غذاء الروح... جداريات ساو باولو معرض مفتوح في الهواء الطلق

الفنان إدواردو كوبرا أمام جدارية رسمها لتكريم ضحايا «كوفيد - 19» في ساو باولو (تصوير: فيكتور مورياما)
الفنان إدواردو كوبرا أمام جدارية رسمها لتكريم ضحايا «كوفيد - 19» في ساو باولو (تصوير: فيكتور مورياما)
TT

غذاء الروح... جداريات ساو باولو معرض مفتوح في الهواء الطلق

الفنان إدواردو كوبرا أمام جدارية رسمها لتكريم ضحايا «كوفيد - 19» في ساو باولو (تصوير: فيكتور مورياما)
الفنان إدواردو كوبرا أمام جدارية رسمها لتكريم ضحايا «كوفيد - 19» في ساو باولو (تصوير: فيكتور مورياما)

كان إدواردو كوبرا يخط رسومات تعكس تصوراته الجريئة للحياة المعاصرة على مختلف جدران مدينة ساو باولو في سويعات ما قبل الفجر، ويواصل العمل بسرعة عجيبة فراراً من سيارات الشرطة التي تطارده أينما ذهب.
في تلك الأثناء، لم تكن هناك أي أموال يمكن أن يكتسبها من عمله كفنان غرافيتي مبتدئ في البرازيل، سيما مع تزايد المخاطر بإلقاء القبض عليه. وكان المارة دائماً ما يلاحقونه بالسباب ونظرات الاشمئزاز والازدراء، فضلاً عن رجال الشرطة الذين اعتقلوه بالفعل ثلاث مرات مع عشرات الاتهامات بتعمد تشويه الممتلكات العامة في المدينة الكبيرة.
ويتذكر كوبرا مغامرات الماضي بقوله «كان العديد من فناني تلك الفترة العصيبة يسقطون من أعلى المباني ويلقون حتفهم بلا طائل. وكانت تجري معارك طاحنة للغاية ما بين فرق فناني الغرافيتي المتنافسة على احتلال أكبر عدد ممكن من جدران المدينة».
غير أنّ هذه الذكريات تمثل حقبة زمنية ماضية: فلقد تغيرت الأوضاع كثيراً منذ أن انتقل السيد كوبرا بفنونه ورسوماته إلى شوارع وجدران ساو باولو للمرة الأولى قبل عقدين كاملين من الزمان.
تحول الآن إلى أحد أبرز فناني الجداريات من أصحاب الشهرة الدولية الكبيرة، كما تحولت مدينة ساو باولو البرازيلية، وهي واحدة من أكبر المدن ازدحاماً بالسكان في قارة أميركا اللاتينية، إلى حاضنة – وربما ممولة – لأعمال فناني ورسامي الجداريات الذين كانت سلطات المدينة نفسها تطاردهم وتلحق بهم الأذى من قبل باسم القانون.
وكانت النتيجة الراهنة المشهودة عبارة عن طفرة كبيرة في الفنون استعانة بجداريات المباني الباهتة في السابق كلوحات فنية من الحجم العملاق. وأسفرت عشرات الجداريات الكبيرة في الفترة الأخيرة عن التخفيف من حدة ردود الفعل داخل واحدة من أكبر مدن العالم اتصافاً بالفوضوية والعبث، وذلك مع توهجات الرسومات، والأشعار، والتعليقات التي صارت ترتسم على أفق المدينة يشهدها القاصي والداني أينما ذهب.
وشهدت جائحة الوباء الفتاك الحالية ازدهاراً ملحوظاً في ذلك الصنف من الفنون، سيما مع ما يوفره للفنانين من عزاء، وإلهام، وأمل تحت قبة السماوات المفتوحة خلال الأشهر الأخيرة التي عرفت معنى الإغلاق القسري العام لأبواب المتاحف، والمعارض، وقاعات العرض الثقافي والفني المختلفة.

الكارثة الصحية
انطلقت العديد من رسوم الجداريات في الفترة الأخيرة للاهتمام بالكارثة الصحية الحالية التي أتت على حياة أكثر من 440 ألف شخص في البرازيل.
على جدار خارجي لإحدى كنائس ساو باولو، رسم الفنان كوبرا لوحة كبيرة تصور أطفالاً من مختلف الديانات يرتدون جميعاً كمامات الوجه الواقية. في حين رسم زميله الفنان أبولو توريس لوحة جدارية أخرى تكرم جيشاً كبيراً من عمال توصيل الطلبات للمنازل ممن حافظوا بأعمالهم وجهودهم على الأمن الغذائي في المدينة، حالما كانت إجراءات الحجر الصحي نافذة المفعول في أرجائها كافة.
ورغم أن رؤساء بلدياتها المختلفين كانوا يناصبون رسامي الجداريات العداء في نوبات غضب تأرجحت صعوداً وهبوطاً خلال الفترة الأخيرة، أدلت الإدارة الحالية للمدينة الكبيرة بدلوها موفرة الدعم والإسناد الحقيقي لما بات يُعرف بصناعة اللوحات الجدارية.

«متحف فنون الشوارع 360»
وخلال العام الماضي، أطلق مكتب عمدة المدينة منصة حديثة على الإنترنت تحمل اسم «متحف فنون الشوارع 360»، تلك التي تعمل على فهرسة وتحديد مواقع أكثر من 90 لوحة جدارية متنوعة في مختلف أنحاء المدينة، حتى يتسنى للناس من أرجاء العالم كافة الاطلاع عليها أو الاستفادة من تجاربها أثناء محاولات استكشاف المدينة.

جدارية «الواقع»
وتأخذ بناظريك لوحة جدارية أخرى من أعمال الفنان ماورو نيري، تلك التي تصور امرأة سمراء تنظر إلى السماء بعينين مفتوحتين تحت كلمة «الواقع» بخط كبير وواضح، وهي من بين أعمال أخرى كثيرة تمكن الفنان من الانتهاء منها خلال العام الماضي؛ تأكيداً منه على رفضه للمظالم العنصرية الراهنة في بلاده.

الغرافيتي في البرازيل
يقول علي يوسف، وزير الثقافة في مدينة ساو باولو «إن تجربة الانخراط الكبير في مثل هذه الأعمال الفنية المفتوحة تضفي المزيد من الإنسانية، والحيوية، وربما الديمقراطية على الحياة اليومية في المدينة، وهذا جيد للغاية لروحها وروح سكانها».
بدأت أعمال فنون الغرافيتي في الظهور منذ ثمانينات القرن الماضي في البرازيل، مع استلهام الفنانين أفكارهم من موسيقى الهيب هوب والبانك المستوحاة من مدينة نيويورك الأميركية. وكانت التجربة الأولى خاصة بالذكور دون الإناث، وكانت تغذيها تجارب الأعمال الفنية الناشئة من قلب المجتمعات والمناطق المنسية والمهمشة في البلاد.
ويقول كوبرا واصفاً تلك الأعمال بأنّها رسومات تعكس شكلاً من أشكال التمرد على الأمر الواقع من قبل شخصيات شعرت بالعجز، وانعدام البصيرة، والتهميش الشديد داخل العاصمة ذات الحشود الغفيرة من السكان، التي تعتبر المحرك الاقتصادي الأول في البرازيل. وتابع «كانت نشأتي الأولى في بيئة غارقة بالمخدرات، والجريمة، والتمييز العنصري. وكانت الثقافة أبعد ما يخطر على بال أقراني في مثل هذه المناطق. وكانت رسوم الجداريات نوعاً من الاعتراض والاحتجاج على وجودي بالأساس في هذا العالم، ورغبة أكيدة مني في نشر أفكاري في كل ركن من أركان المدينة».
تقول يارا أمارال دي باروس، طالبة ماجستير (38 عاماً)، وكانت أطروحتها الجامعية تدور حول فنون الرسم الجداري في ساو باولو «نال أغلب الفنانين، الذين برزت أعمالهم الجدارية في الفترة الزمنية التي كانت فنون الشارع فيها عملاً مخالفاً للقانون، تدريبهم وصُقلت مهاراتهم من خلال متابعة أعمال الأقران والأصدقاء عوضاً عن الالتحاق بالجامعات والكليات الفنية». وتابعت «لقد تعلموا من الشوارع، ومن مشاهدة الآخرين يرسمون على جدران الشوارع، ومن متابعة أساليب استخدام الفرشاة وبكرات الطلاء. أغلبهم من العصاميين الذين علّموا أنفسهم بأنفسهم، ثم انتقلت المهارات بصفة شخصية من فنان إلى آخر».
بحلول التسعينات، كان الانتشار الواسع لفنون الغرافيتي قد أضاف زخماً جديداً ومحققاً على المشهد الفوضوي البصري الساحق في مختلف أركان ساو باولو. وعلى مدى سنوات عديدة، كانت اللوائح الخاصة باللوحات الإعلانية قليلة للغاية وغير مؤثرة، الأمر الذي فتح الباب أمام إغراق المدينة بالكثير من اللوحات الإعلانية المختلفة في كل مكان.
واعتباراً من عام 2006، ومع إزالة اللوحات الإعلانية التجارية، شرع فنانو الجداريات على الفور في التعامل مع الوفرة الناشئة في الجدران المكشوفة على اعتبار أنّها دعوة مفتوحة للرسم والإبداع، من دون إذن أو تصريح في بادئ الأمر، ثم بمباركة من المدينة وقياداتها في أوقات لاحقة.
شكلت تلك المساحات الخاوية والعملاقة فرصة سانحة ومغرية للغاية أمام الفنان موندانو، رسام الجداريات المعروف في ساو باولو، والذي قال إن الأعمال الفنية الموجودة في قاعات العرض الفنية رفقة المجموعات الخاصة لم تتواصل معه على الإطلاق.
وقال موندانو، الذي يتحدث باسمه الفني فقط «طالما شعرت بعدم الارتياح حيال الفنون التقليدية العادية؛ نظراً لأنّها كانت ولا تزال موجهة بالأساس إلى النخبة من أبناء المجتمع. ومع بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قررت النزول إلى الشوارع بهدف إضفاء الصفة الديمقراطية على الفنون».
وفي عام 2014، شرع موندانو في رسم العربات المتواضعة لجامعي القمامة القابلة لإعادة التدوير مع تحويلها إلى معارض ملونة مفتوحة ومتجولة. وأطلق على مبادرته مسمى باعثاً للفخر لدى مئات العمال في المدينة. ثم أنشأ تطبيقاً هاتفياً يسمح للأشخاص بالتواصل مع عمال جمع القمامة القريبين. وقال «كنت دائماً أرغب في أن تكون أعمالي الفنية مفيدة للجميع. فالفنون تضطلع بمعالجة الكثير من المشكلات الحاسمة في البرازيل».
قال موندانو «البرازيل بلاد من دون ذاكرة، يميل فيها الناس إلى النسيان المستمر حتى فيما يتعلق بتاريخنا الحديث. ونحن في حاجة إلى إقامة نُصُب تذكارية لتخليد اللحظات التي تميز شخصية أمتنا».

جدارية «عمال برومادينهو»
وتشكل اللوحة الجدارية المسماة «عمال برومادينهو» تكريماً لـ270 عاملاً قُتلوا في يناير (كانون الثاني) عام 2019، في أحد مناجم التعدين بولاية ميناس غيريس جراء انفجار سدد طيني هناك.
وكان موندانو قد سافر إلى موقع الحادثة في بلدة برومادينهو، وجمع أكثر من 550 رطلاً من الطين استعان بها في صناعة الطلاء لجدارية الكبيرة.
وتعكس لوحة «عمال برومادينهو» الجدارية – وهي نسخة طبق الأصل من لوحة إبداعية من أعمال الفنان تارسيلا دو أمارال في عام 1933، وهو أحد أشهر الرسأمين البرازيليين – صفوفاً من العمالة الذين تعكس وجوههم المغبرة، التنوع في بيئة البرازيل وتبدو عليهم علامات التعب والإرهاق والكآبة. وكان موندانو قرر تكرار اللوحة القديمة كأحد وسائل التأكيد على التغيير الطفيف الذي شهدته البلاد عبر ما يقرب من قرن من الزمان. وأضاف «لا يزال العمال مضطهدين من قبل المؤسسات الصناعية الكبيرة في بلادنا».

قوة نساء البرازيل
وقالت الفنانة هانا لوكاتيلي سانتوس، إنّها شعرت بدافع قوي يحركها لكي تصور مدى قوة نساء البرازيل عبر مختلف التيمات الاجتماعية التي تعكسها في لوحاتها الجدارية. وكانت قد اكتشفت القوة الفريدة الكامنة حتى في اللوحات الجدارية صغيرة الحجم قبل سنوات ماضية عندما كانت ترسم صورة منحتها مسمى «امرأة قوية ولطيفة» في غرفة معيشتها. وعلى نحو مفاجئ، صارت العلاقات الداخلية بين أفراد أسرتها أكثر تناغماً وانسجاماً وازدادت الطاقة إيجابية ونشاطاً.
وحاولت سانتوس (30 عاما)، تكرار هذا الأثر على نطاق أوسع من خلال رسم الجداريات التي تصور تعابير النساء المحدقة بأنظارهن في مجاهل المدينة المزدحمة بوجوه يعلوها الهدوء، والسكينة، والتأمل. وتعتبر إبداعاتها قدحاً جريئاً في الأسلوب الذي تصوّر به النساء عبر مختلف الإعلانات البرازيلية التي هي بالأساس من ابتكار أفكار الرجال.
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».