«الأرض للجميع»... أغنية بالإنجليزية بالتعاون مع الأمم المتحدة

تانيا قسيس: أحداث فلسطين دفعتني إلى هذه الخطوة

السوبرانو اللبنانية تانيا قسيس في أغنية «Land for all»
السوبرانو اللبنانية تانيا قسيس في أغنية «Land for all»
TT

«الأرض للجميع»... أغنية بالإنجليزية بالتعاون مع الأمم المتحدة

السوبرانو اللبنانية تانيا قسيس في أغنية «Land for all»
السوبرانو اللبنانية تانيا قسيس في أغنية «Land for all»

منذ بداياتها أعطت السوبرانو تانيا قسيس الموضوعات الإنسانية التي تدور في فلك السلام، مساحة لا يستهان بها من أعمالها الفنية. وعادة ما تختارها منظمة الأمم المتحدة للتعاون معها في مجالات مختلفة، ومن هذا المنبر العالمي عادة ما تكون خير ممثل للبنان.
أطلقت تانيا قسيس مؤخراً، أغنية «الأرض للجميع» بالإنجليزية، وذلك بالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام في لبنان. قسيس سبق أن قدمت الأغنية نفسها بالعربية في عام 2016.
وعن سبب إعادة إطلاقها اليوم بالإنجليزية، تقول قسيس «لقد شعرت أنّها ستأخذ منحى عالمياً غير محدود، فتصل بالإنجليزية إلى أكبر عدد من الناس. العالم بأجمعه اليوم يفتقد السلام والطمأنينة والوحدة، وهي معانٍ أتطرق إليها في الأغنية. وربما ما جرى في فلسطين في الأيام الأخيرة دفعني للقيام بهذه الخطوة». تتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «تأثرت كثيراً بالحرب التي حصلت في فلسطين؛ مما دفعني إلى توسيع بيكار الأغنية، ونشرها بلغة عالمية. فهي تحمل رسالة عامة تحاكي الظروف والصعوبات التي نعيشها. تذكر الإنسانية والوحدة وضرورة مساندتنا بعضنا بعضاً». وعن سبب تضمن عدد من أغنياتها موضوعات إنسانية، وأخرى تحكي عن الطفولة، ترد «لم أحلل يوماً، لماذا تأخذ مني هذه الموضوعات حيزاً رئيسياً في مسيرتي المهنية. ولكن منذ بداياتي حين كنت في الثامنة عشرة من عمري، صدف أن قدمت أغنية (يا قدس) في مهرجان الألعاب الفرنكوفونية في كندا عام 2001، ضمن منحى سلمي، من تأليف الراحل إلياس الرحباني. نلت يومها ميدالية تقديراً عليها، ومنذ ذلك الوقت أحسست لا شعورياً أني أمثل بلدي، وأن عليّ أن أحمله دائماً في مشواري».
وتشير قسيس، وهي سفيرة فخرية للكتيبة الكورية في قوات حفظ السلام في لبنان، إلى أنّ لديها شعوراً مسبقاً بأحداث قبل حصولها على الأرض. وتوضح «ولا مرة انتظرت حصول حدث أو حالة معينة لأتناولها في أغنياتي. كنت أستبق الأمر وأطلق الأغنية، فتأتي مناسبة وكأني خططت لها من قبل. وهذا ما حصل مع أغنيتي اليوم (الأرض للجميع) التي جاءت انطلاقتها بالإنجليزية لتواكب الأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة».
وعن طبيعة تعاونها مع الأمم المتحدة في أكثر من عمل غنائي، تقول «لا شك أنها مسؤولية كبيرة تحمّلني إياها جهة رسمية عالمية كالأمم المتحدة. فهي تلجأ إليّ لأنّ لديها ثقة كبيرة بي، لنتعاون معاً على صعد مختلفة، منها قضايا الأطفال والإنسانية والسلام. وعندما أطلقت أغنية (الأرض للجميع) بالعربية كان ذلك خلال حفل لبلدان المتوسط الذي جرى في مقر الأمم المتحدة في جنيف. وقد لاقت صدى طيبا وهو ما دفعنا إلى التعاون من جديد معهم لتقديم نسختها الإنجليزية (Land for all)».
الأغنية من كلمات تانيا قسيس وألحان وتوزيع الموسيقي ميشال فاضل، وقد استعارت لها مقطعاً من أجواء الأغنية الشهيرة «o fortuna»، من كارمينا بورانا إلى كارل أورف، وسُجّلت مع أوركسترا كييف وكورال مؤلف من 100 مغنٍ. وقد أطلقت الأغنية في بيروت بنسختها الإنجليزية، بالتعاون مع «مركز الأمم المتحدة للإعلام» برئاسة مارغو الحلو.
وتؤكد قسيس، أن تضمّن أغانيها عنصر الطفولة يأتي من باب تمسكها بتوعيتهم وتعريفهم على ما يدور من حولهم. وتقول «أعتقد أنّ كل ما نقوم به على الصعيد الإنساني، وما نحلم بإنجازه من تغييرات في العالم، نهديه بصورة غير مباشرة لهؤلاء الأطفال. فهم الذين سيختبرون هذه التغييرات إذا ما حصلت؛ لذلك أحرص على أن يرافقوني في أعمالي المصورة، حتى في المسرحية منها. وهم على فكرة تلامذتي في معهد تعليم الموسيقى الأكاديمي الذي أملكه».
وعن مدى تفاعل الناس بشكل عام مع هذا النوع من أغانيها، تقول «ألمس تشجيعاً كبيراً؛ فهم يهتمون بهذا النوع من الأغاني، ويصغون إليه ويحبونه. وهذا الاهتمام ينعكس إيجاباً على الأولاد، الذين أحاول من خلال هذه الأغنيات، لفت نظرهم وتعليمهم نبذ الحروب ومشاعر الحقد والتشرذم. يجب أن يتنبه الأطفال لهذا الأمر منذ الصغر، لتولد عندهم صلابة عند الكبر، ويصبح لديهم فكرة واسعة عن الأوطان، وضرورة التمسك بالوحدة للحفاظ عليها، وكذلك تقديم المساندة للآخر من دون تفرقة. وهي في رأيي عناصر أساسية في تربيتنا لأولادنا».
وعن مشاريعها المستقبلية تقول «أستعد لحفلات غنائية سأحييها بين باريس ودبي ومصر. كما أحضّر لمقطوعة غنائية مع توزيع موسيقي (ريميكس) جديد بعنوان (window in your morning). التي سبق أن أطلقتها أيام الحجر المنزلي أثناء الجائحة في لبنان، ورغبت بأن أعطيها حيزاً أكبر، لأنّها تحكي عما عشناه في تلك الفترة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».