جولة نائبة الرئيس الأميركي، كمالا هاريس، في عدد من دول أميركا اللاتينية لم تشكل فقط الاختبار الأول لقدراتها القيادية والسياسية، بل شكلت إعلاناً لافتاً أيضاً عن استدارة الإدارة الديمقراطية في الموقف من التعامل مع تلك الدول منبع قوافل المهاجرين، الشرعيين منهم وغير الشرعيين، إلى الولايات المتحدة. وعلى الرغم من إعلانها أن معالجة تلك المشكلة تتطلب البحث في كيفية التنسيق مع تلك الدول على نوع المساعدات وشكلها، وزيادة الاستثمارات فيها لمعالجة الفقر والجريمة، وزيادة فرص العمل وتأثيرات تغير المناخ، التي تدفع الملايين لمغادرة بلدانهم إلى أميركا، كما قالت في غواتيمالا. لكنها أضافت في رسالة صارمة أمام الرئيس الغواتيمالي: «عليكم التوقف وعدم المجيء؛ سنقوم بإعادتكم». وفي المكسيك، وعلى الرغم من تأكيدها على الروابط التي تجمع البلدين، حذرت بشكل صارم أيضاً أولئك الذين يفكرون في المجيء من أن «عليهم أن يفكروا في أن رحلتهم قد تكون غادرة خطيرة للغاية».
وتصريحاتها هذه عدت عينة مما تعده لمستقبلها السياسي الواعد في السنوات المقبلة، ورسالة متعددة الأوجه، سواء تجاه الجمهوريين الذين لطالما استخدموا قضية المهاجرين سلاحاً للتحريض السياسي، أو اليساريين في حزبها الذين يواصلون الترويج لأفكار «مثالية» عن كيفية التعامل مع تلك المعضلة. وعد كلامها تراجعاً عما وعدت به حملة بايدن. غير أن الانتقادات لهاريس، خصوصاً من الجمهوريين، لم تكتفِ بالتساؤل عن أسباب عدم زيارة الحدود، بل طالت أيضاً تغيبها عن المسرح الدولي، حيث لم تقم حتى الآن بزيارة أوروبا، إحدى أبرز حلفاء أميركا، بحسب تعليقات على محطات التلفزة الأميركية في اليومين الماضيين.
وبعدما شجبت هاريس وبايدن سياسات إدارة ترمب تجاه الهجرة، متهمين إياها بانتهاج سياسات قاسية لفصل العائلات، وكذلك جهوده لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، متعهدين بسياسة تدعم «القيم الأميركية»، شهدت الأشهر الأولى من عهد إدارتهما تدفق آلاف الأميركيين اللاتينيين نحو الحدود الأميركية، بما في ذلك أعداد قياسية من الأطفال والمراهقين غير المصحوبين بذويهم. وسارع الجمهوريون إلى إلقاء اللوم على ما قالوا إنها إشارات من البيت الأبيض إلى أن الحدود مفتوحة على مصراعيها، ونجحوا في إظهار نقاط ضعفه في هذا الملف، على الرغم من نجاحه في معالجة وتطويق جائحة فيروس كورونا. وبحسب تقارير أمنية رسمية، فقد ارتفع منذ بداية عهد بايدن عدد المهاجرين الذين يحتجزهم عملاء الولايات المتحدة كل شهر إلى أعلى المستويات منذ 20 عاماً، في تجاوز كبير للأعداد التي سجلت خلال عهد ترمب كله. وهو ما عد إشارة قوية عن تغير خطاب بايدن وتشدده في هذا الملف.
