الحريري مطالب بهجوم «انتحاري» لتحريك تشكيل الحكومة

لم يسبق للبنان أن شهد منازلة مماثلة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف

الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)
الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)
TT

الحريري مطالب بهجوم «انتحاري» لتحريك تشكيل الحكومة

الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)
الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)

أمّا وأن جلسة البرلمان اللبناني قد انتهت إلى تعطيل المفاعيل السياسية للرسالة التي سطّرها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى البرلمان وأعادت تثبيت تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، فإن المطلوب منه أن يبادر إلى إخراج عملية التأليف من الحلقة المفرغة التي تدور فيها لأن الربح الذي حققه من خلال المبارزة يجب أن يؤسس لدخول البلد في مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة التي كانت سائدة قبل الاحتكام للمجلس النيابي الذي قال كلمته في الرسالة الرئاسية.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي إن الربح الذي حصده الحريري لا يُصرف في مكان في حال لم يبادر إلى توظيفه باتجاه إخراج عملية تأليف الحكومة من التأزُّم الذي يحاصرها بإعادة تحريكه لمشاورات التأليف بحسب الأصول المنصوص عليها في الدستور، ويؤكد أن تثبيت إعادة تكليفه وإن كان أنعش حاضنته السياسية وأتاح له تسجيل مجموعة من النقاط في مرمى عون ومن خلاله في مرمى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل فإنه في المقابل لم يبدّل من الواقع المأزوم للبنانيين.
ويلفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن السواد الأعظم من اللبنانيين لا يعير أهمية لمن ربح أو خسر في المنازلة التي شهدتها الجلسة النيابية ما دام أن بلدهم هو الخاسر الوحيد ولا تلوح في الأفق بوادر انفراج تدعوهم للتفاؤل في إمكانية إنقاذه من الانهيار الآخذ إلى السقوط بغياب الحلول الجدية لوقف تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية غير المسبوقة مع أن الآتي أعظم.
ويؤكد أنه لم يسبق للبنان أن شهد منازلة بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس المكلف كتلك الحاصلة الآن، ويقول إن على الأخير أن يوظّف رجحان كفته في هذه المنازلة بإعادة تحريك مشاورات التأليف ولو من جانب واحد، وبالتالي لا شيء يمنعه من إعادة طرح تشكيلة وزارية جديدة، إنما ليس على الشروط التي طرحها باسيل بالنيابة عن عون في رسمه خريطة الطريق للرئيس المكلّف ومن خلاله للمجلس النيابي الذي لم يأخذ بها.
ويأمل ألا تطول إقامة الحريري في أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة التي وصلها فور انتهاء الجلسة النيابية، ويقول إن لوجوده في بيروت أكثر من ضرورة لقطع الطريق على الحملة المنظّمة التي يقودها نواب «التيار الوطني» ضده للتعويض عن الخسارة التي مني بها التيار السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية الذي لم يعد من همّ لديه سوى تحييد فريقه عن العقوبات الفرنسية التي تستهدف المعرقلين لتشكيل الحكومة، وهذا ما يكمن في رسالته للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي توخى منها تبرئة ذمته من التعطيل وحصره بالحريري.
ويدعو المصدر نفسه الحريري لمعاودة تحريك ملف تشكيل الحكومة آخذا في الاعتبار الغطاء السياسي الذي أمّنه له البرلمان، ويسأل ما المانع من قيامه بهجوم سياسي باتجاه عون حتى لو كان «انتحارياً»؟ لأن لا مصلحة له بأن يدير ظهره لقرار «التوصية» الذي صدر عن الجلسة النيابية وجاء لمصلحته لأنه أعاد ترسيم حدود التأليف وفقاً للأصول الدستورية، وهذا ما أصاب الفريق السياسي لعون بصفعة سياسية وضعت حداً لاجتهاداته الخارجة عن الدستور.
ويرى أن لا مصلحة للحريري في التفريط بالقرار الذي صدر عن الجلسة النيابية ويعزو السبب إلى أن مجرد إغفاله لمضامينه سيتيح لخصومه بأن يلتقطوا أنفاسهم ويعدّون العدّة لاستهدافه بحملة سياسية مضادة تحت عنوان أنه لا يريد تشكيل الحكومة، مع أنه لم يعد بيد عون من أوراق يمكنه استخدامها بعد أن فرّط بآخر ورقة لديه، والمقصود بها رسالته إلى الرئيس ماكرون.
لذلك بات على الحريري أن يبادر إلى حشر عون وفريقه السياسي الذي حاول بلسان باسيل في الجلسة النيابية تحويل رئاسة الحكومة إلى حقل اختبار لممارسات «العهد القوي» في فرضه لمعايير جديدة مخالفة للدستور يصر على اتباعها كشرط لتشكيل الحكومة، وصولاً إلى انتزاع الدور المناط بالبرلمان في منحه الثقة للحكومة وتجييره لمصلحة رئيس الجمهورية.
فباسيل أوقع نفسه في هرطقة دستورية عندما أناط بالكتل النيابية تسمية من يمثلها في الحكومة، ما يعني أنه يريد أن يحصر دور الرئيس المكلف بتلقّي أسماء المرشحين وإحالتها إلى رئيس الجمهورية باعتبار أنه وحده ومن وجهة نظره من يمنح الثقة للحكومة.
وعليه تترقب الأوساط السياسية الخطوة التي سيقدم عليها الحريري بعد أن بايعه البرلمان بتشكيل الحكومة وهذا يتطلب منه الانتقال من الدفاع إلى الهجوم متجاوزاً انعدام الثقة وفقدان الكيمياء السياسية بينه وبين عون لأنه لم يعد من الجائز الاستمرار في تعطيل تشكيل الحكومة في ضوء استعداد رئيس المجلس نبيه بري لإعادة تشغيل محركاته بغية الضغط لتهيئة الأجواء بلا شروط للإسراع بتشكيلها انسجاماً مع مضمون القرار الذي صدر عن البرلمان، والتزاماً بمواصفاته لإحياء المبادرة الفرنسية بعيداً عن التجاذبات التي يراد منها تسجيل النقاط لأنه يُفترض بالطبقة السياسية ألا تبقى في غربة عن اللبنانيين وأوجاعهم.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».