«قنوات شمسية» في كاليفورنيا توصّل الماء والكهرباء

باحثون أميركيون استفادوا من تجربة هندية لتوظيف تقنيات الطاقة المتجددة

شكل تصويري لمخطط قنوات كاليفورنيا
شكل تصويري لمخطط قنوات كاليفورنيا
TT

«قنوات شمسية» في كاليفورنيا توصّل الماء والكهرباء

شكل تصويري لمخطط قنوات كاليفورنيا
شكل تصويري لمخطط قنوات كاليفورنيا

استوحى باحثون في جامعة كاليفورنيا فكرة من الشبكات الشمسية المركّبة فوق قنوات الري في الهند، بهدف توظيف القنوات المائية لإيصال الكهرباء أيضا.
في قرية شاندراسان الصغيرة الواقعة غرب ولاية غوجارات في الهند، تمتدّ صفوف الألواح الشمسية إلى ما لا نهاية. تخترق هذه الشبكة الشمسية التي تنتج ميغاواط واحدا من القدرة الكهربائية، قلب حقول القطن والفستق دون انتهاك الأراضي الزراعية القيّمة، إذ تنتشر هذه الألواح فوق قناة ري ضيّقة تمدّ الحقول المحيطة بالمياه التي تحتاجها.
«قنوات شمسية»
انتهى تطوير أولى «القنوات الشمسية» في الهند عام 2012، وأصبحت منذ ذلك الحين محطّ اهتمام عالمي بفضل تصميمها غير التقليدي ومكاسبها الكثيرة. وعند تركيبها فوق قناة المياه، لا يقتصر دور هذه الشبكات على إنتاج الطّاقة في المناطق المقيّدة بالأراضي الزراعية، بل يتعدّاه إلى المحافظة على برودة المياه المتدفّقة أسفلها، ما يتيح لها العمل بفاعلية أكبر. أمّا الظلال التي توفّرها هذه الشبكات، فتقلّل التبخّر وتحدّ من نموّ الطحالب الضارّة في المجرى المائي.
تعجّ المناطق الريفية في الهند اليوم بهذه الشبكات الشمسية الهائلة الممتدّة فوق القنوات المائية لتضمن إنتاج الكهرباء وحماية المياه في وقتٍ واحد.
في أميركا عمد باحثون من ولاية كاليفورنيا أخيراً إلى دراسة هذه الشبكات لمعرفة ما إذا كانت صالحة للتنفيذ في ولايتهم. وتضمّ الولاية قنوات توصيل للمياه على امتداد 6400 كلم، توفّر مساحة جويّة واسعة لتركيب الألواح الشمسية المرتفعة. وفي بيانٍ صحافي أخير، قالت براندي ماك كوين، الباحثة الرئيسية في الدراسة وباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، إنّ «السؤال الأهمّ كان ما إذا كانت البنية التحتية المطلوبة لمدّ هذه الشبكات فوق القنوات، ستكون مكلفة».
تستخدم شبكة غوجارات المنتجة لواحد ميغاواط من الكهرباء مثلاً دعامات فولاذية لضمان ثبات الألواح الزرقاء المستطيلة على امتداد 750 مترا فوق القناة، بينما تستخدم شبكة أخرى تنتج 2.5 ميغاواط من الكهرباء في ولاية البنجاب الأسلاك المقوّاة. وجاء تطوير هاتين الشبكتين بتكلفة أعلى وبتعقيد تقني أكبر من التصاميم التقليدية المثبّتة على الأرض. ويمتدّ تعقيد هذه الشبكات أيضاً ليشمل عمليتي الصيانة والتشغيل على اعتبار أنّ المختصين التقنيين يحتاجون إلى بناء وتسلّق سقالات خاصّة لتنظيف الألواح أو استخدام معدّات متخصصة للحفاظ على هياكل داعمة تحت الماء.
