تجمع خليجي ـ مصري ـ لبناني لمواجهة السكتة الدماغية

في محاولة لتعريف الشعوب العربية بأهمية الوقت

د. سهيل يلقي كلمة أثناء إطلاق المبادرة أول من أمس في دبي
د. سهيل يلقي كلمة أثناء إطلاق المبادرة أول من أمس في دبي
TT

تجمع خليجي ـ مصري ـ لبناني لمواجهة السكتة الدماغية

د. سهيل يلقي كلمة أثناء إطلاق المبادرة أول من أمس في دبي
د. سهيل يلقي كلمة أثناء إطلاق المبادرة أول من أمس في دبي

يبدو أن المجتمعات العربية لا تعير للوقت أي اهتمام، ولا تدخل الساعة وما فيها من ثوان في دائرة الحساب والطرح لإنجاز الكثير من الأعمال، ويزداد الأمر سوءا عندما تكون هذه الثواني نقطة تحول في إنقاذ حياة إنسان تعرض لحادث مفاجئ على الطريق العام، أو أصيب بجلطة ما.
هذا السلوك دفع مجموعة من الأطباء في الخليج العربي ومصر ولبنان، بالتنسيق مع شركة «بوهرنجر إنجلهايم» إلى إطلاق «مبادرة وحدات السكتة الدماغية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، أول من أمس في دبي، للتعريف بالمرض وخطورته وكيفية إنقاذ حياة مريض، خاصة أن التقارير الطبية تشير إلى أن السكتة الدماغية هي السبب الأول لحدوث الإعاقة لدى البالغين، والسبب الثاني للوفاة في العالم، إذ أن مليوني خلية دماغية تموت كل دقيقة خلال السكتة الدماغية الحادة.
وفي محاولة لإقناع الشعوب العربية، بأهمية الوقت في عملية الإنقاذ، طرح الأطباء جملة من الأرقام المخيفة تحت شعار «لأن ثانية واحدة تجنبك مضاعفات السكتة الدماغية»، وتمثلت هذه الأرقام في أن 1ـ 6 أشخاص يصابون بالسكتة يموتون، وأن كل 6 ثوان هناك شخص يصاب بالسكتة الدماغية حول العالم، وقرابة 50 في المائة من المصابين يتعرضون لإعاقة شديدة، في حين تقدر تكلفة علاج السكتة الدماغية بنحو 240 مليار دولار، تستحوذ الولايات المتحدة الأميركية على النصيب الأكبر.
وتشير الدراسات إلى تضاعف حالات الوفاة الناجمة عن السكتة الدماغية بحلول عام 2030 في المنطقة العربية لتصبح مشكلة صحية لا يمكن التعامل معها لقلة الوعي وضعف البنية التحتية الصحية في الكثير من الدول العربية، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجيات ترتقي بمستوى رعاية مرضى السكتة، وهو ما دفع «بوهرنجر إنجلهايم» بالتعاون مع الأطباء المتخصصين في مجال علاج السكتة الدماغية وأطباء الأعصاب في المنطقة بتنفيذ برنامج خاص بمعالجة السكتة الدماغية، في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر ولبنان.
قال محمد الطويل، المدير العام لدى «بوهرنجر إنجلهايم» لمنطقة الشرق الأوسط والأدنى، بأن الهدف من المبادرة هو السعي في توفير وحدات متخصصة لمعالجة حالات السكتة الدماغية ورفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع عن أعراض السكتة الدماغية، وللبروتوكولات العالمية في التعامل مع الحالات في أسرع وقت مما يساهم في إنقاذ حياة المرضى وتحسين نتائج علاجهم.
وأضاف الطويل، أن شركته تقيم الكثير من الشركات مع الهيئات الصحية المحلية والدولية لتنفيذ هذه المبادرة، موضحا أنه متى استوفت المستشفيات المحددة لكافة شروط ومعايير الاعتماد، سيتوفر للمرضى أعلى مستوى من الرعاية الطبية وفقًا للبروتوكولات المعتمدة عالميًا في مجال معالجة حالات السكتات الدماغية وعمليات إدارتها.
وتسعى مبادرة علاج السكتة الدماغية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى تحقيق ثلاثة أهداف تتلخص في العمل على تقليص الفترة الفاصلة بين وصول المريض إلى المستشفى، والبدء بتلقي العلاج. ودعم إنشاء وحدات خاصة لمعالجة حالات السكتة الدماغية في المستشفيات، ما يتيح قدرًا أكبر من السرعة في التعامل مع الحالات وتحسين نتائج علاج المرضى.
وهنا قال الدكتور سهيل عبد الله الركن، استشاري الأعصاب واختصاصي السكتة الدماغية بمستشفى راشد: «إننا قمنا بإطلاق مركز علاج السكتة الدماغية في دولة الإمارات خلال العام الماضي، وكان له الفضل الكبير في خفض معدلات وفيات مرضى السكتة الدماغية»، موضحا أنه كلما طالت الفترة الفاصلة بين حدوث السكتة الدماغية ومعالجتها، ازدادت فرص الإصابة بالتلف الدماغي الناجم عنها.
ولفت الدكتور سهيل، إلى أن هناك نحو 12 مستشفى مجهز تماما في منطقة الخليج ومصر، لاستقبال حالات السكتة الدماغية، لذلك يعول على المبادرة في رفع الوعي، وإنشاء وحدات متخصصة ضمن المستشفيات لمعالجة حالات السكتة الدماغية، ما سيسهم في تقليل الأعباء المرتبطة بالإعاقات الناجمة عن السكتات الدماغية ضمن مجتمعاتنا، وذلك عبر تحسين مستوى وسرعة الفريق الطبي وقدرته على توفير الرعاية الصحية الملائمة.
وستعمد المبادرة إلى تزويد الأطباء والمتخصصين إلى جانب فنيي الأشعة والممرضين، بالمعرفة التقنية الخاصة ببروتوكول وحدة معالجة السكتة الدماغية، إضافة إلى توفير المواد العملية لصقل مهارات الطاقم الطبي، ومراجعة عملية تصديق وحدات معالجة السكتات الدماغية.
من جهته قال الدكتور عادل علي الهزاني، عميد كلية الصيدلة وأستاذ مساعد لطب الجهاز العصبي بجامعة الملك خالد في السعودية، إن العبء الذي يشكّله مرض السكتة الدماغية على المجتمع يزداد بوتيرة عالية، نظرا لزيادة المعدل العمري للمجتمع بالإضافة إلى ارتفاع عوامل الخطورة للسكتة الدماغية كارتفاع ضغط الدم ومرض السكري، موضحا أن وجود وحدة السكتة الدماغية حل يوفر عددا من العمليات الأساسية الهامة لمرضى السكتة الدماغية الحادة.
وأوضح الدكتور الهزاني أن قرابة 20 مليون شخص يصابون بالسكتة الدماغية سنويا حول العالم، إذ تعد حالات الوفاة من السكتة الدماغية أكثر من وفيات الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة، فيما تنفق دول العالم مئات المليارات من الدولارات، إذ أنفقت الولايات المتحدة الأميركية قرابة 70 مليار دولار في عام 2012 لعلاج المصابين بالسكتة الدماغية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».