«تأملات» تشكيلية في الألوان والطبيعة والعنف

المعرض المصري يحتفي بمسيرة الفنانة نازلي مدكور

مدكور مع الفنان فاروق حسني
مدكور مع الفنان فاروق حسني
TT

«تأملات» تشكيلية في الألوان والطبيعة والعنف

مدكور مع الفنان فاروق حسني
مدكور مع الفنان فاروق حسني

لا تزال الورود والنباتات تشكِّل العالم المفضل للفنانة التشكيلية المصرية نازلي مدكور، فبعد سلسلة من المعارض المكرِّسة لهذا العالم الفريد على مدار عشر سنوات كاملة أبرزها «حدائق خاصة» و«عندما يأتي الربيع»، تعود الفنانة المخضرمة التي تخطو خطواتها الأولى على طريق العقد السابع من العمر لخطف الدهشة من عيون جمهورها في معرضها الجديد «تأملات» والذي يستمر بغاليري «بيكاسو» بحي الزمالك بالقاهرة حتى الحادي عشر من يونيو (حزيران) الجاري.
تنفض الطبيعة عن نفسها الصمت والسلبية في ثلاثين لوحة تشكل الإطار العددي للمعرض، فتشعر بالزهور وهي تأخذ بزمام المبادرة فتتحدث إليك لتبوح بالمسكوت عنه، تارة تبدو سعيدة هانئة، وتارة أخرى تبدو غاضبة كأنها ترفع شعار «ممنوع الاقتراب أو التصوير»... فما سر هذا التنوع؟
طرحنا السؤال على الفنانة فأجابت: «الإنسان بشكل عام، والفنان على نحو خاص، لا يعيش على وتيرة واحدة وإنما يتعرض في اليوم الواحد لعدد من الحالات المزاجية المختلفة بل المتناقضة، وهذا ما ينعكس على لوحات هذا المعرض الذي اشتغلت عليها لمدة عامين تأثرت فيهما بلا شك بأجواء جائحة كورونا وما صاحبها من حظر وتباعد اجتماعي وجو عام مقبض، ورغم محاولاتي قدر المستطاع عدم الاستسلام للجزء الرمادي في الأزمة أقدم بعض اللوحات التي تحمل رائحة البهجة رغم كل شيء».
وتضيف نازلي مدكور في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «لا أخطط مسبقاً للوحة، أكتفي بالحد الأدنى من الانفعال مع شيء من الإلهام ثم أشرع في العمل على اللوحة دون أن أعرف كيف ستكون النتيجة النهائية، أترك مشاعري وقراءاتي وخبراتي البصرية وملاحظاتي العامة تقودني في أثناء الرسم الذي يتحول إلى رحلة أستمتع فيها بما يصادفني من مفاجآت، حيث لا أعرف أبداً متى تحل المحطة الأخيرة».
وعادةً ما تحظى أعمال الفنانة المتزوجة من الكاتب الكبير محمد سلماوي باهتمام إعلامي واسع وحضور نخبوي، ولم يكن هذا المعرض استثناءً فقد قام بافتتاحه السيد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية بحضور عدد كبير من سفراء الدول الأجنبية المعتمدين بالقاهرة.
واللافت أن الألوان في المعرض لا تأتي على وتيرة واحدة، فبينما يظل حضور الأخضر متوقعاً، تتوالى درجات من الأحمر والأصفر والأزرق والرمادي لتجعل اللون يتجاوز مهمته كوسيط معبّر أو إطار خارجي للعمل ليصبح هو في حد ذاته بطلاً مستقلاً قادراً على رسم الانطباع النهائي في ذهن المتلقي، فهل هناك فلسفة معينة تتعامل بها الفنانة من الألوان؟ مرة أخرى تجيبنا نازلي مدكور: «أترك مشاعري وانفعالاتي لتقرر أيضاً هوية اللون الذي قد يتوارى هامساً أو يعلن عن نفسه بقوة وعنف».
يدشن المعرض مسيرة أربعين عاماً قضتها الفنانة في صحبة الفرشاة والخطوط والظل والنور، حيث عملت عقب تخرجها في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، خبيرة اقتصادية بالأمم المتحدة وباحثة بالجامعة العربية قبل أن تتخذ قرارها المبكر للغاية بالاستقالة والتفرغ للفن: «لم يكن القرار سهلاً لكنه كان حتمياً، ففي عز نجاحي المهني وأنا لا أزال شابة في مقتبل العمر أدركت أن الفن هو ما أريده ولا شيء آخر، حاولت الجمع بين مهنتي وبين الرسم بضعة أشهر، لكني فشلت، كنت أدرك في أعماقي أن تجربتي في التفرغ للفن ستكون قريباً من مبدأ: كل شيء أو لا شيء».
وفضلاً عن عشرات المعارض المحلية والدولية، عملت نازلي مدكور «قوميسير» لمعرض «الفنانات المصريات» في الصين 1995، كما كانت عضواً بلجنة التحكيم في بينالي القاهرة الدولي للفنون 2010، وصدر لها كتاب «المرأة المصرية والإبداع الفني» بالعربية والإنجليزية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».