لبنان: مشروع الـ«كابيتال كونترول» يفقد زخمه

مخاوف أكثر حدة من انفلات نقدي يطيح بمفعول المسكنات الموعودة (الوكالة المركزية)
مخاوف أكثر حدة من انفلات نقدي يطيح بمفعول المسكنات الموعودة (الوكالة المركزية)
TT

لبنان: مشروع الـ«كابيتال كونترول» يفقد زخمه

مخاوف أكثر حدة من انفلات نقدي يطيح بمفعول المسكنات الموعودة (الوكالة المركزية)
مخاوف أكثر حدة من انفلات نقدي يطيح بمفعول المسكنات الموعودة (الوكالة المركزية)

فقد مشروع قانون تنظيم الرساميل (كابيتال كونترول) الجزء الأكبر من قوة تأثيره المتوخاة لجهة وضع ضوابط استثنائية على السحوبات والمعاملات النقدية، بعدما تطلب إعداده زمناً قياسياً تعدى السنة ونصف السنة، ليخرج بصيغة فضفاضة من لجنة المال النيابية، ويحط على مسار اللجان المشتركة والهيئة العامة لمجلس النواب، في ظل شكوك مسبقة بإمكانية تخطيه لعقبات المواقف المتباينة و«مطبات» النزاعات المتفشية في كل كبيرة وصغيرة بين أصحاب القرار.
وتبدي مصادر مالية ومصرفية خشية جدية من «تحجيم» مماثل تلقاه المبادرة الموازية التي أطلقها مصرف لبنان في الاتجاه عينه، في ظل الارتفاع المستجد لحماوة المضاربات على العملة الوطنية، وتعدي سعر الدولار بسهولة عتبة 15 ألف ليرة في السوق السوداء (السعر الرسمي 1515)، علماً بأن التعميم بتنفيذ بنود المبادرة من قبل الجهاز المصرفي يبدأ أول شهر يوليو (تموز) المقبل، وفي مقدمها تمكين المودعين من سحب الدولار النقدي بمعدل 800 دولار شهرياً، موزعة مناصفة بين الدولار النقدي (بنكنوت) والاستبدال بالليرة بسعر منصة البنك المركزي البالغ 12 ألف ليرة.
وزاد من منسوب القلق في الأسواق المالية الموقف السلبي الذي اتخذه صندوق النقد الدولي من حيثيات مشروع القانون والمبادرة معاً، حيث حثّ جيري رايس، المسؤول في إدارة التواصل في الصندوق، على اعتماد سياسات وإصلاحات شاملة عند تطبيق قانون الـ«كابيتال كونترول» في لبنان، وتطبيق أحكام القرار الحديث الذي يسمح للمودعين بسحب جزء من ودائعهم بالعملات الأجنبية، مشيراً إلى «أنه من الضروري أن يقترن تطبيق الضوابط على الرساميل بوضع سياسات مالية ونقدية فعالة». كما أن «مسألة تمويل السحوبات بالعملات الأجنبية لا تزال غامضة، في ظل التراجع الكبير في تداول العملات الأجنبية في الاقتصاد اللبناني خلال العامين الماضيين، والحاجة إلى الاستمرار بتمويل استيراد السلع والخدمات».
ورصدت «الشرق الأوسط» تراكماً سلبياً في الأوساط المالية والمصرفية من تبعات التأزم الداخلي الذي يصاحب تعثر الملف الحكومي، وإمكانية توليد موجات مخاطر مرتفعة جديدة تفاقم الأزمات كافة، وبالأخص منها النقدية، ذات التداعيات الفورية على الوضع المعيشي المتردي أساساً الذي يعاني أخيراً من نفاد حقيقي للاحتياطي الحر من العملات الصعبة قد يفضي خلال أسابيع قليلة إلى زفاف الموعد الإلزامي، المرجح أوائل الشهر المقبل، لرفع الدعم التمويلي نهائياً عن مجمل السلع الاستراتيجية والأساسية، باستثناء القمح وبعض لوائح الأدوية المخصصة للأمراض المستعصية والمزمنة.
وفي ظل مخاوف من تحولات تضرب الرمق المتبقي من التهدئة السياسية المصطنعة والاستقرار الأمني الهش، تبرز مخاوف أكثر حدة من انفلات نقدي يطيح بمفعول المسكنات الموعودة التي قررها البنك المركزي، بحيث تخرج الأوضاع المعيشية عن السيطرة شبه الوهمية المستندة حالياً إلى السحوبات المتاحة من المدخرات المحتجزة في البنوك، وذلك رغم القناعة المعززة بالوقائع السوقية بأن تيسير السحب من الودائع يؤجل التداعيات عينها، إنما لا يعالجها، في ضوء أن ضخ 27 تريليون ليرة لتلبية السحوبات، إضافة إلى نحو 39 تريليون ليرة من السيولة النقدية التي تتخم الأسواق حالياً، سيطلق -ولو بتدرج مرتبط بتقسيط ضخ الأموال- موجة تضخمية عاتية ناشئة عن الزيادة الهائلة في حجم الكتلة النقدية، وما ستنتجه من تدهور لقيمة المداخيل بالليرة.
وتوجب مسودة مشروع القانون تعديل قانون النقد والتسليف لجهة منع التحاويل إلى الخارج، باستثناء ما له صفة الديمومة والصفة العاجلة، كنفقات التعليم (والسقف الأعلى لها 50 ألف دولار) والضرائب والرسوم التي اقتصرت على العقارات، وليس على الاستثمارات في الخارج. كما تهدف إلى وضع مظلة قانونية على تقييد السحوبات النقدية، باستثناء تلك المتعلقة بالرواتب، حيث يتطابق المشروع مع تعميم البنك المركزي في إجازة السحب من الحسابات بالعملة الأجنبية بما يعادل 400 إلى 800 دولار شهرياً.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم