الحريري مطالب بهجوم «انتحاري» لتحريك تشكيل الحكومة

لم يسبق للبنان أن شهد منازلة مماثلة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف

الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)
الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)
TT
20

الحريري مطالب بهجوم «انتحاري» لتحريك تشكيل الحكومة

الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)
الحريري متحدثاً في الجلسة الأخيرة للبرلمان (الوطنية)

أمّا وأن جلسة البرلمان اللبناني قد انتهت إلى تعطيل المفاعيل السياسية للرسالة التي سطّرها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى البرلمان وأعادت تثبيت تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، فإن المطلوب منه أن يبادر إلى إخراج عملية التأليف من الحلقة المفرغة التي تدور فيها لأن الربح الذي حققه من خلال المبارزة يجب أن يؤسس لدخول البلد في مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة التي كانت سائدة قبل الاحتكام للمجلس النيابي الذي قال كلمته في الرسالة الرئاسية.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي إن الربح الذي حصده الحريري لا يُصرف في مكان في حال لم يبادر إلى توظيفه باتجاه إخراج عملية تأليف الحكومة من التأزُّم الذي يحاصرها بإعادة تحريكه لمشاورات التأليف بحسب الأصول المنصوص عليها في الدستور، ويؤكد أن تثبيت إعادة تكليفه وإن كان أنعش حاضنته السياسية وأتاح له تسجيل مجموعة من النقاط في مرمى عون ومن خلاله في مرمى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل فإنه في المقابل لم يبدّل من الواقع المأزوم للبنانيين.
ويلفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن السواد الأعظم من اللبنانيين لا يعير أهمية لمن ربح أو خسر في المنازلة التي شهدتها الجلسة النيابية ما دام أن بلدهم هو الخاسر الوحيد ولا تلوح في الأفق بوادر انفراج تدعوهم للتفاؤل في إمكانية إنقاذه من الانهيار الآخذ إلى السقوط بغياب الحلول الجدية لوقف تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية غير المسبوقة مع أن الآتي أعظم.
ويؤكد أنه لم يسبق للبنان أن شهد منازلة بين رئيس الجمهورية وبين الرئيس المكلف كتلك الحاصلة الآن، ويقول إن على الأخير أن يوظّف رجحان كفته في هذه المنازلة بإعادة تحريك مشاورات التأليف ولو من جانب واحد، وبالتالي لا شيء يمنعه من إعادة طرح تشكيلة وزارية جديدة، إنما ليس على الشروط التي طرحها باسيل بالنيابة عن عون في رسمه خريطة الطريق للرئيس المكلّف ومن خلاله للمجلس النيابي الذي لم يأخذ بها.
ويأمل ألا تطول إقامة الحريري في أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة التي وصلها فور انتهاء الجلسة النيابية، ويقول إن لوجوده في بيروت أكثر من ضرورة لقطع الطريق على الحملة المنظّمة التي يقودها نواب «التيار الوطني» ضده للتعويض عن الخسارة التي مني بها التيار السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية الذي لم يعد من همّ لديه سوى تحييد فريقه عن العقوبات الفرنسية التي تستهدف المعرقلين لتشكيل الحكومة، وهذا ما يكمن في رسالته للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي توخى منها تبرئة ذمته من التعطيل وحصره بالحريري.
ويدعو المصدر نفسه الحريري لمعاودة تحريك ملف تشكيل الحكومة آخذا في الاعتبار الغطاء السياسي الذي أمّنه له البرلمان، ويسأل ما المانع من قيامه بهجوم سياسي باتجاه عون حتى لو كان «انتحارياً»؟ لأن لا مصلحة له بأن يدير ظهره لقرار «التوصية» الذي صدر عن الجلسة النيابية وجاء لمصلحته لأنه أعاد ترسيم حدود التأليف وفقاً للأصول الدستورية، وهذا ما أصاب الفريق السياسي لعون بصفعة سياسية وضعت حداً لاجتهاداته الخارجة عن الدستور.
ويرى أن لا مصلحة للحريري في التفريط بالقرار الذي صدر عن الجلسة النيابية ويعزو السبب إلى أن مجرد إغفاله لمضامينه سيتيح لخصومه بأن يلتقطوا أنفاسهم ويعدّون العدّة لاستهدافه بحملة سياسية مضادة تحت عنوان أنه لا يريد تشكيل الحكومة، مع أنه لم يعد بيد عون من أوراق يمكنه استخدامها بعد أن فرّط بآخر ورقة لديه، والمقصود بها رسالته إلى الرئيس ماكرون.
لذلك بات على الحريري أن يبادر إلى حشر عون وفريقه السياسي الذي حاول بلسان باسيل في الجلسة النيابية تحويل رئاسة الحكومة إلى حقل اختبار لممارسات «العهد القوي» في فرضه لمعايير جديدة مخالفة للدستور يصر على اتباعها كشرط لتشكيل الحكومة، وصولاً إلى انتزاع الدور المناط بالبرلمان في منحه الثقة للحكومة وتجييره لمصلحة رئيس الجمهورية.
فباسيل أوقع نفسه في هرطقة دستورية عندما أناط بالكتل النيابية تسمية من يمثلها في الحكومة، ما يعني أنه يريد أن يحصر دور الرئيس المكلف بتلقّي أسماء المرشحين وإحالتها إلى رئيس الجمهورية باعتبار أنه وحده ومن وجهة نظره من يمنح الثقة للحكومة.
وعليه تترقب الأوساط السياسية الخطوة التي سيقدم عليها الحريري بعد أن بايعه البرلمان بتشكيل الحكومة وهذا يتطلب منه الانتقال من الدفاع إلى الهجوم متجاوزاً انعدام الثقة وفقدان الكيمياء السياسية بينه وبين عون لأنه لم يعد من الجائز الاستمرار في تعطيل تشكيل الحكومة في ضوء استعداد رئيس المجلس نبيه بري لإعادة تشغيل محركاته بغية الضغط لتهيئة الأجواء بلا شروط للإسراع بتشكيلها انسجاماً مع مضمون القرار الذي صدر عن البرلمان، والتزاماً بمواصفاته لإحياء المبادرة الفرنسية بعيداً عن التجاذبات التي يراد منها تسجيل النقاط لأنه يُفترض بالطبقة السياسية ألا تبقى في غربة عن اللبنانيين وأوجاعهم.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.