«مرحباً بكم»، تلك الكلمة التي استقبل بها جون غيلهولي، المدير العام لقاعة ويغمور، الجمهور الجديد وهو يقف قبالة المسرح المستدير الصغير في القاعة، ليرد الجمهور بعاصفة من التصفيق الكبير له ولمجموعة متميزة من عشاق موسيقى الحجرة.
فقد شهد صباح يوم الأحد الموافق 23 مايو (أيار) الجاري تلك الفعالية اللطيفة، وكان أول حفل موسيقي يُنظم في قاعة ويغمور منذ أن أغلقت القاعة أبوابها جراء الوباء الشديد منذ مارس (آذار) الماضي. وقال غيلهولي، البالغ من العمر 47 عاماً، معلقاً على الأمر: «أفضل أن أختار شيئاً متميزاً في كل عرض أقدمه. وبيانو إلغار كونتيت الذي سوف تستمعون إليه اليوم كانت قاعة ويغمور قد استضافته للمرة الأولى في يوم الأربعاء الموافق 21 مايو (أيار) من عام 1919، عندما كانت بلادنا تسعى للخروج من براثن أزمة أخرى كبيرة وقتذاك».
تحاول قاعة «ويغمور» الشهيرة الخروج أيضاً من آخر أزماتها بمشاعر مفعمة بكل ثقة وإصرار وتفاؤل. وعلى اعتبار أنها كانت من أولى القاعات التي شهدت الحفلات الموسيقية التي جرى بثها مباشرة في الأيام الأولى من انتشار الوباء، كانت «ويغمور» قد حازت بذلك على مزايا معتبرة من حسن النوايا لدى الجمهور، فضلاً عن المنح والتبرعات السخية. ومع أن كثيراً من أماكن العروض الموسيقية الصغيرة والمحدودة تحاول فتح أبوابها بكل إرهاق وصعوبة بعد مرور ستة أشهر من قرارات الإغلاق القسري المؤلمة، تستعد قاعة «ويغمور» الكبرى للاحتفال بالذكرى 120 لتأسيسها من خلال برنامج فني جديد وطموح للغاية، ذلك الذي بدأت فعالياته اعتباراً من يوم الأحد الماضي.
تتخذ هذه القاعة، دون غيرها، محلاً متميزاً في قلوب عشاق الموسيقى في البلاد منذ عام 1901، وهو تاريخ تأسيسها وافتتاحها أمام الجمهور كقاعة للحفلات الموسيقية على أيدي الشركة الألمانية المصنعة للبيانو «بيكستاين» ذي الشهرة العالمية، والتي كانت تحتفظ لنفسها بصالة عرض خاصة ومجاورة. وتأتي البوابة الخشبية الرصينة أسفل مظلة مخروطية وافرة من طراز «آرت نوفو» تلك التي تقودك إلى القاعة الكبيرة التي تتسع مقاعدها لاستقبال 540 زائراً، مع اللون الأحمر القاني الذي يميز مقاعد الصالة، والرخام الفخم، والألواح الخشبية المذهبة، حتى إنك تشعر حال دخولك القاعة كأنك تنتقل زمنياً عبر بوابة عصر مختلف تماماً.
ربما تعد قاعة «ويغمور» من أهم مواقع فنون موسيقى الحجرة في عموم المملكة البريطانية، إذ تحظى القاعة العريقة بقدر كبير من ولاء الجمهور في العاصمة لندن، ممن واتتهم الفرصة تلو الأخرى لحضور أغلب الحفلات الموسيقية في القاعة، والتي تجاوز عددها 500 حفلة في العام الواحد قبل الإغلاق المؤسف في شهر مارس (آذار) من العام الماضي.