وما عزز من الانتقادات لهاريس أنه حتى الرئيس الغواتيمالي، أليخاندرو جياماتي، قال خلال لقائه بها يوم الاثنين إن سياسات بايدن أدت إلى زيادة الهجرة من بلاده. وردت هاريس بالقول إنها تركز على معالجة الظروف الصعبة في بلدان مثل غواتيمالا وهندوراس والسلفادور. وقالت الثلاثاء: «أريد أن أكون واضحة للغاية؛ المشكلة على الحدود في جزء كبير منها، إن لم يكن بالكامل، تنبع من المشكلات في هذه البلدان. لا أستطيع أن أقول ذلك بما فيه الكفاية: لا يرغب معظم الناس في مغادرة بلدانهم. وعندما يفعلون، يكون ذلك عادة لسببين: إما أنهم يفرون من الأذى، أو لأن بقاءهم يعني أنهم لا يستطيعون تلبية الاحتياجات الأساسية لإعالة أسرهم ورعايتها».
وعندما تعرضت لأسئلة من الصحافيين عن أسباب عدم زيارتها للحدود، أجابت بأنها أيضاً لم تقم بزيارة أوروبا، وبأنها ستزور الحدود في وقت ما، وهو ما استغله الجمهوريون لإظهار موقفها الضعيف، مطلقين عليها لقب «قيصر الحدود»، في إشارة إلى عمليات الاعتقال الكثيفة للمهاجرين غير الشرعيين.
وفي المقابل أظهر عدد من الديمقراطيين اعتراضهم على تصريحات هاريس القاسية عن المهاجرين، وخصوصاً من اليساريين، حيث قالت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، في تغريدة لها: «هذا أمر مخيب للآمال». وأضافت: «أولاً طلب اللجوء على أي حدود أميركية هو وسيلة قانونية مائة في المائة، ثانياً أمضت الولايات المتحدة عقوداً في المساهمة في تغيير النظم وزعزعة الاستقرار في أميركا اللاتينية؛ لا يمكننا المساعدة في إشعال النار في منزل شخص ما ثم نلومه على الفرار».
البيت الأبيض، من جهته، دافع عن عدم زيارة هاريس للحدود. وقالت المتحدثة باسمه، جين بساكي، خلال مؤتمرها الصحافي اليومي: «أتوقع في وقت ما ذهابها إلى الحدود، ولكن كما نعلم تركيزها على وجه التحديد هو على العمل مع القادة في المثلث الشمالي». وكان البيت الأبيض قد شدد على أن دور هاريس سيكون دبلوماسياً، وليس إدارياً، كالدور الذي لعبه بايدن في عهد باراك أوباما.
وشددت هاريس على أن إدارة بايدن مصممة على إحراز تقدم في التخفيف من الفساد والصراعات الاقتصادية في بلدان المثلث الشمالي، في تصريحات أدلت بها إلى جانب الرئيس الغواتيمالي المتهم هو نفسه بقضايا فساد في بلاده.
وأعلنت أن وزارة العدل ستنشئ فرقة عمل لمكافحة الفساد للمساعدة في ملاحقة القضايا المرتبطة بهذا المثلث، ومصادرة أصول الجناة. كما أعلنت أن الولايات المتحدة ستستثمر أيضاً 48 مليون دولار لدعم ريادة الأعمال والابتكار في غواتيمالا، فضلاً عن الإسكان والزراعة بأسعار معقولة. وتعهدت إدارة بايدن بالفعل بتقديم 310 ملايين دولار في صورة مساعدات إنسانية إقليمية، ولديها خطة بقيمة 4 مليارات دولار لتعزيز التنمية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، ستتلقى غواتيمالا أيضاً 500 ألف جرعة لقاح لفيروس كورونا، مع وعد بتقديم مزيد، في جزء من تخصيص الولايات المتحدة لدول نصف الكرة الغربي. وشددت هاريس وإدارة بايدن على أن المساعدات الأميركية لا يمكن أن تعالج المشكلة بمفردها، وأنها ستسعى إلى حض الشركات الأميركية على الاستثمار في دول المثلث الشمالي.
هاريس توجه خطاباً قاسياً للمهاجرين
جولتها في أميركا اللاتينية تكشف تغييراً في سياسات بايدن
هاريس توجه خطاباً قاسياً للمهاجرين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة