في ركن على الشارع الرئيسي في مديرية الشيخ عثمان بمحافظة عدن يتجمع العشرات وقوفاً لشرب الشاي المخلوط بالحليب الذي يقدمه دكان صغير فتح منذ نحو ستة أعوام بجانب شجرة ضخمة حمل اسمها، ولكن ولضيق المساحة لا توجد مقاعد، حيث يتناول الزبائن حاجتهم من الشاي متميز المذاق وقوفاً، أو يصحبونه إلى مقرات أعمالهم أو منازلهم، في إشارة بارزة على أن مذاق الشاي العدني يشكل أقوى مؤشر لصمود المقاهي التقليدية أو الشعبية وعجز المقاهي الحديثة عن التغلب عليها.
هذا المقهى استنسخ اسمه من مقهى عتيق معروف وشهير في المديرية ذاتها، إلا أنه ورغم حداثة النشأة تمكن من استقطاب المئات يومياً من المغرمين بشرب الشاي على الطريقة العدنية.
هو سر لا أحد يمكنه اكتشافه، ومذاق يدفع الزبائن إلى التردد على المكان يومياً، وبعضهم يقطع مسافات طويلة. ويقدر أحد بائعي الشاي العدني عدد زبائنه يومياً بنحو ألف شخص، استناداً إلى كمية السكر والحليب المكثف التي يستهلك.
المقاهي الشعبية يتركز أغلبها في حي كريتر القديم، وما زالت حتى اليوم تقدم لروادها الشاي على الطريقة العدنية، حيث يخلط الشاي مع الحليب المكثف وتضاف إليه تشكيلة من البهارات، لعل أبرزها الجوز والهيل والزنجبيل.
هذا المذاق وعشق اليمنيين وغيرهم لاحتسائه جعلهم ينقلونه معهم إلى بلدان الاغتراب، خصوصاً في سنوات الحرب الحالية، حيث تقدم معظم المطاعم اليمنية في الخارج الشاي العدني، وإن كان يعتب كثيرون على أنها لا تمتلك المذاق نفسه.
باستثناء مقهى «زكو» الشهير، الذي أقفل وتحول جزء منه إلى محل لبيع العصائر، فإن أغلب المقاهي القديمة لا تزال تعمل حتى الآن.
كان مقهى «زكو» من أشهر مقاهي عدن ومعلماً من معالمها منذ ما قبل الاستقلال عن الحكم البريطاني في نهاية ستينات القرن الماضي، حيث تشير المصادر إلى أن «الحاج زكريا محمد إلياس» أسس المقهى في خمسينات القرن الماضي، وإليه نسب اسمه «زكو»، إذ كانت المقاهي خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي ملتقى لكافة الشرائح والمستويات من سكان عدن والقادمين إليها، وكانت الملتقى الأول للنخب الثقافية والسياسية، وهي اليوم تستهوي جيلاً جديداً من سكان المدينة.
وعلى مسافة قريبة، ولكن في شارع خلفي، يوجد مقهى آخر اسمه «عبدان» في حي الطويلة. أربع طاولات مصنوعة من الحديد جرى توزيعها على رصيف الشارع وضفتيه.
وفي الاتجاه الآخر لهذا الحي يوجد مقهى «كشر»، حيث لا يزال يقدم لزبائنه الشاي و«خبز الطاوة»، حيث يـتردد توفيق أحمد عبده وهو موظف في مؤسسة المياه كل يوم على هذا المقهى لاحتساء الشاي وتناول خبز الطاوة الذي يصنع لحظتها ويقدم ساخناً. يقول عبده: «الشاي العدني له مذاق خاص وهناك مقاه شهيرة تجيد عمله، وليس كل مقهى يستطيع تقديمه بالجودة نفسها»، مضيفاً: «كان السياسيون والأدباء والمثقفون يجتمعون في هذه المقاهي، فقد كانت من أهم أماكن اللقاءات والنقاشات وقراءة الصحف اليومية أو الأسبوعية، وحافظت على هذا الطابع حتى اليوم رغم التقدم التقني وانتشار المقاهي الحديثة في أكثر من مكان في المدينة».
ويؤيده في هذا الطرح عبد العزيز عوض الموظف في وزارة النفط، إذ يرى أن الشاي في هذه المقاهي له نكهة خاصة ومذاق مختلف عن أي مكان آخر، وأنه يحرص كلما كان لديه وقت على الذهاب مساء إلى أحد هذه المقاهي لشرب الشاي، كما يروق له تناول الخبز المقلي بالزيت والمعروف باسم «الخمير» مع الشاي بالحليب، ويقول: هذا مزاج وطعم من الصعب أن تلاقيه في المقاهي الحديثة.
أمام ذلك، تنتشر المقاهي الحديثة في المدينة وأصبح لها روادها، خصوصاً من الشباب، لأنه يمكن للنساء دخولها، ولأنها تقدم مشروبات منوعة كالقهوة والعصائر والوجبات، كما تهتم بالديكورات وتزودهم بخدمة الإنترنت المجاني مما يمكنهم من التصفح وإنجاز الأعمال، ويعد طلاب الجامعات هم الفئة الأكثر إقبالاً.
الشاي العدني يعزز صمود المقاهي الشعبية أمام الحديثة
الشاي العدني يعزز صمود المقاهي الشعبية أمام الحديثة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة