دلال أبو آمنة.. فنانة فلسطينية تعيد الحياة إلى أغاني التراث

تغنت بجمال بلادها وبمواضيع الحب والفراق والأعراس

الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة
الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة
TT

دلال أبو آمنة.. فنانة فلسطينية تعيد الحياة إلى أغاني التراث

الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة
الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة

على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني «الحكواتي»، في القدس، وهبت الفنانة الفلسطينية الشابة دلال أبو آمنة، الحياة من جديد إلى مجموعة من أغاني التراث الفلسطيني مع الحفاظ على أصالتها.
قدمت دلال، وهي من مدينة الناصرة، مجموعة من هذه الأغاني التي جمعتها ممن وصفتهن بالجدات حافظات التراث على خشبة مسرح الحكواتي، ضمن فعاليات مهرجان «القدس للفنون الشعبية»، مساء الأحد.
وقالت دلال لـ«رويترز» قبل انطلاق عرضها الذي حضره المئات: «هذه الأمسية عبارة عن مجموعة لوحات من التراث الفلسطيني لأغان كنا نغنيها زمان (قديما) في جلساتنا النسائية وفي جلساتنا العامة».
وأضافت: «هذه الأغاني كانت تتغنى بجمال بلادنا، وبمواضيع مثل الحب والفراق والأعراس.. أغانٍ متداولة من بداية القرن الماضي أعدت صياغتها مع ضمان المحافظة على أصالتها».
أطلت دلال بثوبها الفلسطيني المطرز بالحرير على جمهورها بأغنية حملت عنوان عملها الفني الجديد «يا ستي»، وتقول بعض كلماتها: «يا ستي ويا ستي غاب القمر جيتي انت غاب القمر.. ونجوم ضويتي علينا انت».
وبعيدا عن الفن، تواصل دلال الحاصلة على درجة الماجستير في العلوم الطبية تعليمها في مجال الطب، وتعمل على إنجاز بحث لنيل شهادة الدكتوراه في مجال أمراض خلايا الدماغ والأعصاب.
وأوضحت دلال أنها اختارت تخصيص هذه الأمسية فقط لأغاني التراث الشعبي، بمشاركة 7 من النساء اللواتي استمعت منهن لهذه الأغاني على خشبة المسرح، ومن بينهن والدتها.
وقالت دلال: «لأول مرة كانت الفكرة أن أكرس عرضا كاملا لأغانينا النسائية التي كانت تغنى في الجلسات النسائية، وأحببت أن تكون النساء اللواتي يحفظن التراث معنا».
وتابعت: «كل وحدة منهن لها مهنتها الخاصة وإبداعها في مجالها الخاص، هم أحبوا الفكرة، وحضروا لتقديم مشاهد معي من جلساتنا النسائية على المسرح، نقدمها بعرض حي لترجع حقيقية على المسرح بمشاركة موسيقية».
وقدمت نائلة لبس الباحثة في التراث التي أشرفت بشكل رئيسي في البحث عن أغاني التراث شرحا لأسباب بعض الأغاني، والظروف التي كانت تغنى فيها، ومنها أغنية «يا بياع التفاح»، حيث يرمز التفاح إلى فتاة جميلة، وغيرها من الأغاني.
وقالت نائلة إن سر أغاني التراث الفلسطيني يكمن في العائلة التي كانت نواة التجمع، وإن أغاني التراث لا تعرف الحدود السياسية، لأن أغاني التراث لبر الشام كلها متشابهة تختلف فيها اللهجات.
وترى دلال التي عرفت بتقديم أغاني الطرب العربي الأصيل لام كلثوم ومحمد عبد الوهاب منذ كانت في الـ16 من عمرها أن الحفاظ على أغاني التراث مهم، إضافة إلى أهمية أن يتوارثها الجيل الجديد.
وقالت إنها سعت لإضافة حيوية على العرض، وجعل الجيل الجديد يعرف أكثر عن هذه الأغاني، من خلال تقديم مشاهد صغيرة من قصص قديمة وخلفيات عن أغانٍ معينة من قبل حافظات التراث.
وبدا تفاعل الجمهور واضحا مع أغاني التراث التي قدمتها دلال بمرافقة حافظات التراث من خلال مشاركته في ترديد كثير من الأغاني.
وأشارت دلال إلى أنها اختارت أن تكون القدس بداية انطلاق عملها الفني الجديد، رغم تأجيل انطلاق مهرجان القدس للفنون الشعبية لأكثر من مرة، لحبها للمدينة، ولإيمانها أن جمهور القدس صاحب ذوق رفيع.
وقالت دلال: «القدس أم المدائن، ولها نكهة خاصة، لذلك أصررت أن يكون العرض الأول في القدس، لأهميتها لقلبنا ولقلوب الفلسطينيين، ولأهميتها التاريخية والحالية والمستقبلية».
وأوضحت أنها ستواصل تقديم كل ألوان الغناء هذا قائلة: «فسيفساء الأغاني الكلاسيكية وأغاني التراث في تكاملها تعكس الحضارة الفلسطينية لدينا قديما وحديثا.. اللون الكلاسيكي هو ما يشكلني».
ولا ترى دلال تعارضا بين مواصلة تحصليها العلمي في مجال الطب بعيدا عن الفن، إذ قالت: «الغناء كان دائما وأبدا منذ الطفولة وأنا أمارسه، إلى جانب هذا لم أستغن عن شغفي بالعلم البعيد عن الفن».
وتستعد دلال إلى تقديم جولة من العروض في المدن الفلسطينية لعملها الفني الجديد قبل السفر إلى الولايات المتحدة لتقديم عروض هناك في الفترة المقبلة. ويختتم مهرجان القدس للفنون الشعبية بعرض للرقص الشعبي للعدد من الفرق الفنية المقدسية، مساء اليوم (الثلاثاء).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».