«الوطني الحر» يربك مساعي تشكيل الحكومة اللبنانية

قال إن الصيغة المطروحة «انقلاب على الدستور»

TT

«الوطني الحر» يربك مساعي تشكيل الحكومة اللبنانية

أربك «التيار الوطني الحر»، أمس، المساعي الأخيرة الهادفة للتوصل إلى حل ينهي أزمة المعضلة الحكومية، عبر رفضه مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري القاضية باعتماد صيغة حكومية من 24 وزيراً، لا تتضمن ثلثاً معطلاً لأي طرف، وتقسم الوزراء إلى (8+8+8)، واصفاً هذه الصيغة بأنها «مثالثة مقنعة» و«انقلاب على الدستور»، بالنظر إلى أنها «تتخطى المناصفة الفعلية» بين المسلمين والمسيحيين، بحسب ما يقوله التيار.
ولوح التيار، أمس، بخيارات أخرى، بينها انفتاحه على أن يترأس الحكومة شخص غير الحريري، وتقصير ولاية مجلس النواب، ما يعني الذهاب إلى انتخابات مبكرة، ودعوة رئيس الجمهورية إلى طاولة حوار تلتئم فيها الكتل النيابية.
ويتمسك رئيس مجلس النواب بمبادرته، كونها الفرصة الأخيرة لتشكيل حكومة تشرع بالإصلاحات، وتضع حداً للتدهور المالي والاقتصادي، وتعيد تحريك عجلة البلد الغارق بأزماته. وتقول مصادر قريبة من بري لـ«الشرق الأوسط» إن الترويج لموت المبادرة «غير صحيح»، مشددة على أن بري «متمسك بمبادرته، ولن يتراجع عنها، وهو مستمر بها»، وذلك في غياب أي بديل في وقت «يحتاج لبنان إلى حل يرحم اللبنانيين، وينقذ البلاد».
وأبدى المجلس السياسي في «التيار الوطني الحر»، أمس، قلقه «من أن تؤدي المماطلة في تشكيل حكومة إنقاذية فعالة إلى بلوغ نقطة اللاعودة في مسار الانهيار المالي، وما ينتج عن ذلك من مخاطر معيشية واضطرابات اجتماعية».
وجدد المجلس دعوة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري إلى «القيام بواجباته الدستورية والوطنية، فيقدم تشكيلة حكومية تراعي الأصول الدستورية والقواعد الميثاقية، ويتفق عليها مع رئيس الجمهورية، لتأخذ طريقها إلى الثقة في مجلس النواب، فتلتزم ببيان وزاري إصلاحي ينتظره اللبنانيون على قاعدة المبادرة الفرنسية ومتطلبات صندوق النقد الدولي».
وإذ أكد المجلس التزام التيار بحكومة اختصاصيين برئاسة الحريري، أعلن عن «انفتاحه على أي حكومة يتوافق عليها اللبنانيون»، وأعرب عن رفضه «رفضاً قاطعاً لأي انقلاب على الدستور، بتخطي المناصفة الفعلية، وتكريس أعراف جديدة، بالحديث عن مثالثة مقنعة يحاول بعضهم الترويج لها على قاعدة ثلاث مجموعات من ثمانية وزراء، يقود كلاً منها أحد المكونات الأساسية في البلاد، مع تأييده استثنائياً لهذه المرة، ألا يكون لأي فريق أكثر من 8 وزراء»، وذلك في إشارة إلى مبادرة بري.
وعد المجلس أنه «في حال الإصرار على عدم تشكيل حكومة، وفي ضوء الانحلال المتسارع في بنية المؤسسات، وامتناع الحكومة المستقيلة عن القيام بواجباتها في تصريف الأعمال بما تقتضيه المرحلة، وأبسطها حل مشكلات الترابة والنفايات والمواد الأساسية، فإن خيار تقصير ولاية مجلس النواب يصبح عملاً إجبارياً، وإن كان سيتسبب بمزيد من هدر الوقت، فيما لبنان بأمس الحاجة للإسراع بإقرار القوانين الإصلاحية».
وجدد المجلس اقتناعه بـ«ضرورة أن يدعو رئيس الجمهورية إلى حوار تشارك فيه الكتل البرلمانية لبحث الخيارات والأولويات بالإصلاح، واستكمال تشكيل السلطة التنفيذية، والتصدي للتحديات المصيرية التي يواجهها اللبنانيون، وتمس وجودهم وموقع بلادهم، في ضوء متغيرات خارجية ستفرض قريباً أمراً واقعاً جديداً».
وقال: «من مصلحة اللبنانيين أن تكون لهم رؤية موحدة في قراءة المتغيرات، وموقف موحد يجيب عن الأسئلة التي يطرحها كل لبناني حول النظام السياسي والاقتصادي الأفضل في المرحلة الجديدة من تاريخنا».
ومن شأن هذا الموقف أن يربك المساعي الأخيرة الآيلة إلى تأليف الحكومة وفق مبادرة بري، على الرغم من إعلان النائب عن «التيار» سيمون أبي رميا، في حديث تلفزيوني، أنه لا يستبعد ولادة حكومة، حيث قال: «خلال الـ48 الساعة الماضية، فُتحت قنوات جديدة، وهناك عمل جدي حول بعض الأفكار، والفرنسيون دخلوا على الخط بالتواصل مع جميع اللبنانيين، وبري و(حزب الله) يقومان بدورهما».
وفي مقابل تصعيد التيار لمواقفه، عد رئيس الهيئة التنفيذية في حركة «أمل»، مصطفى الفوعاني، أن «الرئيس بري مستمر في مبادرته لأنه لا أمل بالخلاص مما نعيشه إلا بتشكيل حكومة تمنع الانهيار، وتنقذ البلد مما آلت إليه الأمور». وقال عضو كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري، النائب محمد نصر الله، إنه «أمام عدم انبلاج فجر تشكيل الحكومة، وفي ظل عدم وجود فرصة مواتية متاحة، أطلق الرئيس بري مبادرته التي -كما شعرنا- حظيت بتأييد دولي وإقليمي، ومن بعض الفرقاء المحليين، ولكن حتى الآن لم تجد هذه المبادرة طريقها إلى التنفيذ بتشكيل حكومة، إلا أن الرئيس بري لا يستطيع أن يجلس مكتوف الأيدي أمام حقيقة مرة، مفادها أن البلد غرق، ولم يبق منه إلا القليل، ولن يتوقف عن البحث عن مخارج وحلول وتدوير للزوايا من أجل بلوغ الغاية المنشودة، وهي تشكيل الحكومة، بصفتها المعبر الإلزامي والمفتاح السحري للبدء بمعالجة الأمور، مع العلم بأن تشكيل الحكومة لا يعني بالضرورة نهاية المشكلة، لكنه بداية وضع نهايات للمشكلة الاقتصادية».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).