سينما وس أندرسن تبحر في حكايات وأزمنة وأماكن

فيلمه الجديد يفتتح مهرجان «كان»

بل موراي في «ذا فرنش إكزت»
بل موراي في «ذا فرنش إكزت»
TT

سينما وس أندرسن تبحر في حكايات وأزمنة وأماكن

بل موراي في «ذا فرنش إكزت»
بل موراي في «ذا فرنش إكزت»

ليس مدعاة للتعجب اختيار مهرجان «كان» فيلم وس أندرسن الجديد «ذا فرنش إكزيت» (The French Exit) لافتتاح دورته المزمع عقدها في يوليو (تموز) المقبل. لجانب إنه فيلم لأحد أهم مخرجي السينما المستقلين شرقاً وغرباً، هو فيلم مهرجانات أساساً كحال كل ما أنجزه أندرسن من أعمال.
إلى ذلك، لا يخفي الفيلم مغازلته فرنسا ليس عن طريق العنوان فقط، بل عبر موضوعه ومكان أحداثه التي تتوزع ما بين مدينة باريس في الخمسينات وبلدة متخيّلة أسمه Ennui‪ - ‬sr‪ - ‬Blasé
عنوان الفيلم هو اسم مجلة يرأسها الممثل بل موراي تتطرق إلى شتى مواضيع الساعة (ساعة ذلك العقد طبعاً)، ولو أن بعض ما تتطرق إليه ينشر ظلاله إلى حالنا اليوم. يطلق أندرسن على الفيلم عبارة «رسالة حب للصحافيين في موقع صحيفة أميركية في فرنسا».
وهو مصوّر بالأبيض والأسود وبالألوان معاً ويزيّن شاشته عدد كبير من الطاقم الذي يستعين به أندرسن في كل أفلامه: تيلدا سوينتون، وبل موراي، وأووَن ولسون، وأدريان برودي، وبنيثيو دل تورو، وفرنسيس مكدورمند، وجفري رايت. هذا بالإضافة إلى الفرنسيين ليا سيدو، وماثيو أمالريك، وسيسيل دو فرانس.
في الواقع، القائمة لا تتوقف هنا، بل تضم ممثلين لينا خوري، وتيموثي شالامت، ولين دافو، وكريستوفر فولتز، ساويرس رونان، وإليزابث موس. بعض هؤلاء لم يسبق له الوقوف تحت إدارة المخرج.
المؤلف الموسيقي ألكسندر دسبلات الذي عادة ما يلجأ أندرسن إليه ليؤلف له ألحان أفلامه شاهد الفيلم قبل أشهر عدة، وقال في حديث صحافي مع موقع IndieWire «شاهدت النسخة النهائية من الفيلم قبل حين وهو مذهل، قوي ومختلف. يمد أندرسن في هذا الفيلم موهبته صوب أبعاد جديدة في كل فيلم. هذا الفيلم جميل ومجنون... إنه كل شيء».

في بلد منسي
يتمتع أندرسن بمزايا متعددة تنضوي جميعها تحت عنوان انتمائه إلى «سينما المؤلف»، تلك التسمية المحقّة التي وضعت موجة السينما الفرنسية الجديدة، في أواخر الخمسينات وخلال الستينات بذورها كتابة (عبر نقاد مجلة «كاييه دو سينما»)، وتنفيذاً (في أفلام فرنسوا تروفو وإريك رومير وجان - لوك غودار وجاك ريڤيت وسواهم).
مفاد تلك السينما أن يكون المخرج هو المسؤول الأول والأخير عن مصير فيلمه إبداعياً، وهذا يحتوي على شقي الانفراد بالرؤية والانفراد بتنفيذها - كتابة وإخراجاً - لصهر فيلم يحتوي على اختياراته أسلوباً وحكايات.
أندرسن يؤمّن كل الشروط الضرورية في هذا المجال. أفلامه بصرية والكلمة هنا تعني أنها مُتخيّلة ومُصممة ومن ثم مُنفّذة تبعاً لموهبة المخرج في التعامل مع المواضيع التي يريد توفيرها للمشاهد. وإذ يفعل يختار أن يثريها بصرياً عبر الألوان (فاقعة وأساسية) والأطر التي تتحكم في اللقطة الواحدة والبطاقات التي يستخدمها لإضافات ذكية. كلها عناصر تمتزج جيداً لخلق هوية خاصة به.
صحيح أنه ليس الوحيد الذي يلجأ للون لكي يعبّر عن منحاه الفني (نجد عناية مماثلة في أفلام الصيني كار - واي وونغ مثلاً)، لكن في حين يستخدم الآخرون اللون الداكن ليواكب الأجواء المرغوبة، لا يهتم أندرسن بالأجواء مطلقاً. ألوانه (أصفر باهت وزهر وأحمر وبنّي) نهارية وأحيانا فاقعة وحين لا تكون يختار لها أن لا تكون شيئاً آخر يخالف وحدة الفيلم.
يتّضح ذلك في «ذا غراند بودابست هوتَل» (2014).
يختلف هذا الفيلم عن أعمال أندرسن السابقة (خصوصاً عن «الحياة البحرية مع ستيف زيسو»، 2004 و«ذا رويال تننبومز»، 2001) في كونه يتناول حكاية ذات أزمنة متعددة مروية عبر ثلاثة رواة كل منهم داخل الآخر (على طريقة فيلم داخل فيلم). من الراوي الأول (المخرج وس أندرسن) إلى الراوي الثاني (توم ولكنسون)، ومنه إلى الراوي الثالث (ف. موراي إبراهام) قبل أن يبدأ قص حكايته. يذكّـرك هذا المنوال ببعض المسارح القديمة، حيث كانت الستارة الأولى تفتح على الثانية والثانية على المشهد الذي نراه.
توم ولكنسون هو القاص الذي يقرأ لنا كيف وقعت الأحداث. يدخل صبي ويقاطعه. يصرخ فيه ثم يعود إلى هذا الجمهور الذي يستمع إليه. بلقطة لا تأخذ أكثر من ثانية ها نحن ننتقل إلى سنة 1968 والقارئ بات شخصية يؤديها جود لو. ما نراه الآن هو كيف وقع جود لو على الحكاية. من قصّها عليه. لقد اكتشف هذا الفندق الرحب ذا اللون الزهري القابع في بلد أوروبي منسي فوق مساحة صغيرة قرب جبال الألب. ومن حسن حظه أنه سيلتقي هنا بصاحب الفندق بنفسه (إبراهام) الذي يعيش فيه منفرداً. يستخدم المصعد الخاص بالخدم وينام في حجرة صغيرة ضيّـقة. جود لو يبدي اهتمامه به. يدعو صاحب الفندق للعشاء معه ويسرد عليه الحكاية من بدايتها: الستارة الثالثة.
رحلة الفيلم ثلاثية بدورها واحدة في الزمان (حاضراً وماضياً) والثانية في المكان (بلد مُتخيل في رقعة أوروبية منسية) وثالثة في الخيال. والخيال بالغ الأهمية ليس هنا فقط، بل في العديد من أفلامه الحيّة منها (كما «ذا غراند بودابست هوتَل» و«مونرايز كينغدوم») والمرسومة («فانتاستك مستر فوكس» و«جزيرة الكلاب»).
