في يوم من الأيام، سيشعر نجم خط الوسط الإسباني مانو تريغيروس بالرغبة في أن يُحدث تلاميذه عن الفترة التي سجل فيها هدفا ساعد فريقه فياريال على التأهل لأول مباراة نهائية في تاريخه. فالرجل الذي سجل الهدف الافتتاحي في مباراة الذهاب للدور نصف النهائي للدوري الأوروبي هذا الموسم، والذي تسبب أيضا في ركلة الجزاء التي أعطت لآرسنال بعض الأمل في مباراة العودة، هو لاعب رائع في خط وسط فياريال، لكنه مؤهل أيضا للعمل في مجال التدريس.
لقد قضى تريغيروس تسع سنوات في الفريق الأول بنادي فياريال، وثلاث سنوات في جامعة سان بابلو في كاستيلون.
وعاش تريغيروس، وهو ثاني قائد لفياريال، أفضل لحظات حياته بعدما قاد النادي للوصول إلى المباراة النهائية للدوري الأوروبي على حساب آرسنال بعد الفوز في مجموع مباراتي الذهاب والعودة للدور نصف النهائي بهدفين مقابل هدف وحيد. لكن في مدرسة «نويسترا سينورا دي لا كونسولايون» الابتدائية حيث أكمل تدريبه كمدرس، على بُعد 15 دقيقة سيراً على الأقدام من ملعب «لا سيراميكا» الذي يحتضن مباريات فياريال، لا يعرف التلاميذ تريغيروس إلا باسم «السيد مانو».
وكانت مباراة العودة أمام آرسنال على ملعب «الإمارات»، والتي انتهت بالتعادل السلبي بما يعني تأهل فياريال للمباراة النهائية للدوري الأوروبي، هي أهم مباراة من بين المباريات الـ399 التي لعبها تريغيروس مع الفريقين الأول والثاني لفياريال. ويعد تريغيروس هو الأكثر مشاركة في المباريات مع النادي، بعد برونو سوريانو وماريو غاسبار، لكنه رغم ذلك لم يكن متأكدا في البداية من قدرته على احتراف كرة القدم من الأساس. يقول اللاعب الإسباني: «كنت أشعر بالقلق دائما، وأتساءل عما يمكنني أن أفعله لو فشلت في احتراف كرة القدم». وكان الجواب هو العمل في مجال التدريس.
ويشير تريغيروس إلى أنه من أشد المعجبين بلاعبين من أمثال النجم الإسباني أندريس إنيستا، ونجم ريال مدريد لوكا مودريتش، مؤكدا على أن زين الدين زيدان ورونالدينيو كانا من بين النجوم الأوائل الذين كان يعشقهم عندما كان صغيرا.
ويقول تريغيروس إن الطريقة التي يلعب بها كرة القدم تجعله يعمل دائما على «مساعدة الآخرين والانطلاق بين خطوط الملعب المختلفة، ومساعدة الفريق على التقدم للأمام، وليس مجرد نقل الكرة بشكل عرضي داخل الملعب. يجب أن يتحلى لاعب كرة القدم بالذكاء، وأن يساعد زملاءه من حوله على التطور والتحسن». ونظرا لأن تريغيروس يمتلك كل هذه المقومات، فقد تم تشبيهه بالأسطورة الإسبانية إنيستا عندما انضم لبرشلونة وهو في الخامسة عشرة من عمره.
لكن الأمور لم تسر كما كان يأمل في أكاديمية «لا ماسيا» للناشئين في برشلونة - لم يكن تريغيروس قد غادر تالافيرا من قبل ولم يجد مكانا له في برشلونة - وأعير إلى الفريق الرديف بنادي ريال مورسيا في دوري الدرجة الثانية بإسبانيا لمدة عام، قبل أن ينتقل إلى فياريال وهو في الثامنة عشرة من عمره. واستقر في كاستيلون، على بُعد 10 كيلومترات. والآن، لديه طفل صغير من زوجته مارتا، التي تعمل طبيبة.
يقول تريغيروس: «كانت الأمور في ريال مورسيا مختلفة عما كانت عليه في أكاديمية الناشئين ببرشلونة. عندما جئت إلى هنا، كان الفريق الرديف لنادي فياريال يلعب في دوري الدرجة الثانية، وكان الفريق الثالث لفياريال يلعب في دوري الدرجة الثالثة، وهو الفريق الذي جاء منه الكثير من لاعبي الفريق الأول للنادي في السنوات الأخيرة».
ويضيف «في فياريال، سخروا كل شيء من أجل مساعدة لاعبي فريق الشباب على تحقيق النجاح. يبحث النادي عن اللاعبين الذين يتحكمون في الكرة بشكل جيد، وليس عن اللاعبين الذين يركلونها لمسافات طويلة. لقد أقمت بشكل كامل لمدة عام داخل النادي، وكان النظام يقضي بوجود اثنين من اللاعبين معا في كل غرفة. كنت أرى ملعب التدريب من نافذة غرفتي، وكنت أتناول الطعام مع زملائي من اللاعبين هناك. لقد كان كل شيء صحياً للغاية ويساعد على تحقيق النجاح». لكن رغم كل ذلك، لم يكن تحقيق النجاح مضمونا، لذلك قرر تريغيروس مواصلة الدراسة، حيث درس في البداية المالية والمحاسبة، لكن الأمر لم يعجبه، قبل أن يتجه للتدريس. وواصل تريغيروس دراسته حتى بعدما تبددت كل الشكوك بشأن قدرته على ممارسة كرة القدم على المستوى الاحترافي.
يقول تريغيروس: «عندما كنت ألعب في الفريق الرديف وفي الفريق الثالث بالنادي، تساءلت عن المهنة التي يمكن أن أعمل بها لو فشلت في مواصلة مسيرتي مع كرة القدم ووصلت إلى الخامسة والثلاثين من عمري.
لذلك، قررت مواصلة الدراسة حتى يكون هناك بديل. وحتى عندما تم تصعيدي للفريق الأول، لم أتخلص من ذلك الخوف أبدا، وكنت أسأل نفسي دائما عما يتعين علي القيام به لو حدث أي شيء غير متوقع أو تعرضت للإصابة. ولحسن الحظ، واصلت اللعب في دوري الدرجة الأولى، كما حصلت على مؤهلاتي الدراسية أيضا. لكن تركيزي الأول كان دائماً على كرة القدم».
وبعد ثلاث سنوات من ظهوره في أول مباراة رسمية، أنهى تريغيروس تدريبه الدراسي، والذي كان عبارة عن تدريب نظري وعملي أيضا. ويقول عن ذلك: «إنني أستمتع بذلك، فتعليم الأطفال شيء رائع، وهم يفاجئونك كل يوم. أنا أتعامل معهم بطريقة ممتعة وليست صارمة، لكن عندما يحين الوقت لتحمل المسؤولية، فإنني أتعامل معهم بجدية كبيرة. هذا العمل يساعدني كثيرا على تصفية ذهني. وعلاوة على ذلك، فإنه إذا لم يكن لديك شيء تقوم به فسيكون لديك الكثير من وقت الفراغ وستشعر بالملل. وإذا لم تكن لدي هذه المهنة، فما الذي سأفعله عندما أعتزل كرة القدم؟ هل سأكتفي بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية؟» ويضيف «عندما أعتزل بعد تجاوز الثلاثين من عمري، سأكون قادراً على فعل شيء ما. وحتى لو لم تكن وظيفة بدوام كامل، فإنني أرغب في العمل لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات في الصباح، وربما أقوم ببعض دروس التربية البدنية بعد ذلك».
فهل يعني هذا أن تريغيروس لا يفكر في العمل في مجال التدريب؟ وما هو الأصعب: هل إدارة 25 لاعبا لكرة القدم، أم إدارة 25 طفلاً تتراوح أعمارهم بين ست أو سبع سنوات؟ يقول تريغيروس: «كلما تتقدم في السن، تزداد رغبتك في العمل في مجال التدريب. قيادة مجموعة من اللاعبين المحترفين أكثر صعوبة وتعقيداً. ولحسن الحظ، فالأجواء في غرفة خلع الملابس بالنادي جيدة جداً. فياريال ناد عائلي من بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة، ويعمل بكل جد على الحفاظ على الأجواء الجيدة داخل غرفة خلع الملابس وعدم السماح بوجود لاعبين يعكرون صفو هذه الأجواء. يقول بعض زملائي في الفريق إن الأمر أكثر صعوبة في بعض الأندية الأخرى. تخيل أنك تعمل كمدير فني وتحاول أن تجعل كل هذا العدد الكبير من الأشخاص يشعرون بالسعادة. لا يدرك اللاعبون هذا الأمر دائماً. الأمر يشبه ما يقوله الآباء للأطفال: (عندما تصبح أبا ستدرك ما أقوم به). أعتقد العمل داخل غرفة خلع الملابس أصعب من العمل في فصل دراسي».