممثلاً عن نجيب محفوظ لإلقاء خطابه بهذه المناسبة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1988 كانت الصحف تقول إن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فتح الباب أمام الأدب العربي للفوز بالجائزة، ولكنني كنت أقول العكس، وهو أن فوز نجيب محفوظ بالجائزة أغلق الباب أمام الأدباء العرب، فالظروف التي مُنح فيها محفوظ الجائزة، قد لا تتكرر كل عام، فقد كان عمر الجائزة في ذلك الوقت تسعين عاماً، ولم تكن قد التفتت حتى ذلك الوقت للأدب العربي العريق؛ لذا كان هناك إلحاح بضرورة منحها أديباً عربياً، وأذكر أنني حين صاحبت رئيس لجنة نوبل وقتئذ ستوري آلين لزيارة نجيب محفوظ في مكتبه بجريدة (الأهرام) المصرية، فقد شكر محفوظ الرجل، لكنني فوجئت بستوري آلين يقول له: بل نحن الذين نشكرك لأن بقبولك الجائزة أكدت مصداقية نوبل، وكان يقصد بذلك أن نجيب محفوظ صحح هذا العوار الذي لاحق الجائزة، واليوم بعد أن أرضت جائزة نوبل ضميرها تجاه الأدب العربي زال الإلحاح، وهذا لا يعني ألا يفوز بها عربي آخر، لكنه لن يكون بالإلحاح السابق نفسه، وقد حرصت أثناء رئاستي اتحاد كتاب مصر، على الحصول من إدارة الجائزة على حق الاتحاد في ترشيح كاتب مصري وآخر عربي لجائزة نوبل كل عام؛ وذلك حتى أضمن وجود مرشحين عرب في كل عام، لعل القائمين على الجائزة يعودون للالتفات لأحد أهم الآداب العالمية».
محمد سلماوي: فوز محفوظ بـ {نوبل} أغلق الباب أمام الأدباء العرب
قال لـ «الشرق الأوسط» إن جائزة النيل الأهم في مسيرته
محمد سلماوي: فوز محفوظ بـ {نوبل} أغلق الباب أمام الأدباء العرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة