محمية طبيعية أميركية لساكن وحيد

بعدما انتصرت جماعات المحافظة على البيئة على المطوّرين العقاريين

TT

محمية طبيعية أميركية لساكن وحيد

من أعلى شجرة قديمة مطلة على حافة جرف كبير، يحظى زوج من النسور الصلعاء بمنظر بانورامي رائع لتلك الجزيرة الصغيرة المستقرة داخل مضيق «خوان دي فوكا» قبالة سواحل ولاية واشنطن الغربية في الولايات المتحدة الأميركية. وفي بقعة سفلية بعيدة، يجلس مارتي بلوواتر، وهو الإنسان الوحيد القاطن لتلك الجزيرة النائية، على مقعد خشبي تحيط به الأعشاب الطويلة المتمايلة، ليراقب النسور الصلعاء بمنظاره من بعيد.
على مدار العقود الخمسة الماضية، كانت «جزيرة الحماية في محمية الحياة البرية الوطنية» هي موضع المراقبة الوحيد بالنسبة إلى بلوواتر. مع كثير من تراكمات الذكريات التي مر بها هناك طوال حياته. إذ يتذكر ترحيبه بستة من الغزلان التي وصلت إلى الجزيرة سباحةً من البر الأميركي الرئيسي ثم تحولت مع مرور الوقت إلى قطيع صغير لطيف من الغزلان الأليفة. ثم يتذكر أيضاً استضافته لخمسة أزواج من طيور السنونو التي اتخذت أعشاشها في موسم الربيع من كل عام، كما يذكر حفلتي الزفاف اليتميتين اللتين شهدتهما تلك الجزيرة، منهما حفلة زفافه على زوجته.
يبلغ بلوواتر من 72 عاماً من عمره، وهو الشخص الوحيد التي قضى جُل حياته على تلك الجزيرة الصغيرة التي لا تتجاوز 370 فداناً من المساحة الممتدة على طول ميلين فقط من الأراضي. كانت الجزيرة الصغيرة هدفاً للمطورين العقاريين في سبعينات القرن الماضي، الذين وضعوا لها خطط التطوير لكي تكون منتجعاً سياحياً شاطئياً يضم مرسى ومهبطاً للطائرات الصغيرة. وتحول الطيارون وقتذاك إلى مندوبين للمبيعات حيث كانوا يجوبون أنحاء الجزيرة رفقة المشترين المحتملين لاختيار قطع الأراضي التي تروق لهم. ولقد تم بيع عدة مئات من قطع الأراضي بالفعل هناك.
شاهد بلوواتر الجزيرة في عام 1971، عندما كان يبلغ من العمر 23 عاماً فقط، ووقع في عشقها منذ الوهلة الأولى. وتمكن بمساعدة من والديه من شراء قطعة أرض هناك بمبلغ باهظ للغاية وقتها بلغ 7 آلاف دولار كاملة.
يقول بلوواتر عن ذلك: «لقد طاروا بنا إلى هناك، وقدموا لنا المأكولات والمشروبات اللذيذة، وباعوا لنا الوهم على أراضي تلك الجزيرة. لقد شعرت منذ اللحظة الأولى بالخصوصية الفريدة من نوعها التي يوفرها مكان كهذا. إنها تستقر على إحدى المواضع الساحرة القليلة التي تحظى بها هذه البلاد».
بحلول عام 1973 وباستخدام المواد التي تمكّن من جلبها بالقوارب من البر الرئيسي لولاية واشنطن، شرع في بناء كابينة صغيرة على الطراز الريفي ذات إطلالة رائعة على الجبال الأولمبية ناحية الغرب، وعلى خليج ديسكفري القريب صوب الجنوب.
لكنّ أحداً لم يقتنع بالحلم الساحر الذي توفره أجواء هذه الجزيرة الصغيرة. وحاربت منظمة المحافظة على الطبيعة، رفقة منظمات بيئية وحقوقية أخرى، جهود التطور العقاري والسياحي على أراضي الجزيرة، إثر خشيتها من أن تتسبب في دمار موائل وأعشاش الطيور البحرية المتنوعة من شاكلة «طيور وحيد القرن» التي تفضل بناء أعشاشها على المنحدرات الجبلية الحادة لوضع بيضها. وكذلك طيور النورس البحرية ذات الأجنحة الزرقاء المميزة. لاقت فكرة ضرورة اعتبار الجزيرة محمية طبيعية قبولاً كبيراً عند بلوواتر، غير أنه أراد في نفس الوقت الاحتفاظ بقطعة الأرض باهظة الثمن التي يمتلكها هناك. ودخل رفقة مجموعة من الملاك الآخرين في معارك قضائية من أجل هذا الغرض.
في أثناء جلسات الاستماع العامة التي جرت في أوائل ثمانينات القرن الماضي، أدلى السيد مارتي بشهادته قائلاً: «تساورني عدة شواغل مهمة فيما يتصل بمستقبل الجزيرة. أولاً، أن تبقى الجزيرة على الدوام كما هي عليه مكاناً يحمل سمة خصوصية تميزها عن غيرها. وثانياً، عدم التضحية بحقوقي الفردية كمالك لأحد العقارات على الجزيرة. وأعتقد أن كلا الأمرين ممكن».
انتصرت حملة المحافظة على البيئة في تلك المعركة القضائية، وجرى تصنيف الجزيرة كمحمية وطنية مخصصة لحماية الحياة البرية اعتباراً من عام 1982، وعُرضت على ملاك الأراضي في الجزيرة عروض إعادة الشراء، كما عُرضت على مجموعة ممن بنوا المنازل بالفعل على أراضي الجزيرة الحق في الإقامة لفترات تتراوح بين 15 و25 عاماً أو حق الاستخدام الحصري مدى الحياة. وكان بلوواتر من بين أولئك الذين تخيروا الإقامة في الجزيرة مدى الحياة.
