طبيبة أطفال فرنسية تتنازل عن لوحة بتوقيع بيسارو

ربحت معركة قضائية لاستعادتها بعدما نهبها النازيون

لوحة «الراعية» لكامي بيسارو (متحف أورسى - نيويورك تايمز)
لوحة «الراعية» لكامي بيسارو (متحف أورسى - نيويورك تايمز)
TT

طبيبة أطفال فرنسية تتنازل عن لوحة بتوقيع بيسارو

لوحة «الراعية» لكامي بيسارو (متحف أورسى - نيويورك تايمز)
لوحة «الراعية» لكامي بيسارو (متحف أورسى - نيويورك تايمز)

بعد معركة قضائية شرسة وطويلة انتهت بفوزها، فاجأت الدكتورة ليون نويل ماير الأوساط الفنية، أمس، بتنازلها عن لوحة للرسام كامي بيسارو ومنحها إلى جامعة أوكلاهوما الأميركية. ويعتبر بيسارو من أبرز فناني المدرسة الانطباعية الجديدة، وهو مولود عام 1830 في جزر الأنتيل التي كانت مستعمرة دنماركية وأقام في فرنسا وحمل جنسيتها لحين وفاته في باريس عام 1903.
وليون ماير، البالغة من العمر 82 عاماً، هي طبيبة أطفال ذائعة الصيت في فرنسا وراعية للفنون. وقد تبناها في طفولتها الثري راؤول ماير، مؤسس متجر «غاليري لافاييت» الشهير في باريس، وقد ورثته بعد وفاته. وكان ماير قد نجح في الفرار إلى الولايات المتحدة بعد أن أودع مقتنياته من اللوحات في خزانة حديدية كبيرة. ومثل كثير من أثرياء اليهود الفرنسيين، تعرضت أملاك العائلة للنهب، عام 1941 في الحملة المنظمة التي نفذتها قوات الاحتلال النازية للسطو على مقتنيات أثرياء اليهود، حيث نقلت الأعمال الفنية الثمينة إلى ألمانيا. وكانت لوحة بيسارو المسماة «راعية تعيد الأغنام» واحدة من تلك المسروقات. وبعد الحرب وتحرير باريس عام 1945، عاد ماير إلى أوروبا وبدأ محاولات لاسترجاع ممتلكاته. وهو قد تمكن من العثور على كثير منها لكن لوحة الراعية ظلت مجهولة المكان.
جاء في بيان ليون ماير: «قررت التنازل عن كل حقوقي في اللوحة، بما في ذلك حق الملكية». وأوضحت أنها خاضت معركة طويلة ما بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية لأن والدها حاول خلال حياته استعادة تلك اللوحة. لكن الأوساط الفنية الفرنسية لم تتفهم الدوافع التي وراء القرار الفجائي. كما أصيب كثيرون بالخيبة، خصوصا أن اللوحة المتنازع عليه كانت مرشحة لأن تأخذ مكانها على جدار في متحف «أورساي» للفنون المعاصرة في باريس. رسم بيسارو لوحة الراعية عام 1886 واقتناها جامع الأعمال الفنية راؤول ماير قبل أن تختفي من بيته. وفي عام 1951 ظهرت اللوحة في سويسرا فسارع صاحبها إلى المطالبة بها. لكن القضاء السويسري رفض الدعوى بحجة انتهاء فترة السنوات الخمس المحددة للمطالبة بالممتلكات المنهوبة. وفي عام 1957 عاودت اللوحة الظهور في الولايات المتحدة الأميركية هذه المرة، لدى ديفيد فندلاي، وهو صاحب صالة للعرض في نيويورك ورد اسمه في قضايا سابقة تخص لوحات مسروقة من بيوت اليهود. وقد اقتنى اللوحة زوجان أميركيان من أوكلاهوما، هما هارون وكلارا فيزنهوفر. وفي عام 2000 قرر الزوجان وهب مجموعتهما الفنية إلى متحف فرد جونز الابن للفنون الحديثة والتابع لجامعة أوكلاهوما.
في 2012 عثرت ليون ماير على صورة للوحة منشورة على «الإنترنت». وفي الحال اتخذت الإجراءات للتقدم بدعوى قضائية لاستعادتها. لكن درب العدالة طويل، وبعد سنوات من التقاضي تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين يقر بملكية الطبيبة الفرنسية للوحة، مع تبادل عرضها كل ثلاث سنوات ما بين باريس وأوكلاهوما. كما ألزم القاضي صاحبة اللوحة بتوريثها، خلال حياتها، إلى مؤسسة فنية ملتزمة باحترام الذخائر الثمينة.
ووقع الاختيار على متحف «أورساي» كمحطة أولى للوحة، لكن القائمين عليه أبقوها في المخزن، كما رفضوا رحلاتها المكوكية بين القارتين.
لم تتقبل جامعة أوكلاهوما استفراد باريس بـ«الراعية التي تعيد القطيع» ولجأت إلى المحكمة. وفي فبراير (شباط) من العام الحالي أصدر قاض أميركي حكماً يطالب ليون ماير بالتنازل عن الدعوى من أساسها وإلا فإن عليها دفع غرامة تزيد على 3 ملايين دولار. لكن العجوز الفرنسية صرحت قائلة: «لست من النوع الذي يتراجع وسأواصل المطالبة بحق أبي». ومن جهتها، قررت العدالة الفرنسية وضع اللوحة تحت الحراسة القضائية. ثم جاء التنازل المفاجئ لماير عن اللوحة التي بات من المقرر أن تعاد إلى الولايات المتحدة في يوليو (تموز) المقبل. وأوضح محاميها أن للجامعة أن تتصرف بلوحة بيسارو وفق ما تشاء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».