سرطان الرئة: العلاج الموجّه يقلل الوفيات

تقارير عن أهمية التشخيص المبكر في المنتدى الثاني متعدد التخصصات حول المرض

سرطان الرئة: العلاج الموجّه يقلل الوفيات
TT

سرطان الرئة: العلاج الموجّه يقلل الوفيات

سرطان الرئة: العلاج الموجّه يقلل الوفيات

يحتل سرطان الرئة المرتبة السابعة بين السرطانات الأكثر انتشاراً على مستوى منطقة الخليج، حيث يشكل نحو 4.6 في المائة من جميع حالات السرطان، وفقاً لدراسة إقليمية نشرت في مجلة عُمان الطبية (Oman Medical Journal [2019], Vol. 34, No. 5: 397-403).
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية لعام 2020 الخاصة بالسرطان إلى أن سرطان الرئة، في المملكة العربية السعودية، يُعد السبب الرئيسي الخامس لوفيات السرطان، وهناك توقعات لارتفاع معدل الإصابة به بشكل كبير خلال العقد المقبل.
وتعد الرئة أحد أعضاء الجسم المهمة، وهي موجودة ومحمية بالقفص الصدري ويوجد زوج منها (هما الرئتان)، وهما الجزء الأساسي من الجهاز التنفسي للإنسان. تتكون الرئة اليسرى من فصين فقط، وهي أصغر حجماً من الرئة اليمنى والتي تتكون من ثلاثة فصوص. وتُغطى كل رئة من الخارج بالغشاء البلوري الذي يفصلها عن القفص الصدري.
وسرطان الرئة هو السرطان الذي ينشأ في الخلايا داخل الرئة، وهو عادة ما يصيب الأشخاص فوق سن 45 عاماً، ومن النادر أن يصيب الأصغر سناً.

- منتدى سرطان الرئة
عُقد في الرياض افتراضياً، المؤتمر الثاني للمنتدى «متعدد التخصصات» لسرطان الرئة في أوائل شهر أبريل (نيسان) من هذا العام، لمناقشة آخر المستجدات في تشخيص وعلاج سرطان الرئة. شارك في المنتدى نخبة من الخبراء الدوليين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا برئاسة الدكتور عبد الرحمن جازية، مدير البرنامج الدولي في مركز «سينسيناتي» لاستشاريّي السرطان. وقد تناولت أجندة المؤتمر، في نسخته الثانية، مواضيع متعددة تضمنت الفحص والكشف المبكر عن سرطان الرئة، وأهمية التحديد الدقيق لمرحلة المرض ودور الجراحة في المراحل المبكرة، والمنهجيات الجديدة في استهداف مستقبلات عامل نمو البشرة الطافرة في المراحل المبكرة لسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة (non-small cell lung cancer)، وفوائد علم الأورام المناعي بعد العلاج الكيميائي والإشعاعي في زيادة معدلات البقاء على قيد الحياة لدى المرضى غير المرشحين لاستئصال الورم، بالإضافة إلى ندوة حوارية حول كيفية تحسين رعاية مرضى سرطان الرئة في الشرق الأوسط.
وحظي المؤتمر الافتراضي بدعم جامعة الفيصل بالرياض والمجموعة السعودية لسرطان الرئة وجمعية الإمارات للأورام ورابطة الأطباء العرب لمكافحة السرطان ومركز «سينسيناتي» لاستشاريي السرطان والمركز الوطني لعلاج الأورام بالمستشفى السلطاني بسلطنة عُمان. وأقيم المنتدى برعاية شركة «أسترازينيكا».
وأكّد أخصائيو الرعاية الصحية، المشاركون في المنتدى الثاني متعدد التخصصات لسرطان الرئة، دور تعزيز فحوص الكشف عن سرطان الرئة، لدى المرضى المعرّضين لخطورة مرتفعة للإصابة به، في خفض معدل الوفيات المرتبط بالمرض في منطقة الخليج العربي والتي تشمل المملكة العربية السعودية.

- المرض إقليمياً
يشير التقرير الصادر عن فريق عمل الأورام في الإمارات العربية المتحدة تحت عنوان «واقع رعاية مرضى السرطان في الإمارات العربية المتحدة خلال عام 2020»؛ الذي نشر في مجلة الأورام الخليجية العدد 32 وقام به فريق طبي ترأسه الدكتور حميد الشامسي - إلى أنه يتم حالياً تشخيص نحو من 60 في المائة إلى 80 في المائة من الحالات في منطقة الخليج العربي في مراحل متقدمة من المرض، مع انخفاض معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات حتى 10 إلى 20 في المائة. ويكون السرطان، في أكثر من 90 في المائة من الحالات، قد انتشر خارج الرئة عند التشخيص، ما يؤكد ضرورة الفحص الدوري للأفراد المعرضين لمخاطر مرتفعة بهدف الكشف المبكر وتحسين معدلات البقاء على قيد الحياة. كما تبرز الحاجة لوجود برامج فحص أكثر تكاملاً للمساعدة في التشخيص المبكر على مستوى المنطقة، فعلى الرغم من توافر الاختبار السريع وعالي الحساسية للكشف عن سرطان الرئة (المعروف باسم التصوير المقطعي المحوسب بجرعة أشعة منخفضة) للأشخاص المعرّضين للإصابة بالمرض بخطورة مرتفعة، فإن برامج الكشف الوطنية ما زالت قدرتها الاستيعابية منخفضة.

