رحلة فوتوغرافية تعيد اكتشاف جماليات معالم مصر الأثرية

قناع توت عنخ آمون للفنان محمد كمال (الشرق الأوسط)
قناع توت عنخ آمون للفنان محمد كمال (الشرق الأوسط)
TT

رحلة فوتوغرافية تعيد اكتشاف جماليات معالم مصر الأثرية

قناع توت عنخ آمون للفنان محمد كمال (الشرق الأوسط)
قناع توت عنخ آمون للفنان محمد كمال (الشرق الأوسط)

في محاولة لاستكشاف مستقبل مصر، عبر إبراز جماليات الماضي بحضارته ومعالمه الأثرية والسياحية، ورسوخ وصمود البشر في الوقت الحاضر، فتح المعرض الفوتوغرافي «رحلة إلى ماضي مصر ومستقبلها» الباب للتأمل في الماضي والحاضر والمستقبل، بعد إعادة اكتشاف جماليات الحضارة المصرية ومعالمها الثرية عبر سرديات فوتوغرافية سعت إلى تفكيك المفردات الفنية والمكونات الجمالية الفريدة بالمناطق الأثرية الشهيرة، والميادين والشوارع العتيقة، بما تحمله من دلالات الاستمرارية وامتزاج الماضي بالحاضر، بهدف إعادة قراءة عناصر الجمال، والإمساك بخيوطه الدقيقة لرسم مسارات جديدة تضع البشر في مكانهم الطبيعي وسط تفاعلات الحياة واستمرار الحضارة الإنسانية.
المعرض ينظّمه وفد الاتحاد الأوروبي لدى مصر، بالتعاون مع وزارات السياحة والآثار، والبيئة، والإعلام المصرية، ويضم 30 صورة فوتوغرافية، هي الأعمال التي تم اختيارها ضمن النسخة الثالثة عشرة من مسابقة التصوير الفوتوغرافي السنوية، وتحمل هذا العام عنوان «رحلة إلى ماضي مصر ومستقبلها» بهدف إلقاء الضوء على جمال المعالم الأثرية التاريخية، والمشاريع الحديثة المتميزة، والصلة بين حضارة مصر ومشاريع التنمية المستدامة الحديثة التي يجري تنفيذها في الكثير من المجالات.
ويُقدم المعرض الذي يستضيفه المتحف القومي للحضارة، ويستمر افتراضياً عبر الإنترنت، رحلة فوتوغرافية تتميز برؤية فنية مغايرة تربط البشر بالأثر وترصد تفاصيل تفاعلاتهم اليومية، ويبدو جلياً أن ثمة تداخلا فنياً واضحاً بين أجواء المتحف بسيناريوهات العرض المتحفي التي تُبرز مراحل تطور الحضارة المصرية في مجالات شتى، وبين الرؤية العامة للأعمال المشاركة، إذ يشكلان معاً حالة فنية تمتزج فيها الحضارة بالبشر وواقعهم اليومي، خصوصاً بما يقدمه الفنانون المشاركون من أفكار جديدة ورؤى مغايرة، وفق الفنان الفوتوغرافي، حسام دياب، عضو لجنة تحكيم المسابقة، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «المعرض يقدم وجبة فنية شهية عبر رحلة في كثير من المعالم الأثرية المصرية، ترصد جماليات مصر بحضارتها وثقافتها وتراثها، وفي وسطهم البشر، من خلال أفكار مختلفة ورؤى فنية جديدة لجيل مختلف من الفوتوغرافيين».
وتتضمن صور المعرض رؤية جيل جديد من الشباب، وتُعيد اكتشاف تلك الخيوط غير المرئية، ففي أحد الأعمال تظهر فتاة بمكتبة الإسكندرية وخلفها مجموعة من البورتريهات المُعلقة على الجدار لشخصيات تاريخية مصرية وعربية من كتاب وفلاسفة وعلماء، كأنهم يراقبون المشهد، بينما يبدو أن ثمة تواصلاً ما بين البورتريهات وحركة الحياة في دلالة على تداخل الماضي والحاضر.
ومن أبرز المعالم المصرية الشهيرة التي تم إبراز جمالياتها بشكل مميز، كان معبد أبو سمبل بمدينة الأقصر (جنوب مصر) حيث التُقطت الصورة من أعلى، لتُظهر تفاصيل فنية مغايرة، بينما أبرزت صورة أخرى «مفتاح الحياة» الموجود على باب المعبد، وحملت صورة يظهر فيها رأس تمثال أبو الهول، وشخص يمتطي جملاً أمامه، ويبدو فيها رأس التمثال كبيراً يتضاءل أمامه راكب الجمل.
وتحت عنوان «الملك الثابت عبر العصور» ظهر الفرعون الشهير توت عنخ آمون في عمل للفوتوغرافي محمد كمال، برؤية مختلفة، حيث التُقطت صورة قناعه الذهبي المعروض بالمتحف المصري بالتحرير، وتبدو فيها حركة الجمهور كأنها تعزز رسوخ الملك وثباته، ويقول كمال لـ«الشرق الأوسط» إن «الصورة تعتمد على الثابت والمتحرك، فيظهر القناع ثابتاً راسخاً، بينما الجمهور متحرك ويتغير باستمرار، في دلالة على علاقة الأثر بحركة الحياة اليومية».
ومن بين الأعمال التي توثق واقع الحياة اليومية واستمراريتها صورة للصحافي والمصور الشاب عبد الله عويس، جمعت تفاصيل متنوعة ومفردات تراثية تنتمي إلى عصور مختلفة، حيث التقط عويس صورته من بناية مرتفعة، وتظهر فيها مجموعة كبيرة من المعالم، تبدأ بدار الأوبرا المصرية وتمثال سعد زغلول، ثم كوبري قصر النيل بأسديه الشهيرين، وصولاً إلى ميدان التحرير والبنايات المحيطة به، والمسلة التي تمثل العصر الحديث ومشروعات التطوير، ويقول عويس لـ«الشرق الأوسط»: «حرصت على إبراز بعض المعالم التي تنتمي إلى حقب وعصور مختلفة، بالتزامن مع تسليط الضوء على تفاصيل الحياة اليومية على غرار حركة السيارات والبشر لإضفاء حيوية على المشهد».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».