رحمة رياض «المُشاغبة»: العراق يستحق الأفراح

غنت على أحد أسطح بيروت واستعادت «البدايات الشقية»

رحمة رياض في حلقة «غنّي ع العالي»
رحمة رياض في حلقة «غنّي ع العالي»
TT

رحمة رياض «المُشاغبة»: العراق يستحق الأفراح

رحمة رياض في حلقة «غنّي ع العالي»
رحمة رياض في حلقة «غنّي ع العالي»

بدت رحمة رياض مرتاحة وهي تدندن جمال الأغنية العراقية. بالجينز والكعب العالي، أطلت في حلقة «غني ع العالي»، مع ملك الحسيني عبر شاشة «أبوظبي» الأسبوع الماضي. على أحد أسطح بيروت التواقة إلى الحياة من عمق الأسى والتلوع، تراءى الهواء منعشاً ذلك المساء. اتخذت الفرقة الموسيقية مكانها وسط ديكور قريب من القلب، مع سجاد على الأرض لشيء من الحميمية. لم تأتِ الفنانة العراقية الشابة بإطلالة مُتكلفة. لكل مقام مقال، والمقام هنا عفوي، بسيط، لا يشترط إفراطاً في البهرجة. عرضٌ حي في الفضاء البيروتي، من دون جدران ومساحات ضيقة، قدمت فيه الضيفة غناءها وتحدثت عن النشأة والأضواء.
تُذكر الأجواء ببدايات الحجر المنزلي، حين قدم فنانون حفلات أونلاين على السطوح لتخفيف الأثقال الإنسانية. هنا، بدايات استعادة الحياة بعد إحساس بأنها كانت مسلوبة وقد أفلتت تماماً من أيدي البشر. فنانون مروا على البرنامج: كارول سماحة، رامي عياش، ملحم زين، جوزف عطية، عبد الفتاح الجريني، وآخرون ينورون ليالي الخميس، التاسعة بتوقيت السعودية. تستضيفهم الفنانة المصرية ملك الحسيني كأن اللقاء من دون كاميرات. سهرة أصدقاء عنوانها الغناء والسرد. تخشى رحمة رياض مللها من أغنياتها، فتنتقي بعضها في مشاوير السيارة. «إحساس مش عادي»، تعلق مُحاوِرتها. و«الله الله»، للحماسات. تغني «ماكو مني»، وتروي سيرتها: «أرسلها الملحن علي صابر لي عبر الفويس. وجدتُ لحنها مختلفاً». تترحم على والدها، وتتذكر بدايات الرحلة. كانت في الحادية عشرة حين لمعت الموهبة. أصرت الوالدة: «عليكِ أن تُكملي»، فدعمتْ وشجعتْ. لم تعرف حياة مستقرة. «ماما تِحب الترحال»، فلم تُكمل الدراسة بانتظام. مشاغبة منذ الصغر، تُخبر ملك الحسيني وتضحكان. حتى أنها لم تُكمل دراسة العود لئلا تضطر إلى تقليم أظفارها! وكانت عنيدة. «ما أقعُد في البيت. ألعب برا». وعلى عكس ما قد يزعمه البعض حين يتعلق الأمر بالسمعة والصورة، اعترفت: «كنتُ الأكسل في الصف. أنا مش عايزة ركز!». وما هو أكثر صراحة: «لستُ فنانة إلا في الحفلات، أمام الفرقة الموسيقية. لا أغني في البيت ولا أدندن في الجلسات». شابة من العراق هي اليوم «ترند» في «السوشيال ميديا». تعنيها صورتها ودرجات العفوية. ويعنيها التأثير في الشباب ومزاجهم وتغريداتهم. لم يفت محاوِرتها سؤالها عن الجدل، «أنتِ تثيرين الضجة». ترد بأنها عفوية «والعالم مش متعودة». وتفسر: «أتصرف على طبيعتي، في البيت والغناء ولجنة تحكيم (عراق أيدول). لم يعد ممكناً التخفي اليوم مع فورة مواقع التواصل».
وعلى سيرة لجان التحكيم، اختصرت: «لا أفهم الرابط ما بين السن والخبرة. لا علاقة». بدت يقظة حيال الوقوع في أي حفرة. مُحاوِرتها مُريحة، لا مشاكَسة في الأسئلة ولا مضايقات. نوع البرنامج للترفيه والاستراحة، لا لاستفزاز لعبة الإحراج. غناء ودردشة، فيما ليل بيروت يعض على أوجاعه، بالنسائم وبعض الضوء.
يستحق العراق الفرح، ولو كان على هيئة شابة تمثل جيلاً يبحث عن تحقيق الذات وبلوغ الارتفاعات. تشتاق الأرض المغمسة بدماء أبنائها إلى نبتة تُمهد للعطر والولادات. أمكن أغنية، أو فنانة أو مواويل، إحياء شيء من بقايا الأمل. وقد تكون رحمة رياض بمثابة درس للشباب، فينظرون إلى الغد بأقل خسائر. هنا، أولاً، جدوى حضورها. تذكرت المرة الأولى حين غنت في الحديقة، وكانت خائفة. يسكنها الشجن العراقي، «كأن العراقيين جميعاً يغنون بحس واحد». أي ذكريات تحرك الحنين إلى الوطن، بعدما تعددت الأسفار وتدخلت الأقدار في رسم المصير؟ «الألفة»، تجيب. «كان الجار للجار، وكنا عائلة». اليوم، تقريباً، لا صداقات. تشعر بشيء من الاكتفاء بذاتها، في زمن علاقات المصالح. أصدقاؤها هم «بتوع زمان». «قديمك يديمك»، تُحاول تذكر المثل الشعبي. «الحياة مصلحة، ثم إنه لا ينفع إرغام أحدٍ على تَحمل أحد. تَحمل الشخصيات مسألة صعبة، فأحافظُ على الأصدقاء القدامى، يعرفونني وأعرفهم، يتحملونني وأتحملهم». لم يتوقف الحديث طويلاً أمام مرحلة «ستار أكاديمي». ولا ذكريات الأكاديمية وما تبقى منها بعد السنوات. أرادت رحمة رياض القول إنها شابة عقلانية، تدرك المتغيرات وتتفهم تبدل الأحوال. وهي إن لم تصرح بارتباط عاطفي، قبل إعلان خطوبتها من ألكسندر علوم، فذلك لأنها تمنح الأشياء وقتها، والفن يُصادر الوقت. أما اليوم، فتشاء لو تصبح أماً، وتنجب طفلاً يهرول أمامها أثناء الغناء. ومواصفات رجل الأحلام؟ «التشجيع والتفهم والإيمان بي كامرأة. مع المرأة في كل مسائل الحياة».
لحظات تأثر مع تذكر الوالد في نهاية اللقاء: «حبيبي بابا. كان صديقي والحب الأول. لم أصدق يوماً موته. حين عدتُ إلى العراق بعد رحيله، شعرتُ بالرعب». ثم عادت أجواء الفرفشة، فغنت للبنانية يارا: «يا عايش بعيوني، يا أغلى من عيوني، بمشي دربك يا حبيبي لو كلن ردوني». تُحب لبنان وقد سكنت مدة في ربوعه. رافق البدايات ولحظات الصعود، وكان الحضن. وتحب فيروز «التي غيرت مقاييس الموسيقى». ماذا يتبقى سواها؟ كل ما عدا هذه الفرادة الربانية عذابٌ وقهر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».