نيرون... الوجه الحقيقي لإمبراطور روما المحترقة

صوّروه طاغيةً كان يعزف على أوتار قيثارته والنيران تلتهم عاصمة بلاده

جدارية لجنود من الحرس الإمبراطوري مستعارة من متحف «اللوفر» في باريس (نيويورك تايمز)
جدارية لجنود من الحرس الإمبراطوري مستعارة من متحف «اللوفر» في باريس (نيويورك تايمز)
TT

نيرون... الوجه الحقيقي لإمبراطور روما المحترقة

جدارية لجنود من الحرس الإمبراطوري مستعارة من متحف «اللوفر» في باريس (نيويورك تايمز)
جدارية لجنود من الحرس الإمبراطوري مستعارة من متحف «اللوفر» في باريس (نيويورك تايمز)

لم تكن شبكة النافذة المشوهة فكرة جيدة لدى الجميع حول قطعة من مقتنيات أحد المتاحف. فهي قطعة من الحديد الصدئ المنبعجة بكل اتجاه. ورغم ذلك، وعلى مدار الأشهر الخمسة المقبلة، فإنه ستُخصص لأجلها فترين (واجهة عرض) زجاجية خاصة داخل المتحف البريطاني.
وتلك الشبكة المتهرئة المنبعجة ليست سوى قطعة من مخلفات حريق روما العظيم في عام 64 بعد الميلاد، كما أنها القطعة الأساسية ومحور العرض الجديد والكبير لدى المتحف البريطاني تحت عنوان: «نيرون... رجل وراء الأسطورة». وهو يدور حول شخصية الإمبراطور الروماني من القرن الميلادي الأول الذي تحمل ملامة القرون اللاحقة عبر 2000 سنة كاملة بسبب حريق روما العظيم وانشغاله بعزف الموسيقى على قيثارته المحببة أثناء انتشار النيران التي أتت على عاصمة مملكته. والغرض الحقيقي من وراء المعرض المذكور، يكمن في إماطة اللثام عن السمعة السيئة التي لازمت شخصية نيرون عبر القرون.
يقول هارتفيغ فيشر، مدير المتحف البريطاني، كاتباً في دليل المعرض: «اشتهر نيرون بشخصية الإمبراطور الذي كان يلهو أثناء احتراق عاصمة بلاده، والطاغية صاحب الشخصية القاسية، والعنيدة، وعديمة الرحمة تجاه عائلته، مع قدر كبير من جنون العظمة الذي بلغ حد الإفراط المثير لشفقة جميع من عرفوه».
ورغم ذلك، ومن خلال دراسة المنحوتات، والقطع المعمارية المختلفة، والعملات، والمجوهرات، واللوحات الجدارية القديمة، وألواح الكتابة، فإن المتحف البريطاني يعرض سرداً مغايراً تماماً عن الشاب اليافع الذي صار إمبراطوراً لمملكة مترامية الأطراف ولم يتجاوز عمره 17 عاماً، وهو الذي دفع به خصومه دفعاً لمحاولة الانتحار عند بلوغه الثلاثين من عمره.
وفي السياق، قال ثورستن أوبر، أمين «معرض نيرون» في المتحف البريطاني: «تتسع لائحة الاتهام ضد نيرون للكثير والكثير مما هو معروف ومألوف. فلقد كان متهماً بعلاقة غير شرعية مع والدته، ثم باغتيالها، فضلاً عن قتله زوجتيه تباعاً، وكان موصوفاً بكل معالم الشر والفساد: الإمبراطور المبذر، والأخرق، والمجنون الذي أحرق روما حتى يبني لنفسه قصراً منيفاً على أطلالها».
واستطرد أوبر قائلاً: «ترتكن هذه الاتهامات إلى تلاعبات بالأدلة التاريخية وإلى الأكاذيب الملفقة، القوية للغاية، التي ترجع إلى 20 قرناً من الزمان. وبدأت عجلة الاتهامات السيئة بحق نيرون في الدوران عندما كان على قيد الحياة، وذلك لمّا استشعر أعضاء النخبة الرومانية الحاكمة المخاطر والتهديدات جراء الإصلاحات الاجتماعية التي كان يعتزم الملك نيرون إدخالها، فضلاً عن اعتنائه بأبناء الطبقات الدنيا من المجتمع الروماني، من ثم تواصل سيل الاتهامات والتشهير بسمعة الملك لفترة طويلة للغاية بعد وفاته»، وأضاف أوبر يقول: «في واقع الأمر، كان نيرون يحاول جاهداً وبكل جدية الإصلاح من أحوال الإمبراطورية، ولقد جرى التعامل معه بطريقة سيئة للغاية منذ ذلك الحين».
ولا يعدّ المتحف البريطاني المؤسسة الثقافية الأولى التي تعيد النظر والدراسة في قضية نيرون. ففي عام 2016، نظّم متحف ولاية راينلاند في مدينة ترير الألمانية معرضاً عن شخصية نيرون، ولم يعتمد فيه الصورة النمطية لشخصية الملك الطاغية المعهودة، وإنّما خرج بتصور جديد حول الملك العاشق للفنون، غير العابئ بمجريات السياسة ودهاليزها، ليدفع ثمن ذلك غالياً من سمعته طيلة القرون الماضية. وفي عام 2011، نظم متحف «باركو أركيالوجيكو ديل كولوسو» الإيطالي للآثار في روما، الذي يشرف على الكولوسيوم الإيطالي الشهير فضلاً عن الاعتناء بقصر «دوموس أوريا» الخاص بنيرون، معرضاً معنياً بإعادة النظر وتقييم شخصية الملك الروماني وصورته الملفقة الشائعة بنهمه للحريق وتعطشه لسفك الدماء.
يفتتح المعرض الملحق بالمتحف البريطاني أبوابه، بمثال على الدعاية المناهضة لشخصية نيرون: تمثال الرأس الرخامي الذي يعدّ من أبرز التمثيلات العاكسة لشخصية الإمبراطور القديم على نطاق عالمي واسع. ويعكس النصف العلوي التمثال الروماني الأصلي لنيرون، مع تأكيد على السمة القديمة المعروفة للملك القديم. ولقد أُعيد نحته ليتخذ صورة مغايرة تماماً للإمبراطور الروماني (كما جرت العادة في غالب الأمر مع تماثيله)، على صورة الملك نيرون في القرن السابع عشر، ولكن هذه المرة بلحية واضحة وفم مقلوب في لمحة ساخرة واضحة للغاية.
وتعليقاً على ذلك، يقول أوبر مدير المعرض: «إنها صورة اصطناعية تتبع التصور النمطي عن الملك؛ إذ تبدو الحقيقية من حياة نيرون، مختلفة عن ذلك تمام الاختلاف».
ورغم ذلك، فإنه قد شاعت صورة نيرون الأولى في التصور الجماعي. ويوجد على الحائط الخلفي وراء ما يُطلق عليه الكتالوغ، «أكثر الانعكاسات شهرة لشخصية الملك نيرون في العصر الحديث»: عبارة عن مشهد من فيلم «كو فاديس»، من إنتاج عام 1951، الذي لعب فيه الممثل البريطاني الشهير سير بيتر أوستينوف دور نيرون المجنون بلحيته الشهيرة، وهو يواصل العزف على قيثارته أثناء احتراق روما من حوله.
يعاود المعرض الجديد النظر في الأسطورة القديمة وفحصها من زاوية القطع الأثرية والمستندات المتحصل عليها من كل أرجاء الإمبراطورية الرومانية القديمة؛ إذ يتضح لكل ذي لب وفهم أن حريق روما القديم لم يكن سوى حادثة احتراق غير مدبرة، وأن الملك نيرون لم يكن في العاصمة الرومانية عندما بدأ الحريق في المقام الأول.
وبعد إخماد الحريق، شرع الملك نيرون في إطعام المصابين، وإيواء المشردين، وإعادة بناء المدينة. وتعكس عملة ذهبية ترجع إلى عام أو عامين بعد سنة الحريق (وهي واردة في الدليل وليست في المعرض)، صورة الملك نيرون على أحد الوجهين، وعلى الوجه الآخر مجسم لمعبد «فيستا» الجديد، وهو أحد المعالم المهمة في المدينة القديمة، الذي أُعيد بناؤه بعد إخماد الحريق الكبير.
أوضح أوبر أن الملك نيرون اهتم كثيراً بالعثور على الجناة المتسببين في الحريق والقبض عليهم، ومن ثمّ بدأت مطاردة مهمة لجماعة متفرعة عن الطائفة اليهودية؛ تلك التي عُرفت في أزمنة لاحقة بالمسيحيين. ومن ثم وُصمت شخصية نيرون بالعدو الأول للمسيح، لدى من سيصبحون أتباع الديانة المسيحية ذات الهيمنة على الحضارة الغربية فيما بعد.
وفي الأثناء ذاتها، استحدث الملك نيرون وسائل مختلفة للترفيه عن أبناء مملكته، ومن بينها سباق العربات، ومباريات المصارعة الرومانية الشهيرة، والعروض المسرحية المفتوحة (فلقد كان نيرون بنفسه متسابقاً للعربات وعاشقاً للموسيقى في زمانه). وفي عهده، افتُتح سيرك ماكسيموس الضخم في «استاد روما الكبير» الذي كان يتسع في تلك الآونة لـ150 ألف متفرج. وكانت لدى الإمبراطور مدرسته الخاصة لفنون المصارعة، وكان قد اختار مصارعاً شهيراً في ذلك الزمان ليتولى مسؤولية الحراسة الشخصية للإمبراطور.
تقول الدكتورة ماري بيرد، أستاذة الأدب الكلاسيكي في جامعة كامبريدج ومن أعضاء مجلس إدارة المتحف البريطاني: «تعرضت شخصية الملك نيرون لكثير من الإساءات البالغة؛ نظراً لانهماكه الشديد وانغماسه الكبير في أمور اللهو، والترفيه بإفراط مبالغ فيه، ولكنّه لم يختلف في تلك السمة عمن سبقوه أو لحقوه من ملوك وأباطرة الإمبراطورية الرومانية من أمثال كاليغولا أو دوميتيان». وأضافت: «كانت شخصيات هؤلاء الأباطرة المنفردين باعثة على الحيرة البالغة. ولقد وصلت إلينا أخبارهم عبر أجندات سياسية عميقة التأثير لمن خلفوهم وجاءوا من بعدهم. ومن بين الحقائق التي تتبدى إلينا من دراسة الثقافة المادية القديمة أن الإمبراطورية الرومانية كانت تنتهج السبيل نفسه إلى درجة كبيرة، عبر فترات الصعود والهبوط المتواترة، بصرف النظر تماماً عن شخصية الملك الجالس على عرش البلاد».
وبالعودة إلى المعرض، نجد أن من بين أجمل أقسامه ذلك القسم المخصص للقصر المنيف الذي بناه الإمبراطور نيرون ليكون بلاط مملكته، ويضم أروقة حكومته، وجيش الموظفين المكون من آلاف العمال والخدام، وكان معروفاً باسم قصر «دوموس أوريا» أو «القصر الذهبي».
ومن المرجح أن يكون القصر قد حاز اسمه الشهير خلال فترة حكم الملك نيرون في إشارة إلى الزخارف الداخلية البديعة الموشّاة بالذهب، أو إلى الزخارف المعمارية التي تتلألأ لامعة تحت أشعة الشمس. ويشتمل المعرض كذلك على أجزاء من لوحة جصية مذهبة مع عمود من البرونز المطعم بالأحجار الكريمة من الطراز الذي خلع على قصر الإمبراطور سمعته السيئة كبقعة من بقاع الإسراف والترف.
ولم يتبق من قصر «دوموس أوريا» القديم إلا قسم واحد فقط؛ هو الغرف التي كانت تستخدم قديماً في إقامة الحفلات والمآدب الملكية المهيبة. أما بقية أجزاء القصر؛ فلقد هُدمت وخُرّبت على أيدي الملوك من خلفاء نيرون.
ومن المنتظر إعادة افتتاح قصر «دوموس أوريا» أمام الجمهور بدءاً من النصف الثاني من شهر يونيو (حزيران) المقبل، مع مدخل جديد تماماً من أعمال المصمم المعماري الإيطالي الشهير ستيفانو بويري. وكان موقع القصر القديم، المجاور لمبنى الكولوسيوم الإيطالي المعروف، مفتوحاً للزيارة للمرة الأولى في عام 1999، وأُغلق بعد ذلك في عام 2005 بعد مواسم الأمطار الغزيرة التي جعلت من أعمال صيانته وترميمه ضرورة ملحة. ثم أعيد افتتاحه مرة ثانية في عام 2014، وكان منذ ذلك الحين من المواقع الأثرية الشهيرة والمهمة وحتى بدء انتشار فيروس «كورونا» المستجد في إيطاليا.
تقول ألفونسينا روسو، وهي مديرة متحف «باركو أركيالوجيكو ديل كولوسو» للآثار في روما، إنه رغم أن المساحة الأصلية لقصر «دوموس أوريا» كانت تغطي قطاعاً هائلاً من الأراضي في روما القديمة، فإنه لم يكن بحال أكبر مساحة من قصور الملوك والأباطرة الآخرين في روما. وتابعت: «كان الملك نيرون ضحية فترة حكمه وزمان ملكه، فلقد كان آخر الملوك من سلالة الأسرة اليوليوكلاودية الحاكمة، مع كثير من الخصوم والأعداء، وعانى جراء ذلك من مصير مؤلم وحزين».
إثر هجوم خسيس من فصيل مناوئ في مجلس شيوخ روما القديمة، تخلّى عنه حرسه الإمبراطوري الخاص، وانتهى الأمر بالملك نيرون ليلقى حتفه منتحراً في قصر صغير خارج ضواحي عاصمة مملكته.
* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».