تعد جزيرة الحماية مغلقة أمام الجمهور في الآونة الراهنة، وينبغي على القوارب التي لم تحصل على تصريح خاص بالرسوّ على شواطئ الجزيرة أن تلتزم بالبقاء على مسافة 200 قدم من الشاطئ. يوضح بلووتر: «لا توجد جزيرة أخرى بين هذا الموضع وبين ولاية ألاسكا يمكن القول بأنها تقترب في الشبه من هذه الجزيرة الفريدة. وكان قرار التطوير العقاري أبعد ما يكون عن الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله في مثل هذا المكان الفريد. ولكنها بالنسبة لي كانت ولا تزال بمثابة الحلم البديع الذي لن أتمكن من تحقيق غيره عبر مليون سنة أخرى».
على مدار العقود الخمسة الماضية، وبمعاونة مستمرة من الأصدقاء، تمكن السيد مارتي من تحسين حالة منزله المتواضع هناك –وهو واحد من بين ستة مبانٍ أخرى لا تزال قائمة على أراضي برووتكشن آيلاند. وهناك موقد بسيط من الحطب تغذيه قطع الخشب الطافية على الشاطئ القريب يوفر الحرارة المناسبة في ليالي الشتاء الباردة. في حين يعمل موقد الطهي وسخان المياه على غاز البروبان، في غياب تام للكهرباء هناك.
يحصل بلوواتر على مستلزمات حياته عبر المرسى الصغير الذي تديره إدارة المصايد والحياة البرية الأميركية، وهي الإدارة التي تشرف على الطرق الترابية القليلة التي تمر بالجزيرة. وتساعده شاحنته القديمة في جلب المؤن والمستلزمات على طول الطريق الترابي شديد الانحدار وحتى منزله المتواضع، الذي يقع على مسافة ميل واحد من المرسى، في حين تراقبه النسور الصلعاء التي تحلق في السماء، مع فقمات المياه التي تستلقي مستمتعة على الشواطئ الرملية الهادئة. في حين تلعب ثعالب المياه في مرح وتعاود الغوص والظهور عبر الشواطئ الصخرية. وتعلن طيور النورس الزرقاء عن نفسها بالصراخ والضوضاء التي تصدرها في خلفية المشهد الطبيعي الخلاب على مدى أغلب شهور السنة.
لم تعد العزلة الشديدة تزعجه في شيء، لا سيما مع زيارات الأصدقاء التي تتكرر بين الحين والآخر، وبدرجة كافية تسمح له بالاستمتاع بحياته الخاصة الوحيدة.
ويوضح ذلك بقوله: «أشعر كأنني أعيش على مسافة مليون ميل من البر الرئيسي، مع أنني وفي غضون 20 دقيقة فقط يمكن أن أستقلّ سيارتي لأكون في وسط مدينة بورت تاونسند. ومن هواياتي المفضلة في هذا المكان تصوير مشاهد الحياة البرية المتجددة في أثناء المشي لمسافات طويلة حول أنحاء الجزيرة».
على مر السنين الطويلة، كانت حياته المهنية وعلاقاته الشخصية هي التي تحدد مقدار الوقت التي يمكنه قضاؤه على هذه الجزيرة. إذ كان يعمل لدى «إدارة متنزهات سياتل» و«حديقة حيوانات وودلاند بارك» لعدة سنوات قبل إحالته إلى التقاعد في عام 2010 كرئيس تنفيذي لدى «المؤسسة المتحدة لعموم القبائل الهندية الأميركية». ويعمل بلوواتر الشغوف للغاية بالسفر والترحال، على تقسيم وقته الحالي ما بين السكنى في الجزيرة والخروج في الرحلات البرية في مقطورته السكنية المتنقلة، إذ يسافر إلى خارج الجزيرة، ويبحر بالقوارب إلى جزر سان خوان في الشمال.
راقب بلووتر مجريات الحياة تدفقاً وانحساراً على هذه الجزيرة عبر سنوات طويلة من عمره. وشاهد بنفسه عودة النسور الصلعاء من حالة الانقراض المتصورة قبل ذلك –إذ تضاعفت أعدادها في جميع أنحاء الولايات المتحدة أربع مرات منذ عام 2009 وحتى الآن، وذلك وفقاً لتقرير حكومي صدر حديثاً– كما أنه راقب تراجع أعداد طيور النورس ونجوم البحر في نفس الفترة، ذلك الاحتمال الذي أثار لديه كثيراً من القلق.
«خلال 50 عاماً، كنت أراقب النسور التي تأتي وتغادر، ولم تكن تسبب أي مشكلة تُذكر. لكن الآن، هناك الكثير من تلك النسور، وهذا لا يسبب التوزان الطبيعي في الجزيرة. إذ إن مساحات القتل والاصطياد لديها غير محدودة من أجل تأمين الغذاء، الأمر الذي ينذر بهلاك الموارد الأخرى المتاحة على الجزيرة. لقد طاردوا طيور الغاق حتى غادرت الجزيرة تماماً، ولم تتمكن من تنشئة أي من صغارها. إنني أفتقد تلك الطيور للغاية. ولكن بقدر محبتنا للنسور وبقائها، لا بد من فعل شيء ما لإعادة التوازن البيئي إلى طبيعته».
- خدمة {نيويورك تايمز}


مقالات ذات صلة

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق ولادة بمنزلة أمل (غيتي)

طائر فلامنغو نادر يولَد من رحم الحياة

نجحت حديقة الحياة البرية بجزيرة مان، الواقعة في البحر الآيرلندي بين بريطانيا العظمى وآيرلندا بتوليد فرخ لطائر الفلامنغو النادر للمرّة الأولى منذ 18 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تعرف على أفضل 10 دول في العالم من حيث جودة الحياة (رويترز)

الدنمارك رقم 1 في جودة الحياة... تعرف على ترتيب أفضل 10 دول

أصدرت مجلة «U.S. News and World Report» مؤخراً تصنيفها لأفضل الدول في العالم بناءً على جودة الحياة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق العمر الطويل خلفه حكاية (غيتي)

ما سرّ عيش أقدم شجرة صنوبر في العالم لـ4800 سنة؟

تحتضن ولاية كاليفورنيا الأميركية أقدم شجرة صنوبر مخروطية، يبلغ عمرها أكثر من 4800 عام، وتُعرَف باسم «ميثوسيلا».

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق السعودية تواصل جهودها المكثّفة للحفاظ على الفهد الصياد من خلال توظيف البحث العلمي (الشرق الأوسط)

«الحياة الفطرية السعودية» تعلن ولادة 4 أشبال للفهد الصياد

أعلنت السعودية إحراز تقدم في برنامج إعادة توطين الفهد، بولادة أربعة أشبال من الفهد الصياد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.