سنوات السينما

سهير رمزي في «المذنبون»
سهير رمزي في «المذنبون»
TT

سنوات السينما

سهير رمزي في «المذنبون»
سهير رمزي في «المذنبون»

- «المذنبون» (1975)
- جريمة واحدة والجميع مُدان كلهم هنا...
- ★★★
سهير رمزي وحسين فهمي وزبيدة ثروت وكمال الشناوي وسمير غانم وتوفيق الدقن وعماد حمدي وعمر الحريري وعادل أدهم وصلاح ذو الفقار ويوسف شعبان وإبراهيم خان. وكلهم مذنبون ما عدا محقق المباحث (عمر الحريري) ومساعده (سعيد عبد الغني). وهناك دور لعبد الوارث عسر كأب مسكين لا حول له ولا قوّة حيال ما يحدث لابنته (زبيدة ثروت).
يبدأ الفيلم من نهايته. يهرع أحمد (حسين فهمي) للهاتف الذي لا يتوقف عن الرنين حين الدخول مع صديقين له منزله. ظاهرياً يتحدّث مع خطيبته سناء (سهير رمزي) ويكرر «عاوز يقتلك؟» ثم يهرع مع صديقيه خارجاً لبيت الخطيبة ليجدها مقتولة بطعون في «أماكن حسّاسة» كما يقول تقرير الطبيب الشرعي.
إذ ينطلق المحقق في بحثه عمّا دار في تلك الليلة يكتشف سريعاً أن منزلها الكبير والفخم، كون سناء ممثلة مشهورة، كان حافلاً بالشخصيات. فيتناول التحقيق معها. كل واحد يروي سبب وجوده هناك ومتى خرج وإلى أين ذهب. لكن في باطن رواية كل واحد اعتراف يؤدي به إلى السجن لأنه مذنب في قضايا أخرى وإن لم يكن مذنباً بارتكاب جريمة القتل: المنتج اللبناني (نبيل بدر) يستغل مكانته لتهريب الذهب. فهمي القليوبي (توفيق الدقن) يستغل مركزه كمسؤول تموين ليسرق الأغذية لحساب أصحاب المقامات. وناظر المدرسة (عماد حمدي) الذي يسرّب أسئلة الامتحانات لقاء رشوة وهذا لجانب السياسي (كمال الشناوي) والمدير في مؤسسة حكومية (ذو الفقار) واللص (عادل أدهم).
كلهم فاسقون وفاسدون، والمحاولة المنقولة عن قصّة لنجيب محفوظ ووضع السيناريو لها ممدوح الليثي، هي تقديم نماذج اجتماعية يعيش بعضها على أكتاف بعض وتلتقي عند الممثلة التي لديها علاقات جنسية مع نصف المذكورين، وخطيبها الذي لم يعد يستطيع كبح شعوره بالتهميش يكشف في النهاية، وبفضل تصميم المحقق على معرفة الجاني، أنه هو القاتل، ونرى بداية الفيلم بتفصيل أكثر في نهاية الفيلم.
المفاد هنا اجتماعي وليس بوليسياً. تقع الأحداث في فترة الانفتاح الاقتصادي لكنها تمتد لمعاينة جذورها في الفترة الاشتراكية. الرئيس الراحل أنور السادات منع الفيلم لسنتين، ومدير الرقابة سعد الدين وهبة أعاده إلى الصالات بعدما اختاره كأحد أفلام الدورة الأولى لمهرجان القاهرة حيث لاقى إقبالاً وإعجاباً.
لكن النظر إلى الفيلم من أعين محمّلة بالبحث عن القضايا، ينفع في منح الفيلم هذا القدر من الإعجاب، لكن النظر إليه كعمل سينمائي صرف يخلع عنه الكثير من المكانة بسبب الثغرات الكتابية والتشخيص الكاريكاتوري للنماذج المقدّمة.
حقق المخرج سعيد مرزوق نتائج أفضل في فيلميه السابقين «زوجتي والكلب» و«الخوف» ولاحقاً في «أريد حلاً» و«حكاية وراء كل باب». إجادته هنا لها علاقة بحسن تنفيذ عام للصورة (كاميرا مصطفى إمام) والتوليف (سعيد الشيخ). يخلق مرزوق من الحكاية عالماً كبيراً بالفعل بإنتاج ذي إمكانيات، لكن الإخفاق يتأتى من الفواصل التي تجمع بين المحقق والمتّهمين بسبب حوار متكرر وشخصيات تمثّل أكثر مما يجب.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.