جدارية عنصرية تضع متحف «تيت» في مأزق

جدارية عنصرية تضع متحف «تيت» في مأزق
TT

جدارية عنصرية تضع متحف «تيت» في مأزق

جدارية عنصرية تضع متحف «تيت» في مأزق

منذ أن أعاد متحف «تيت» في بريطانيا فتح أبوابه، الشهر الماضي، بعد إغلاق استمر خمسة شهور بسبب جائحة فيروس (كوفيد ـ 19)، بدت جوانب المتحف تعج بالحركة والنشاط. وجال عبر أرجاء معارض وقاعات المتحف من جديد زائرون يغطون وجوههم بأقنعة حماية، وبدوا مستمتعين بالمجموعة الضخمة من الأعمال الفنية، التي تتنوع ما بين لوحات «بورتريه» من القرن الـ16 وصولاً إلى التركيبات المعاصرة.
ومع ذلك، تبقى مساحة واحدة بعيداً عن متناول الزائرين، أما السبب فلا علاقة له بالقيود المرتبطة بالتصدي لجائحة (كوفيد ـ 19). واللافت أن الأبواب التي تؤدي إلى المطعم الموجود في قبو المتحف مغلقة، وتحمل لافتة تقول: «سيظل مغلقاً حتى إشعار آخر».
جدير بالذكر أن جدران المطعم مزدانة بلوحة جدارية بطول 55 قدماً تحمل اسم «رحلة استكشافية وراء اللحوم النادرة»، رسمها الفنان البريطاني ريكس ويسلر. ويصور هذا العمل الملحمي، الذي أنجزه الفنان بتكليف من إدارة المتحف في عشرينات القرن الماضي بهدف إغراء الزائرين على ارتياد المطعم، فريق صيد يمر عبر مناظر طبيعية لجبال شاهقة وحدائق وقلاع ومعابد صينية في رحلة بحث عن حيوان وحيد القرن ونمور وغيرها.
وفي خطاب ألقاه عام 1927 لدى إزاحة الستار عن الجدارية، قال اللورد دي أبيرنون، رئيس أمناء متحف «تيت»: «إن اللوحة الجدارية اللطيفة التي أبدعها ويسلر ستجعل فطائر المطعم ألذ مذاقاً في أفواه الزائرين».
إلا أنه في معرض حديثه، أغفل اللورد دي أبيرنون الحديث عن جزأين صغيرين من اللوحة، لا يتجاوز عرض كل منهما بضع بوصات، لكنهما اليوم تحولا إلى ثقل شديد يجثم على صدور أمناء متحف «تيت»، تظهر في أحدهما سيدة بيضاء بملابس أنيقة تجر صبياً أسود اللون بحبل بينما يحاول الصبي مقاومتها، ويظهر في القسم الآخر صبي يجري خلف عربة يجرها حصان، مربوط بحبل حول رقبته.
وشكلت هذه الجدارية خلفية هذا المطعم الراقي (وهو واحد من المطاعم العديدة التي تضمها جدران المتحف والتي حققت عائدات بإجمالي قرابة 900 ألف دولار في العام السابق للوباء) على امتداد قرابة 100 عام ومع ذلك، يبدو أن قليلاً من رواد المطعم لاحظ محنة الصبي.
إلا أن الوضع تبدل الصيف الماضي، عندما بدأت صور في الظهور عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وانطلقت دعوات من جانب نشطاء للمطالبة بإزالة صور الصبي من على جدران المطعم، ما اضطر المطعم نهاية الأمر إلى إغلاق أبوابه.
من ناحيتها، أعلنت مجموعة تيت التي تتولى إدارة متحف «تيت» ببريطانيا والمتاحف الأخرى الشقيقة له، بما في ذلك «تيت مودرن» ـ أنها لا تستطيع إدخال تغييرات على الجدارية، لأنها عمل فني جرى إنجازه تحت رعايتها وتشكل جزءًا من مبنى محمي بموجب قوانين حماية التراث البريطانية. ومع ذلك، وعدت المجموعة بإجراء مراجعة رسمية لمستقبل هذا العمل الفني، من المقرر أن تبدأ هذا الصيف بحيث تنتهي بحلول نهاية العام.
ومع ذلك، فإنه بغض النظر عن النتيجة التي ستخلص إليها المراجعة، من المؤكد أنها ستصيب شخصاً ما بالإحباط. الواضح أن هذه الجدارية وضعت متحف «تيت» في مواجهة معضلة صعبة في وقت تتفاقم فيه التوترات بخصوص كيفية التعامل مع إرث بريطانيا المرتبط بالعنصرية والاستعمار. اليوم، يجد المتحف نفسه محاصراً بين نشطاء يريدون إزالة الجدارية (والذين يشاركهم في مخاوفهم بخصوص العدالة العرقية العديد من الفنانين وأيضاً بعض الموظفين داخل «تيت») من جانب، والحكومة البريطانية التي تتولى تمويل المتحف وتفضل نهجاً أقل تدخلاً من جانب آخر.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه بالعام الماضي، وضع وزير الثقافة البريطاني، أوليفر داودن، الخطوط العريضة لسياسة «الاحتفاظ والشرح» المرتبطة بالآثار والتي أثارت الجدل، وذلك بعدما أسقط نشطاء تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون الذي يعود إلى القرن الـ17 في بريستول بإنجلترا. وأكد الوزير البريطاني أن الأشياء المثيرة للجدل والخلاف يجب أن تبقى معروضة. وبعث داودن خطاباً لقادة المتاحف الكبرى في بريطاني يشرح لهم خلاله هذه السياسة وقال فيه: «باعتباركم مؤسسات تتلقى تمويلاً عاماً، فإنه لا يحق لكم اتخاذ إجراءات بدافع جهود حراك أو لاعتبارات سياسية».
علاوة على ذلك، من الواضح أن أمناء «تيت» سيتحركون بحذر في التعامل مع هذه القضية، لأن رغبة الحكومة في تضييق الخناق على نشاطات الحراك يبدو أنها تؤثر على تشكيل مجالس المتاحف. جدير بالذكر أنه من الضروري موافقة مسؤولين حكوميين على تعيين المجالس الحاكمة للمؤسسات الكبرى ـ بما في ذلك «تيت».
في يناير (كانون الثاني)، قررت الوزارة رفض إعادة تعيين أمينول هوك، الأكاديمي الذي دعا لـ«وضع نهاية للنبرة الاستعمارية» في المناهج التعليمية البريطانية، لفترة ثانية في مجلس إدارة المتاحف الملكية في غرينتش. ودفع هذا القرار رئيس مجلس إدارة المؤسسة للاستقالة احتجاجاً عليه. وفي مارس (آذار)، سحبت سارة دراي، أمينة متحف العلوم، طلبها إعادة التعيين بعدما شعرت بضغوط لدعم سياسة «الاحتفاظ والشرح»، حسبما ذكرت في خطاب إلى مجلس إدارة المتحف.
وبيان بعث به عبر البريد الإلكتروني، قال متحدث باسم وزارة الثقافة: «نحن ملتزمون بضمان أن تعكس هيئاتنا الممولة من القطاع العام التنوع الكامل لدافعي الضرائب الذين يخدمونهم»، مضيفاً: «لا يوجد افتراض تلقائي يميل لصالح إعادة تعيين أي مسؤول».وامتنعت الوزارة عن التعليق على جدارية ويسلر.
على الجانب الآخر، يرغب النشطاء في أكثر من مجرد حلول مؤقتة. كانت الضجة قد بدأت عبر شبكات التواصل الاجتماعي في يوليو (تموز)، عندما نشر «ذي وايت بيوب»، الاسم الذي يتخذه ثنائي من النقاد الفنيين، زارينا محمد وغابرييل دي لابوينتي، صوراً لأجزاء مسيئة من الجدارية عبر موقع «إنستغرام». وعلقا على الصور بقولهما: «كيف لا يزال هذا المطعم موجوداً؟» وتساءلا كذلك: «أي نوع من الديكورات الداخلية هذا؟».
وبين عشية وضحاها، بدل «تيت» موقعه الإلكتروني وأزال الإشارة إلى المطعم باعتباره «أكثر القاعات إمتاعاً على مستوى أوروبا». وبعد بضعة أشهر، ناقش مجلس أمناء المتحف مسألة الجدارية. وقالت لجنة الأخلاقيات بالمتحف إنه «بالتأكيد» عمل مسيء، حسبما ورد في محضر الاجتماع.
في ديسمبر (كانون الأول)، وعد «تيت» بعقد مراجعة لمستقبل الجدارية. وقال متحدث باسم المتحف: «لا نريد استباق هذه المراجعة بأي تكهنات». ورفض مسؤولو «تيت» عدة طلبات لعقد مقابلات معهم من أجل هذا المقال.
من جانبهما، قال «ذي وايت بيوب» في رسالة عبر البريد الإلكتروني إنه من الغريب أن يستغرق «تيت» كل هذا الوقت الطويل لإيجاد حل. وقالا: «نعتقد أن عدم قدرة «تيت» وعدم رغبته في اتخاذ أي فعل بخصوص الجدارية، أمر محزن ويدينه».
ومع ذلك، اتضح أن الصور المثيرة للجدل كانت محل مناقشة داخل المتحف منذ فترة طويلة قبل أن يلفت «ذي وايت بيوب» الأنظار إليها. وعن هذا، قالت بينيلوبي كيرتس، مديرة متحف «تيت» في بريطانيا بين عامي 2010 و2015. في مقابلة هاتفية أجريت معها إنه في عام 2013 عندما جرى ترميم لوحة ويسلر الجدارية كجزء من تجديد المتحف بقيمة 63 مليون دولار، أثار بعض موظفي المتحف المخاوف بشأن الجدارية. وقالت إن مسؤولين كتبوا نشرة توضيحية لرواد المطعم الذين كانوا يستفسرون عن الجدارية.
وعن الجزء الذي يظهر فيه الصبي الأسود المستعبد، قالت كيرتس: «كانت هناك مناقشات حول وضع شاشة عليها، لكن ذلك كان سيجذب إليها الأنظار فحسب».
وفي عام 2019، جرى وضع لافتة على باب المطعم، على غرار النصوص التوضيحية في صالات المتحف، تتكون من أربع فقرات وورد بها أن: «ويسلر يصور استعباد طفل ومحنة والدته باستخدام شخصيات نمطية للغاية كانت شائعة في ذلك الوقت».
ورأى بعض موظفي المتحف أن هذه اللافتة ليست كافية. ومن جانبها، قالت ماريا كوبلر، المديرة المتطوعة سابقاً في «تيت»، عبر رسالة بالبريد الإلكتروني: «فشلت هذه اللافتة في معالجة العنصرية أو معالجة الصدمة التي سببتها هذه الصورة». وأضافت كوبلر أنها استقالت من المؤسسة في يناير 2020 لشعورها بـ«غياب الدعم لجهودي للتعامل مع قضايا العنصرية».
ومن ناحية أخرى، قال رودي مينتو دي ويغس، الرئيس السابق لشبكة موظفي «تيت» الملونين، إن أعضاء المجموعة «اشمأزوا من الجدارية»، وأثاروا القضية مراراً خلال الاجتماعات. وقال إنه في أعقاب الضجة التي أثيرت حول الجدارية الصيف الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اتصل بماريا بالشو، مديرة «تبت»، واقترح عليها تحويل المطعم إلى مساحة تعليمية.
وقالت بالشو إنها ستدرس الأمر. وأضاف رودي: «لكن شيئاً لم يحدث»، مشيراً إلى أنه رحل عن المتحف في أبريل (نيسان) بعدما دفعه آخرون نحو الشعور بأنه «مثير للمشكلات».

* خدمة {نيويورك تايمز}



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».