بذلك لا يدلف المخرج فقط إلى تأليف عالم من ابتداعه، بل يؤمن له احتياجاته بحيث يبدو بالفعل كما لو كان يدور في مكان لم نكن نعرفه. مكان بشخصيات واقعية ومقبولة وقابلة، عبر أداء غير متكلّف، للتصديق وبحكايات عجيبة تشبه في طريقة ترتيب أحداثها كما لو كانت نسخة أجنبية من «حكايات عربية» على طريق «حدث ذات مرة في بلد بعيد إن كان….»، والحكاية تأتي لتكملة العبارة وللدخول بسلاسة عبر طبقات وشرائح.
من الألوان المختارة في تشكيل أقرب إلى ريشة رسّام، إلى المونتاج الذكي المستخدم طوال الفيلم في إيقاع لا يهدأ. من الشخصيات التي توالي الظهور كما لو كانت شخصيات موزعة في كتاب تاريخي قديم، إلى كنه الحكاية التي لا تتوقّـف عن النمو ومنها إلى بعض الإيحاءات الناقدة لمواقف عنصرية جاهزة هنا وهناك، تابع «ذا غراند بودابست هوتَل» دفق أحداثه بمنوال ساخر ومشبع بالتجديد في الوقت ذاته.
هوية واحدة
يعمد أندرسن، لكي يؤمّن إيصال رؤيته الفنية وبصرياته إلى جمهوره على نحو غير متفاوت، إلى مدير تصوير واحد أنجز له كل أفلامه هو روبرت يومان. بعد أي عملين أوّلين بين أي مخرج ومدير تصويره يدرك كل منهما حجم حاجته للآخر. أندرسن الجاهز بما يريد ويومان الجاهز بكيفية التنفيذ.
وهناك معالم مؤكدة. أدخل أي فيلم له - من دون أن تعرف شيئاً عن الفيلم - وستدرك سريعاً أنه فيلم من إخراج أندرسن، هذا إذا شاهدت له ولو فيلماً واحداً من قبل. هذا بسبب تلك المعالم الخاصّة التي تلد على الشاشة صوراً لا ريب في انتمائها.
مثلاً، قلّما يحرّك أندرسن الكاميرا من المكان، وبالتالي الحجم، الذي اختاره. لا يتقدّم بها ولا يتراجع. لا يديرها صوب اليمين أو اليسار ولا ينقلها قبل أن تؤدي دورها. ليس إنه لا يستخدم «الزووم» مطلقاً، لكن ليس في مشاهد مبنية على ممثليه وليس على المنظر العام. وحين استخدامها هو حريص على ألا تفلت من التوليفة البصرية الكاملة للفيلم.
في أفلامه عموماً ومن الأولى تحديداً، مثل «ذا رويال تننبوم» (2001) و«دارجلينغ ليمتد» (22007) و«مونرايز كينغدوم» (2012)، آثر المخرج للقطات محددة يضع فيها عناصرها المرئية، ممثلين وديكوراً، على نحو متوازن. اليمين واليسار وبينهما أو في خلفهما المكان الذي لا يقل أهمية في هذا النحو الهندسي.
هذا الاختيار يمنح الفيلم صورة بليغة وبسيطة. إنها صورة مسطّحة لا تتلاعب بالعمق، بل تضعه في المقدّمة أو قريباً من شخصياته. وعندما يلتقط أندرسن ممثليه في لقطة بعيدة أو نصف بعيدة يحوّلهم جميعاً، ومكان المشهد، إلى مقدّمة متساوية أو إلى عمق مشترك.
بذلك شخصيات أندرسن لا تُترجم سريعاً إلى توقّعات المُشاهد التقليدية. ليس لدى أي منهم حكاية خلفية (A back story)، لكن ما هو خلفي سيتكوّن بالمتابعة مع ما هو حاضر لنجد أن العديد من شخصياته تنشد التغيير ولا تستطيع تحقيقه. مقطوعة الأوصال كعلاقات عائلية، لكنها مستعدة لتأليف أوصال جديدة.
كل ما سبق، على تنوّع ملاحظاتنا، ينضوي تحت الهوية المحددة لما هو «فيلم من إخراج وس أندرسن». التفاوت بين فيلم وآخر ليس بالأسلوب ولا بالتصاميم والعناصر البصرية؛ لأنها ممارسة دوماً، بل هي بالقدر الذي تستطيع الحكاية فيه إشباع فضول المُشاهد. وهي تفعل ذلك حيال العديد ممن يبحثون عن الفيلم غير السائد وعن الأعمال التي من الممكن وصفها بالفنية من دون حرج.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.