- عوامل الخطر
عوامل الخطر التي قد تسبب سرطان الرئة:
> التدخين والسيجار والأرجيلة: تسبب ما يقرب من 9 بين كل 10 حالات (86 في المائة)، وبالمقابل هناك 3 في المائة من حالات سرطان الرئة تحدث بسبب التعرض للتدخين السلبي غير المباشر في الأشخاص غير المدخنين، ونحو 90 في المائة من سرطانات الرئة ناجمة عن تعاطي التبغ.
> التدخين السلبي (استنشاق الدخان من المدخنين الآخرين): أظهرت الأبحاث أن غير المدخنين الذين يقيمون مع مدخن معرضون بنسبة 24 في المائة لخطر الإصابة بسرطان الرئة مقارنة مع غيرهم من غير المدخنين.
> التعرض لغاز الرادون: وهو ثاني أكبر سبب لسرطان الرئة بعد التدخين.
> تلوث الهواء: يعتقد الباحثون أن من 5 إلى 7 في المائة من حالات سرطان الرئة في غير المدخنين هي بسبب تلوث الهواء، وقد تبين أن استخدام الفحم لأغراض الطهي والتدفئة في المنزل مع مستوى مرتفع من الدخان من أسباب زيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة.
> أمراض الرئة السابقة التي تسبب ندباً في الرئتين، قد تكون عامل خطر لنوع من سـرطان الرئة.
> التاريخ العائلي لسرطان الرئة: يزيد خطر الإصابة بسرطان الرئة بنسبة 51 في المائة.
> المناعة المنخفضة مثل فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) الذي يخفض المناعة، وكذلك أدوية تثبيط المناعة التي تؤخذ بعد عمليات زرع الأعضاء، تبين أنها تعرّض لخطر الإصابة بسرطان الرئة أكثر 3 مرات.
> العامل المهني والتعرض لمواد في مكان العمل مثل الأسبستوس، والزرنيخ، والكروم، والنيكل، وغاز الرادون، والقطران، يمكن أن تسبب سرطان الرئة لدى الأشخاص الذين يتعرضون لها في مكان العمل حتى ولو لم يكونوا أبداً مدخنين.

- تحديات
تشمل أبرز العوائق المذكورة في التقرير الذي نوقش في المنتدى الثاني لسرطان الرئة بطءَ التحول من مفهوم الصحة العلاجية إلى الصحة الوقائية، فضلاً عن الحاجة إلى برامج توعية مخصصة للكشف عن سرطان الرئة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية العامة والأولية. كما يجب توفير أنظمة مخصصة لاستدعاء الأشخاص المعرّضين لخطورة مرتفعة لإجراء الفحص.
ويجري حالياً تطوير برامج واعدة وأكثر تكاملاً في كثير من دول الخليج، حيث يمكن لتقنيات التطبيب عن بعد والتصوير الشعاعي عن بعد أن تحدث نقلة نوعية في الوصول إلى مرضى المناطق الريفية ممن لا يمكنهم زيارة المراكز المتخصصة في مرض السرطان. كما أصبحت تقنية تحليل التسلسل الجيني من الجيل التالي متاحة على نطاق واسع للمرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بسرطان الرئة في منطقة الخليج العربي، حيث يعتمد المسح الرائد في مجال الطب الدقيق على تحليل الواسمات الجينية التي يمكن استهدافها بأدوية معينة داخل الورم. وتطرّق المنتدى إلى تأثير أزمة «كوفيد - 19» على جهود الكشف المبكر مع انخفاض معدّل الإحالات والثغرات في سبل الرعاية الوجيزة للحالات الحادة والتي تشكّل تحديات مقلقة.

- تطويرات حديثة
> علاج جديد. في إطار التوجه نحو العلاج الموجه، تمت الموافقة مؤخراً على خيار علاج جديد من قبل الجمعية السعودية للغذاء والتغذية للمرضى الذين يعانون من سرطان الرئة «ذي الخلايا غير الصغيرة» في مراحله المبكرة، حيث تسهم طفرة جينية في انتشار الخلايا السرطانية. وخلال التجارب السريرية، تم إعطاء هؤلاء المرضى الجيل الثالث من مثبطات التيروزين كيناز كعلاج مساعد بعد إزالة الورم. ووجد أن العلاج يقلل من تكرار المرض، وهو أمر شائع الحدوث في المرحلة المبكرة بنسبة 80 في المائة، مقارنة مع أولئك الذين يتناولون العلاج الوهمي (بلاسيبو).
ومن جهته، أكد الدكتور حميد الشامسي، مدير خدمات السرطان والأورام في مركز برجيل للأورام  ورئيس جمعية الإمارات للأورام، أهمية الكشف المبكر في نجاح علاج سرطان الرئة، ويرى ضرورة توسيع نطاق عمليات الكشف المبكر مع وجود بروتوكولات فحص وسبل رعاية واضحة، واعتماد برامج الكشف في الممارسة السريرية، وإعطاء الأولوية للأفراد المعرّضين لخطورة مرتفعة، حيث يعد سرطان الرئة من الأسباب الرئيسية للوفاة في منطقة الخليج العربي.
> تقنيات تشخيص جديدة، مثل اختبارات الدم التي تستقصي الواسمات الورمية وتُعرف باسم الخزعة السائلة، سوف تغير المنظور السائد لمرض السرطان خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة، وسوف يصبح التشخيص أكثر سهولة وستتوافر تحاليل الكشف للأشخاص الذين لا يمتلكون عوامل الخطورة التقليدية.
> الرعاية الصحية. أكد الدكتور بيتر رؤوف، مدير وحدة أعمال الأورام لشركة «أسترازينيكا» في دول الخليج، ضرورة تغيير النهج في رعاية مرضى السرطان في منطقة الخليج، حيث أجمع على ذلك المشاركون من جميع الجهات المعنية في المنتدى متعدد التخصصات لسرطان الرئة، وأنه يجب أن تتضافر جهود كل أقسام نظام الرعاية الصحية لإحداث تأثير إيجابي في حياة المصابين بسرطان الرئة وتخفيف أعباء المرض في المنطقة، وقد اتضح في المنتدى مدى القدرة على التعاون لإثراء خبرات المجتمع الطبي في المنطقة وتقديم رعاية أفضل لمرضى سرطان الرئة وتحسين معدلات البقاء وجودة الحياة.

- توصيات واقتراحات
الدكتور عبد الرحمن جازية، مدير البرنامج الدولي في مؤسسة «سينسيناتي» لاستشاريّي السرطان، أستاذ مساعد في طب الأورام في جامعة الفيصل، ورئيس المنتدى والمشرف على الجلسة الحوارية فيه والتي دارت حول تطوير معطيات وبيانات سرطان الرئة في المنطقة - يؤكد على التوصيات والمقترحات التالية:
> يُجمع الخبراء الإقليميون على ضرورة دعم علاج سرطان الرئة المتقدم في منطقة الخليج العربي وتحسين تجربة المريض العامّة من منظور متعدد التخصصات.
> تشجيع التعاون والبحث وتبادل المعرفة والتطوير المهني بين مجتمع أخصائيي سرطان الرئة في دول الخليج وخارجها.
> توفير البيانات الدقيقة حول سرطان الرئة يُعد ضرورة لتحقيق رعاية ناجحة لمرضى السرطان، كما يكسب الموضوع أهمية كبيرة بالنسبة للجميع، خصوصاً الدول مع عدد قليل من مرضى سرطان الرئة، التي ستستفيد من البيانات الإقليمية على نطاق أوسع وأكثر شمولاً.
> إمكانية خفض معدل الوفيات بنسبة 30 في المائة إذا تم فحص 50 في المائة من المعرّضين للإصابة بمرض سرطان الرئة، وقد تم وضع إرشادات صادرة عن الجمعية السعودية لسرطان الرئة مع توفير الموارد اللازمة للكشف عن المرض، التي كانت لا تُستخدم بشكل كافٍ في معظم الحالات.
> يؤكد منتدى سرطان الرئة أهمية التعاون لتصميم خطط وسبل رعاية كاملة لمرضى السرطان، بدءاً من تسهيل الوصول إلى إمكانات الفحص لكل الحالات المشتبه بإصابتها، ووصولاً إلى توفير خطط الرعاية المستدامة وعالية الجودة وبرامج إعادة التأهيل.
> من الضروري تصميم خريطة طريق واضحة بهدف تحسين رعاية سرطان الرئة، ومراجعة المبادئ التوجيهية الحالية حول الفحص والتأكد من وضع أفضل المعايير وتنفيذها، هذا بالإضافة إلى التعاون على المستوى الإقليمي لتبادل الخبرات والأبحاث التي تسهم في بناء أدلة على النتائج وتحديد الفاعلية من حيث التكلفة.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

صحتك كيف تنقص الوزن بشكل دائم؟ (شاترستوك)

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

دائماً ما يوجد حولنا أشخاص «يتمتعون بعملية أيض سريعة»، أو على الأقل نعتقد ذلك، هؤلاء الأشخاص لديهم شهية كبيرة، ومع ذلك لا يكتسبون وزناً أبداً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الضغط الإضافي قد يؤدي إلى إتلاف ممرات الأنف ما يزيد من فرص حدوث نزيف مؤلم (رويترز)

طريقة تنظيف أنفك الخاطئة قد تضر بك... ما الأسلوب الأمثل لذلك؟

لقد لجأ مؤخراً أخصائي الحساسية المعتمد زاكاري روبين إلى منصة «تيك توك» لتحذير متابعيه البالغ عددهم 1.4 مليون شخص من العواقب الخطيرة لتنظيف الأنف بشكل خاطئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

أكد موقع «سيكولوجي توداي» على أهمية الصداقة بين البشر حيث وصف الأصدقاء الجيدين بأنهم عامل مهم في طول العمر

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».