ووصف مانيك جولي، مهندس مشارك في تطوير مشروع ولاية غوجارات الذي كان يعمل في شركة «سان إديسون» في حديث لمجلة المهندسين الكهربائيين الأميركيين، المشاريع التقليدية المثبّتة على الأرض، بأنها بسيطة بينما تتسم المشاريع المركّبة فوق القنوات بكونها عملا هندسيا.
تجربة كاليفورنيا
بعد الدراسة، اكتشف الباحثون في كاليفورنيا أنّه ورغم ارتفاع تكلفتها، يمكن لهذه القنوات الشمسية أن تكون مشاريع «مجدية اقتصاديا» كوسيلة تساعد في تحقيق أهداف الطّاقة النظيفة التي وضعتها الولاية. وأظهرت الحسابات التي أجروها أنّ المكاسب المالية لهذه الشبكات ستكون إنتاج المزيد من الطّاقة وتجنّب تكاليف استخدام الأراضي وتوفير الأموال المطلوبة في مشاريع حفظ المياه، والتي تبيّن أخيراً أنّها تتجاوز التكلفة المرتفعة التي يتطلّبها بناء البنية التحتية الضرورية لهذا المشروع. ونشرت ماك كوين وزملاؤها نتائج دراستهم في دورية «نتشر سوستينيبليتي» المختصة بدراسات الطبيعة المستدامة.
وفي العالم الحقيقي، قدّمت المشاريع التي نُفذت في الهند نتائج واعدة، فبفضل تأثيرات التبريد الطبيعي للمياه، تحسّن إنتاج وفاعلية الألواح المركّبة فوق القنوات بنسبة تتراوح بين 2.5 و5 في المائة، بحسب أرقام معهد غوجارات لأبحاث الطاقة والإدارة. كما أظهرت هذه الألواح ثباتاً في أدائها وفي إنتاجيتها للطاقة طوال فترة الدراسة التي امتدّت لثلاث سنوات. في المقابل، تشهد الألواح الشمسية المثبّتة على الأرض تراجعاً في إنتاجها بنسبة واحد في المائة كلّ عام.
ولأنّ قنوات الري في الهند تمتدّ عبر المناطق الزراعية، فإن الألواح الشمسية التي تغطّي الممرات المائية تساهم في زيادة مخزون المناطق الريفية من الطاقة الكهربائية، والذي يساهم بدوره في تقليص الاعتماد على خطوط النقل البعيدة وتقوية الشبكة المحليّة.
ويشرح جولي أنّ «تكاليف النقل الكهربائي كبيرة جداً في عالم توليد الكهرباء، فضلاً عن خسائر فادحة تحدث أثناء عملية النقل. لهذا السبب، إذا استخدمنا هذه القنوات لإنتاج الكهرباء في المناطق التي تفتقر إلى الطاقة في البلاد، سنتمكّن من تجنّب هذه التكاليف والخسائر في نفس الوقت». وأضاف أنّ المبالغ التي يمكن توفيرها من منع خسائر النقل الكهربائي يمكن أن تعوّض التكاليف الإضافية المطلوبة لبناء وتشغيل القنوات الشمسية.
ثروة مائية
تملك الهند اليوم بفضل 120 نظام قناة شمسية، إمكانية هائلة في إنتاج الطاقة الكهربائية تصل إلى 10 آلاف ميغاواط.
أما في كاليفورنيا فيمتدّ الكثير من قنوات الري في قلب مراكز زراعية معرّضة للجفاف تنتج حوالى نصف محصول الفواكه والخضراوات والحبوب المزروعة في الولايات المتحدة وتؤمّن كمية كبيرة من مجموع صادرات البلاد من المنتجات الغذائية. وأشار باحثو جامعة كاليفورنيا إلى أنّ القنوات الشمسية يمكن أنّ تُستغل كوسيلة لحفظ موارد البلاد المائية في مواجهة التغيّر المناخي الذي يزيد خطر الجفاف الشديد والطويل. يُتوقّع مثلاً أن تساعد القناة الشمسية في غوجارات على منع تبخّر 90 مليون لتر من المياه كلّ عام.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً