سفينة الفيضان... من العراق إلى فينيسيا

أول مشاركة لبغداد في بينالي العمارة تتناول صناعات القوارب التقليدية والتراث الحرفي

TT

سفينة الفيضان... من العراق إلى فينيسيا

عبر رؤية خاصة تتعامل مع تيمة البينالي هذه الدورة وهي «كيف سنعيش معا؟» يطرح الفنان والباحث العراقي رشاد سليم تصورا لإعادة تخيل لسفينة نوح أو سفينة الطوفان كما يشير لها الجناح. المشروع الذي يقدم برعاية من «مشاريع سفينة وبدعم إرشادي من مجتمع جميل وكلتشر رانرز يهدف للعودة إلى أصول التراث المعماري العراقي والاحتفاء بأساليب العمارة الشعبية في تصميم القوارب والمراكب التي تجوب نهري دجلة والفرات».
لماذا سفينة الطوفان؟ يرى سليم كثيرا من الروابط بين فكرة سفينة نوح بعمقها التراثي وعلاقتها بفكرة الملاحة على نهري دجلة والفرات وأيضا من منظور رمزي تصور السفينة محاولة جمع الشمل والنجاة من الكارثة الموشكة.
أسأله إن كانت الفكرة تخاطب كارثة بيئية في العراق، يجيبني «الكارثة عالمية وليست فقط في العراق، فالعالم كله يواجه تأثيرات الاحتباس الحراري وتأثير المنتجات النفطية عدا الحروب والمشاكل التي تعطلنا عن إيجاد الحلول المطلوبة».
يتحدث رشاد سليم عن المشروع بحماسة كبيرة، ويأخذنا معه في رحلة مع تطور فكرة الجناح وهو الأول للعراق في هذا اللقاء العالمي.
يرى سليم في «سفينة الطوفان» مشروعا يخاطب الموروث البيئي والمعماري التراثي والحرفي، يجمع كثيرا من مفردات ذلك الموروث أو «الذاكرة المفقودة» في سلته ويريد من مشروعه أن يثير الحديث حول ما اندثر من الصناعات العراقية القديمة والحرف التراثية والمورث الملاحي. سفينة نوح أو سفينة الطوفان في 2021 مختلفة، قد تكون مماثلة في أنها تطمح لإنقاذ ولجمع ما فقد من الموروثات الثقافية ولكنها هنا في هذا العالم يجب أن تكون وليدة «مكانها وزمانها». يضع سليم تصوره للسفينة باستخدام خامات طبيعية من بيئة العراق وتصميم مستمد من تقنيات البناء الشعبية. وقد استعان في سبيل ذلك بحرفيين من وسط وجنوب العراق بغرض إحياء وتوثيق ما تبقى من ممارسات بناء القوارب التقليدية وما يرتبط بها من هندسة معمارية وحرف يدوية.
يحس سليم بالفقد بشكل خاص فيروي أنه زار العراق بعد سنوات طويلة في عام 2013 وفوجئ باختفاء كثير من الحرف التراثية. «المصنوعات اليدوية استمرت دون انقطاع، مع العلم أن هذه المنطقة واجهت غزوات وحروبا كثيرة ولكن الحرف استمرت رغم ذلك. للمرة الأولى في تاريخ المنطقة نشهد اختفاء هذه الحرف وانقطاع الصلة الأساسية ما بين البشر والبيئة المستدامة».
قد يكون مشروع إعادة تصور سفينة الطوفان محاولة للمواجهة ولإيجاد الحلول لمشاكل بيئية متراكمة، وهو ما يؤكده سليم في حديثه «نحن نقدم تصورنا لـ(سفينة الطوفان) من خلال البحث والتساؤلات، مشروعنا استكشافي، وميداني يحاول استعادة ما فقدته الذاكرة»، من الممارسات والمهارات، و«من خلال التصميم تشكلت عندنا طريقة للحفاظ على الذاكرة، فالسفينة يمكن تخيلها بشكل رمزي وعملي على أنها (سفينة الذاكرة) تحوي في أرجائها وتفاصيلها ممارسات وحرفا فقدناها وترتبط مع البيئة المحيطة بها».
«هل السفينة بالنسبة لك معمارية أم أنها رمز لأشياء فقدت من الذاكرة؟» سؤال يطاردني وأطرحه على سليم ليجيب بسرعة «أكيد معماري، نظريا السفينة عبارة عن بيت مقلوب وكثير من القوارب القديمة تستعمل التقنيات الموجودة بالمعمار الإنشائي نفسها».
بنوع من النوستالجيا يقول «العراق كانت بلد قوارب وأشرعة».
مهمة إعادة صناعة القوارب والمهارات والحرف المفقودة، خصص لها سليم سنوات طويلة، وإعادة تخيل سفينة الطوفان تحديدا هو مشروع أثير عنده تم إطلاقه في عام 2015. وفي عام 2017 قام بتأسيس «مشاريع سفينة» وهو استوديو خاص يعنى بإعادة تنشيط الحرف القديمة وخاصة صناعة القوارب التقليدية. ويبدو أن سفينة الفيضان ليست بداية عشق سليم للقوارب التقليدية فهو سافر في عامي 1977 و1978 بوصفه أحد أفراد بعثة ثور هايردال الاستكشافية في دجلة على متن قارب مصنوع من القصب من العراق وعبر المحيط الهندي وصولا لباكستان ومنها للبحر الأحمر.
في فينيسيا عرض سليم سفينة الطوفان على مياه «غراند كانال» مسدلا عليها وعلى أرض المرسى إزارا ملونا تراثيا، «بالفن العراقي هناك مفردات وصناعات تراثية مثل النسيج، في الأهوار كانوا يستخدمون الإزار للأعراس ونلاحظ أن فناني العراق متأثرون بهذا المصدر الجميل، ليس فقط للهوية ولكن لكونها لغة متجذرة في أراضينا».
التزاوج الجميل بين القارب التقليدي القادم من العراق يتفاعل بشكل مدهش مع فينيسيا، هل هذا مستغرب؟ «لا»، يقول لنا الفنان «فينيسيا بها أوجه شبه كثيرة من العراق، فهي تقع على دلتا نهر بو. مثل وادي الرافدين، البندقية نفسها مبنية في الهور، ومن الناحية الثقافية البندقية لها صلة مباشرة مع طريق الحرير والتجارة والثقافة الإسلامية العربية. نريد أن نستكشف الطرق للربط بين البندقية والبصرة والأهوار مع قضايا البيئة ونهر بو».
بتقديم مجسمات خارجية منها قارب صغير، يتفاعل الجناح بشكل ارتجالي مع موقعه ليستكشف الروابط بين بيئة دلتا لوادي نهر بو في فينيسيا وبين الأراضي اللدنة في البندقية والتراث الملاحي المشترك في القوارب، وتلك الموجودة في البصرة والأهوار في جنوب العراق. وعلى نحو مماثل لما تعانيه البندقية، يواجه جنوب العراق التحدي المتمثل في الاحتباس الحراري وهو ما يضاهي الفيضان القديم.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».