غير أن المخاطر الجمة لم تستثنِ حتى أفضل قاعات الحفلات الموسيقية وغيرها من المسارح البريطانية الأخرى منذ بدء انتشار الوباء الراهن، مع بلوغ الإيرادات حدها الصفري، واستمرار ارتفاع التكاليف التي يلزم الوفاء بها، مع نوبات القلق والتوتر المتكررة بشأن المستقبل وآفاقه المجهولة. اتجهت بعض القاعات إلى خيار افتتاح العروض الحية أمام الجماهير بأعداد محدودة خلال فترة وجيزة في خريف العام الماضي، حتى تعاود الإغلاق القسري مرة أخرى مع أوائل ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه. لتبقى قيد الإغلاق والتوقف التام حتى 17 مايو (أيار) من العام الجاري، وهو تاريخ السماح لها بفتح أبوابها لتنظيم العروض المحدودة بأعداد صغيرة من الحضور.
لقد تولى جون غيلهولي، المولود في مدينة ليمريك في أيرلندا، وعمل هناك مطرباً لفترة من الوقت، منصب المدير التنفيذي لقاعة «ويغمور» بحلول العام السابع والعشرين من عمره، ثم أصبح المدير العام للقاعة العريقة بعد ذلك بخمس سنوات كاملة. وعلى الرغم من أنه لا يوحي إليك بمظهر المدير المعتاد على مواجهة المخاطر والمجازفة الكبيرة، فإنه كان حاسماً للغاية طوال فترة انتشار الوباء الراهن بشأن دخول الموسيقيين إلى قاعة «ويغمور» - وكثير منهم من الشخصيات المشهورة في مجالات فنونهم، غير أن بعضهم كان أقل شهرة، وربما جرأة في اتباع خطوات برنامجه.
ومع بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي، شرعت قاعة «ويغمور» في تقديم الحفلات الموسيقية اليومية المجانية من داخل القاعة الخاوية، عبر خدمة البث المباشر بالاشتراك مع هيئة الإذاعة البريطانية. وعلى مدار العام الماضي بأكمله، وعبر مختلف متغيرات الافتتاح والإغلاق، كانت القاعة العريقة قد بثت ما لا يقل عن 250 عرضاً موسيقياً من أعمال 400 فنان وموسيقار مختلفين، بما في ذلك فنانون يقيمون في لندن من أمثال ميتسوكو أوشيدا، وإيستن ديفيز، وستيفن هوغ. ولاقت حفلات الموسيقى الكلاسيكية ذات البث المباشر ترحيباً وإشادة بالغين من جانب عشاقها ومحبيها في مختلف أرجاء البلاد على اعتبارها منارة للضوء في خضم الأوقات العصيبة الراهنة.
يقول الموسيقار ستيفن هوغ، الذي جذبت حفلته الافتتاحية في الأول من يونيو (حزيران) الماضي، ما لا يقل عن 800 ألف مشاهدة حية: «يكتب إليّ الناس ويراسلونني من مختلف أصقاع العالم، لقد كانت ردود فعل الحفل الموسيقي الحي مذهلة للغاية، كانت أشبه ما تكون برمزية إقامة الحفلات الموسيقية في المعرض الوطني البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية».
نجحت قاعة «ويغمور» في الفرار من معوقات البدايات بوتيرة أسرع من أغلب القاعات الفنية الأخرى، نظراً للجهود والاستثمارات التي بذلها غيلهولي ومجلس إدارته في كاميرات التصوير ومعدات التسجيل المتطورة بدءاً من عام 2015 وحتى اليوم، ذلك عندما شرعوا في تنفيذ خطة عرض الحفلات الموسيقية بصفة شهرية. لقد كانت خطوة رائدة وتقدمية تتسم بالتأني والروية لمؤسسة عريقة فنية تحترم تقاليدها الراسخة المرعية، فضلاً عن اتخاذ القرار المهم بالبث المباشر للحفلات الموسيقية المجانية.
وتتلقى قاعة «ويغمور» الفنية دعماً مالياً بقيمة 300 ألف جنيه إسترليني من الحكومة البريطانية، فضلاً عما تؤمنه القاعة بنفسها ولنفسها من حملات جمع التبرعات التي تصل إلى ثمانية ملايين من الجنيهات الإسترلينية، أو ما يوازي 11 مليون دولار إجمالاً. كما تحصل القاعة العريقة على ما يزيد على نصف دخلها من شباك تذاكر الحفلات التي تنظمها (في غير فترات الوباء الراهن)، وتتأتى بقية الأموال من حملات جمع التبرعات المستمرة.
يقول كيفن أبلبي، وهو مدير قاعة «تيرنر سيمز» للحفلات الموسيقية، ذات الـ350 مقعداً في مقاطعة ساوث هامبتون في إنجلترا: «تملك قاعة ويغمور حفنة رائعة من القادة والمديرين فيما يتعلق بإدارة أنشطة القاعة عبر شبكة الإنترنت. غير أن هناك تساؤلاً دائماً يشغلني: كيف يحققون الأرباح من وراء تلك الأنشطة على أي حال؟».
ثم استطرد مضيفاً: «هل تحتفظون بنموذج لأعمالكم على الإنترنت؟ نموذج أعمال مختلط مثلاً؟ وهل لن يتمكن جانب من الجمهور، لا سيما من كبار السن، من العودة إلى زيارة القاعة نفسها إن كانوا يستطيعون متابعة كل الحفلات الموسيقية التي يفضلونها عبر شاشات التلفاز في المنازل؟».
يقول غيلهولي إنه على الرغم من مجانية الحفلات الموسيقية التي جرى بثها مباشرة على الهواء للمشاهدين، فإنها كانت تجلب الأرباح وتجذب الاهتمام لصالح القاعة على الدوام. ولقد حققت تلك الحفلات المجانية نسب مشاهدة مرتفعة بلغت 7 ملايين مشاهدة عبر شبكة الإنترنت من كل أرجاء العالم، مع سيل من إسهامات الإشادة والامتنان التي اتخذت صورة المشاركات المالية بمليون جنيه إسترليني من فئة العشرين جنيهاً، وفئات أكبر من ذلك من قبل بعض الشخصيات والمؤسسات المعنية. وأردف غيلهولي مضيفاً: «لقد ارتفعت قيمة عضوية قاعة ويغمور المدفوعة من 10 آلاف إلى 15 ألف جنيه إسترليني، مع أكثر من 400 ألف شخص على قائمة القاعة البريدية في الآونة الراهنة».
وأضاف غيلهولي موضحاً أن هذا النمو الرائع لم تعرقله مخططات برامج القاعة الطموحة التي تتسم بالمغامرة، بما في ذلك عرض أعمال الملحن الأميركي الأسمر غير المعروف للجميع يوليوس إيستمان، فضلاً عن الحفلات الموسيقية للفنون المعاصرة من فرق أخرى مثل «هيرميس إكسبرمنت» أو فرقة «رايوت إنسامبل». وقال: «لقد نحيت الخوف جانباً من الأشخاص الذين ربما يعترضون على طرح مزيد من البرامج الموسيقية ذات الصبغة التجريبية، نظراً لانعدام التواصل المباشر مع الجماهير منذ فترات طويلة»، وأضاف أن كثيراً من المشتركين المنتظمين لدى القاعة، ممن يعتبرهم محافظين بالدرجة الأولى، كانوا يرحبون بمتابعة تلك الحفلات الموسيقية المعاصرة، وربما الجريئة.
تقول غوينيث آن راند، السوبرانو السمراء، ومن الزملاء الجدد المنضمين حديثاً لفريق العمل في القاعة: «إنه يفتح آفاق العوالم الموسيقية الجديدة والمختلفة على جمهور القاعة الكبير، وهي خطوة أرى أنها تستلزم قدراً معتبراً من الدراية، والجرأة، والرؤية الفنية الثاقبة».
خدمة «نيويورك تايمز»
قاعة «ويغمور» تستعد للاحتفال بذكرى تأسيسها الـ 120
إعادة افتتاحها بمزيد من الجرأة والثقة
قاعة «ويغمور» تستعد للاحتفال بذكرى تأسيسها الـ 120
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة