أنشطة وعروض ثقافية في فضاءات غير مألوفة

«رقصة العقاب».. تظاهرة ثقافية في ريف تونس

أنشطة وعروض ثقافية في فضاءات غير مألوفة
TT

أنشطة وعروض ثقافية في فضاءات غير مألوفة

أنشطة وعروض ثقافية في فضاءات غير مألوفة

فوق مرتفعات جبل سمامة (منطقة القصرين في وسط غربي تونس)، وهو جبل تكرر اسمه أكثر من مرة في نشرات الأخبار المتعلقة بالأحداث الإرهابية، افتتحت مجموعة من الشباب التونسي، يوم أول من أمس، تظاهرة «رقصة العقاب» في مركز ثقافي جبلي. وشبهت الصحافة التونسية ما وقع في هذا الموقع المتصل بالأحداث الإرهابية التي تحصل في مرتفعات الوسط الغربي التونسي، بـ«إنزال ثقافي» جرى في مكان معزول من الجبل يعرف باسم «المريفق»، فيما كان الاختتام فوق هضبة جبلية تعرف باسم«راقوبة العقاب».
وتتضمن التظاهرة عدة أنشطة وعروض ثقافية في فضاءات غير مألوفة، وستكون الفرجة السينمائية فوق مقاعد «سيني - جبل»، وهي من التبن (علف الحيوانات في المناطق الريفية) وستفرش أمامها الحلفاء النبتة المميزة لمنطقة القصرين، عوضا عن السجاد الأحمر والفضاء المخصص للسينما كان في الأصل مدجنة، وقد تبرع بها أحد سكان المنطقة لفائدة تلك المظاهرة.
وبشأن هذه التظاهرة، قال عدنان الهلالي أحد الوجوه الثقافية المعروفة في منطقة سبيطلة وسط غربي تونس إن الهدف الأساسي من وراء تظاهرة «رقصة العقاب» يكمن في محاربة كل الأفكار المتطرفة والتوجه إلى الإرهابيين في معاقلهم، والسماح لأبناء الأرياف التونسية بالمساهمة في العمل الثقافي، والاستمتاع بالسينما والفنون التشكيلية وغيرها من الفنون. وأضاف قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن تلك المناطق الريفية في حاجة أكيدة للأنشطة الثقافية كرسالة سلام لكل الناس، وهو ما ينزهها عن احتضان الأفكار الإرهابية، على حد قوله.
وتعرض بالمناسبة لوحة تشكيلية تحمل عنوان «قنطرة السينما»، وهي لوحة أعدها شباب المغارة تحكي معاناة سكان «المريفق» في جبل سمامة الذين يعزلهم وادي الحسيان عن بقية الأرياف، وتضاعفت معاناتهم مع تأزم وضعية الجبل بالأحداث الإرهابية المتتالية.
أما زينب بن أحمد المبدعة الريفية العصامية، فهي تتحدى التصحّر الثقافي، وتقرر أن تبدأ ورشتها في حقل الصبار.. أما لوحاتها، فعرضت على أشواك الصبار، وتحدتها وطوعت أشواكها، كي تصبح مرسما وعُشّا للفعل التشكيلي على سفح جبل سمامة.
وحضرت هذه التظاهرة الفريدة من نوعها في تونس، القناة الفرنسية الخامسة وقناة سويسرية، لتغطية هذا الحدث الثقافي النوعي كما حضر المخرج الفرنسي إيمانويل غرا، والمخرج التونسي أنيس لسود، والممثل التونسي عبد الحميد قياس، وكانوا من ضيوف التظاهرة هذا بالإضافة إلى فريق «زواولة للغرافيتي» من تونس والفنان الإيفواري «ياكوزا كوناتي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».