«الامتناع عن المشاركة»... الفائز الأكبر في «تشريعيات» الجزائر

يرى محللون أن نسبة الامتناع العالية هي الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية التي جرت السبت، في الجزائر، وأنها لن تؤدي إلا إلى دفع البلاد إلى طريق سياسية مسدودة مع مجلس نيابي منقسم.
وقال مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالمين العربي والمتوسطي، حسني عبيدي، إنه مع نسبة مشاركة وطنية غير نهائية، لم تتجاوز 30.20 في المائة، تبرز نسبة الامتناع على أنها «أول حزب سياسي في البلاد». وفي انتظار النتائج النهائية، تشير الاتجاهات الأولى إلى أن عدد الناخبين أقل في المدن الكبرى، التي عاشت على وقع تظاهرات الحراك الذي ولد في فبراير (شباط) 2019، وأن الغضب مستمر في منطقة القبائل الأمازيغية (شمال شرق)، المعروفة بتمردها على السلطة المركزية.
وأضاف عبيدي موضحاً لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا هو الفشل الثالث على التوالي للرئيس عبد المجيد تبون بعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019، والاستفتاء الدستوري في نوفمبر 2020»، متحدثاً عن «تشكيك في خريطة طريق (الحكم)، سجينة الشكليات الانتخابية لإعادة بناء قاعدته السياسية».
وسعت السلطة من خلال تنظيم هذه الانتخابات، التي تعد الأولى منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية قبل أكثر من عامين، إلى «تطبيع» وضع غير مستقر، متجاهلة مطالب الشارع في إرساء دولة القانون، وانتقال ديمقراطي والسيادة للشعب وقضاء مستقل.
وفي هذا السياق، رأى الخبير في الشؤون السياسة الجزائرية أن «وضع الرئيس هش، فهو يزيد اعتماده على المؤسسة العسكرية، ويقلص من هامش المناورة لديه»، مبرزاً أن «مدة حياته السياسية يمليها الجيش أكثر من أي وقت مضى».
من جهته، اعتبر المؤرخ والأستاذ في مدرسة العلوم السياسية بباريسن جان بيار فيليو، أنه «إضافة إلى أنه من المستبعد أن تكون انطلاقة جديدة، فإن هذه الانتخابات تضع الجزائر في مأزق سياسي».
وفيما أكدت حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي شارك في الانتخابات التشريعية، أنها حصلت على أكبر عدد من المقاعد، وحذرت من أي تلاعب بالنتائج، ندد «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، وهو حزب علماني معارض قاطع التصويت، بما رأى أنه «تضخيم في نسب المشاركة».
لكن هذا ليس رأي المحلل السياسي، مصطفى هدام، الذي قال: «لم نعد نثق في الأرقام المضَخمة والمعدلات الستالينية (كما في الانتخابات السابقة). لكن في الواقع هذه أرقام حقيقية»، كما صرح أول من أمس، على القناة الإذاعية الحكومية الثالثة الناطقة بالفرنسية.
ووافقه الرأي حسني عبيدي، الذي أكد أن «زمن ترتيب نتائج الانتخابات من قبل وزير الداخلية، انتهى»، لكن إذا كان هذا «تقدماً في الشكل، فهو بعيد كل البعد عن الاستجابة لمطالب غالبية الجزائريين، الذين يطالبون بحل سياسي، وليس بحل انتخابي»، كما أوضح.
ودعي نحو 24 مليون ناخب لاختيار 407 نوّاب في مجلس الشعب الوطني (مجلس النواب في البرلمان) لمدّة خمس سنوات. وكان عليهم الاختيار بين 2288 قائمة بأكثر من 22 ألف مرشّح، منهم أكثر من 1200 «مستقلون». لكن «القوائم المستقلة، الكثيرة للغاية، قد تكون الخاسر الأكبر في هذا التصويت، بحيث يقتصر دورها على تضخيم نسبة المشاركة قليلاً، بفضل تصويت المقربين غير المنتج»، كما رأى الصحافي عابد شارف. لكن عبيدي تنبأ من جهته بأنهم سيشكلون «خزاناً انتخابياً جديداً بلا توجه آيديولوجي، ستحاول السلطة والأحزاب السياسية الاستفادة منه، لكن لن يكون له مستقبل كبير».
وبمجرد تجديد المجلس الشعبي الوطني «سيكون في حالة انقسام وانعدام الشرعية». وبهذا الخصوص قال مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالمين العربي والمتوسطي، إن المجلس «سيعقد جلساته في سياق يتسم بانعدام الثقة الشديد، وصعوبة تشكيل أغلبية برلمانية». لكن مهما يحدث، فإن السلطة ستتأقلم مع الوضع، فقد سبق أن اعتبر الرئيس تبون نسبة المشاركة «غير مهمة». ووفق المحللين، ستستفيد في النهاية الأحزاب التقليدية، مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، الفائزين في انتخابات 2017 التشريعية، وهذا من شأنه أن يشكل مفاجأة كبيرة لأنها اعتبرت محتضرة.
أما بالنسبة للحكومة الجديدة، فلا يزال هناك مجهول مع متغيرين: ائتلاف يغلب عليه الطابع الإسلامي، يمكن أن يشكل الحكومة، «لكن الرئيس يمكن أن يحافظ على (رئيس الوزراء عبد العزيز) جراد، ويطلب منه اختيار وزراء من الجانبين»، كما علق عابد شريف.